صحيفة المثقف

الأرض والإنسان والكورونا

معراج احمد الندوييشهد العالم اليوم أزمة صحيةً عالمية لم يتمكن حتى اللحظة من التعامل معها بفاعلية كافية، وليس هناك شكوك في خطورتها التي أودت حتى اللحظة بحياة آلاف البشر، توحد هذا البلاء الجهود المشتركة نحو لقاح فعال، مع سريان همس في السر والعلن عن أطراف تنتفع من وراء استمرار الوباء العالمي.

إن العالم وحدة واحدة، ولا يستعبد الاختلافات أو الخلافات كشأن بشري، قرب فيروس كورونا الناس في ألمهم وحلمهم الوحيد، ولعلهم يتساءلون بعد العاصفة عن معنى ومبنى إنسانيتهم الواحدة المتألمة معا، والمتطلعة أيضا معا في الخلاص والنجاة، إن لم تكن آفة النسيان هي ملامح ومعالم تلك الحارة من جديد.

أصبح العالم قرية صغيرة، واليوم يمكننا القطع بأنه أضحى حارة أصغر من القرية، حارة في العالم الافتراضي الذي يعيش الناس حبيسي منازلهم وراء شاشاته، ولولاها لماتوا من الضجر قبل أن يهاجمهم الفيروس القاتل.

هذا المرض الذي لا يزال الطب عاجزا عن ايجاد الدواء الشافي له، وأنه كورونا تجاوز بتداعياته على مجال الصحة والعلوم الطبية كما هو الشأن مع كل الأوبئة التي مرت على البشرية. ولن يكون تأثير كورونا على النسق الاجتماعي والسلوك البشريبل يكون أثره في مجال الآداب والفنون، وسيكون على علماء الاجتماع والآداب والمبدعين أن يجددوا نظرياتهم ومقارباتهم لمفهوم المجتمع ومفهوم التضامن والتعاضد الاجتماعي.

واليوم الإنسان يقف عاجزا عن الإتيان بالماضي مرة أخرى كما يعجز عن الإتيان بالمستقبل. ولا يمكن للإنسان أن يعيد الزمن إلى الوراء مرة أخرى. إن الوباء على قساوته وخطورته، يشكل محكًا لمراجعة الذات والوقوف على الاختلالات، ومحاولة تجاوزها بسبل علمية وعقلانية في المستقبل.

لا يقف هذا الوباء عند حدود ثنائيات الصحة والمرض، والحياة والموت، والوجود والعدم، وإنما يتسرب بتداعياته إلى الثقافة والسياسة والاقتصاد والدين وباقي أنماط الاجتماع الإنساني، بل إنه يقوض سلطاً ويؤسس أخرى، ويمحو دولاً وعصوراً وينشئ أخرى، وأن الوضع ما بعد كورونا لن يكون كقبل كورونا وسٌيجبر المجتمع العالمي على تغيير ثقافته وسياسته.

لقد كشفت جائحة كورونا عن كثير من قيم التضامن الإنسانية التي تنادت لها مختلف الفعاليات المجتمعية في القارات الخمسة  في سبيل مواجهة الفيروس القاتل بعيدا عن الاختلافات السياسية والدينية والثقافية حتى بدأ العالم رحما واحدة  موصولة.

يذكرنا كورونا بأن الاستثمار في الصحة والتعليم والتقنية هو السبيل لتأمين البقاء، وأن الميديوقراطية والاستبداد السياسي والهويات القاتلة والتيارات الإيديو دينية، لن تفيد المجتمعات عندما تشتد الأزمات، وأن ما يمكث في الأرض وينفع الناس، هي البيئات الحاضنة للنجاح التي تستثمر في البشر لا الحجر.

إن العالم ما بعد كورونا سيعيد بناء نفسه من جديد، وسيسعى جاهدا إلى تضميد جراحاته والإفادة من أخطائه بحق الطبيعة والإنسان، وهي فرضية تقود إلى تراجع فرص التناحر والصراع بين الدول، ولن يكون أمام العالم سوى بناء جسور للسلام والاحترام المتبادل بين الثقافات المختلفة.

 

الدكتور معراج أحمد معراج الندوي

 الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها

 جامعة عالية ،كولكاتا - الهند

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم