صحيفة المثقف

جحا يبحث عن هدية لماما

عصمت نصارهبطت طائرة "جحا" الخاصة في ميدان السيدة نفيسة، وذلك بعد انتهاء رحلته التنقيبية عن الـﭽين الوراثي (العصعص) لآدم عليه السلام أو أحد الأنبياء والقديسين، وذلك ليصنع منه دواءً للانحطاط الأخلاقي، وتطهير الأنفس من الدنس الذي استشرى بين الناس، وذلك بعد يأسه من تفعيل خطابات هرمس ووصايا الجبل، وأحاديث العشاء الأخير وخطبة الوداع للمصطفى، ذلك فضلاً عن أحاديث زرادشت وبوذا وكونفشيوس الأخلاقية.

فقد أدرك جحا أن خطابات الوعظ والارشاد لم تعُد كافية لإصلاح ما فسد، فالتطهير أصبح من الضرورات والحاجات المُلحّة للواقع المعيش. خرج جحا من باب الطائرة بصحبة طبلته وطرطوره وحنطوره، وراح يتفقد الناس من حوله، ثم أمسك بمحموله ليطمئن على حفيديه "يس" "ورقية" حيث يعقد عليهما الآمال وصلاح الحال.

وقد اختلق حشود المستقبلين أحد الرجال ويُدعي يعقوب الصيرفي:

يعقوب: وحشتنا يا جحا ومليون سلامات فين كاشاتك يا عمدة ورُزم الدولارات؟

جحا: جرا ايه يا خبيث ما الدولارات سحبتوها واتفقتوا على خراب بيت أمي والعيال تجوعوها، حتى الشيخ بندر واصحابه البهوات هرّبوا فلوسهم لبره بالفاكسات والتحويلات، ما هُمّا برضوا عاوزين يوقعوها مادام معرفوش ينهبوها.

وانبرى الأسطى صلاح مهنئاً بسلامة الوصول قائلاً:

صلاح: حديثك عن الكلامنجيّة عجبني بس مبطلوش، والبرلمانات والصحف الغربية ما بيهمدوش وكلام الناس عن الأطبة والشرطة وسواقين التكاتك، وتوتو العجيب، وقاضي القضاة، والقضايا المركونة، والعدالة المسجونة، وغياب الزيت، والغلة المطحونة، وكلام تاني ما أنزل الله به من سلطان، لا بيأكل جعان ولا بيسقي عطشان.

والكل بيقول بدون حرج بعد ثورتين والحال زي ما هو وما جاش الفرج.

جحا: أنا متابع يا أبو صلاح، واللي جاي أكيد أحسن من اللي راح، والدفة المكسورة بيعدلها الملاح، بس القضية أنه لوحده مفيش بحّارة تساعده بمجاديف، والفالح منهم مستني التكليف والخلاصة انه محدش عاوز يشتغل، وفاكرين اللقمة هيجيبها الجن من ورا الجبل، والمصريين نسيوا إن الأيد البطالة نجسة، والرزق ربنا بيبعته لما نخلِص في العمل.

وبعدين متنسّنيش إني عاوز أجيب هدية لماما، عشان البر والوفاء يبقالوا أمارة وعلامة.

على جنب الطريق كانت تجلس امرأة تُدعى "أم يسار" كلامها زي الدبش وعنيها بطقْ شرار..

أم يسار: عاوز هدية لأمك بلا وكسه، داهية تغُمك، اشتريلها الشرف أصلها بقت مفضوحة لا شرعية ولا دين وابنها اللي جبتوه بيلعب حلمبوحه ولا عارف يوكّل عيالها ولا يداوي المجروحة.

جحا: بتقول أشتريلها الشرف وأنتي الخُبث كله فيكي والرجس والدنس، وبتقولي إفيه ريحته قرف، يا وليه انتوا اللي خربتوها وكل ما تقيم راسها بإديكم القذرة بتضربوها، وبتستعدوا عليها الأبالسة علشان تضيعوها.

وعلى الجانب الأخر من الطريق وقفت الآنسة زهرة تُرحب بجحا:

زهرة: أقولك على هدية لماما، أقطف من عدن عشر وردات، الحب والعفة والحياء والصبر والتقوى والرحمة والأمل وعود فُل وزهرة الحنّا، وياسمينه من الجنة، واربطهم في صحبه، وجمّع عيالها اللي بيغنولها واللي بيبنوها واللي بيحموها عصبة.

جحا: كلامك جميل والهدية مناسبة ومعقولة والورد أبلغ دليل للود بس مش هيشفيها، ولا يوكّل عيالها ولا يمسح دموعها على الشهدا، ولا يسدد ديونها، ومتنسيش إنها عننا مسئولة.

ثم وقف جحا أمام محل جرجس للإلكترونيات، ودخل وقابله أبناء صديقه كرولس، وأخيه في الرضاعة وسأله:

جحا: إيه يا شباب هما مخترعوش لسه شريحة تنقذنا من العذاب وتشفينا من التنبلة والكذب والقسوة وتحول الطعمية والفول لطرب وكباب؟! شريحة تخُش العقل وترجّعه نضيف زي ما كان ما فيهوش خُبث ولا حسد ولا خيانة وتقوّي فيه الورع والشهامة والأمانة؟

أحد أبناء المعلم كرولس: شريحة إيه يا عم جحا؟ عاوزها للنت ولا اتصالات .. باين عليك بتحلم لا أجدادنا اخترعوها ولا الخواجات صنعوها .. اللي ينضف السراير وينقي الضماير إرادة من جوه وصّى بها موسى وعيسى ومحمد .. الشريحة اللي انته عاوزها اسمها التقوى.

وأحسن هدية نهديها لماما في عيدها صحيفة نكتبها بدمنا .. ونمضي عليها كلنا .. ونُقسم فيها على إخلاصنا ليها .. والعمل بإتقان علشان نحميها.

جحا: أنا مقتنع بس العهود بالفعل مش بالكلام، ومش بالأغاني ولا بالأفلام، تعالى أنا وأنته نلف على البيوت في كل حارة وشارع، مش علشان نلم معونة، ولا حق الهدية المكنونة، لأ علشان نحفّز كل إيد تعرف تعلم وتبني وبصوت الحق تكتب وتفهّم، وبكده بس نعرف نجيب الهدية ونبوس إيدين ماما وراسها ونسلّم.

 

بقلم: د. عصمت نصّار

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم