صحيفة المثقف

المعنى الميتافيزيقي لفكرة اللامتناهى بحسب فيلون

عقيل العبودمقاربة فلسفية لحقيقة الذات الالهية

يبدو ان هنالك تعارضا في تفسير المعنى الخاص بكلمة المتناهى، فهو يعني بحسب اصحاب الفلسفة اليونانية انه المتكامل بصفاته وطبيعته، وهو المدرَك المحدد الأوصاف، وبعكسه اللامتناهى كونه بحسبهم إنما يشار به الى غير المدرَك وغير المعرف، اوالمحدد الأوصاف.

ولذلك يعد المتناهى هو الأكمل بنظرهم، اما اللامتناهى فهو الناقص باعتباره غير واضح التعريف.

بينما فيلون يعتبر ان اللامتناهى هو الأكمل، فهو يحيط بالمتناهى، وهو الكلي بصفاته غير المدركة، ولذلك لا يمكن ادراك حقيقته الوجودية، وغير المدرَك يعني ان العقل يعد قاصرا للإحاطة بصفاته وطبيعته اللامتناهية.

ولذلك وبحسب تحليل الدكتور بدوي، فان المعنى ينساق الى تعريفين لفهم حقيقة اللامتناهى، الأول ديني، والثاني فلسفي، اما التعريف الديني فهو متعلق بطبيعة التفكير الخاص بفيلون، والذي يتعارض مع التفكير الفلسفي، كون الفلسفي يسلب لغة الكمال عن اللامتناهى، وذلك من باب السلب والإيجاب، أي انتفاء الصفات وعدم اثبات حقيقتها الوجودية.

والمعنى كما ما يبدو لي بحسب فيلون، هو ان اللامتناهى يدخل في باب (السلوب)، من باب سلوب الإدراك، وليس من باب سلوب الصفات، كون العقل يصعب عليه القيام بمهماته الإيجابية في استكشاف المعنى الوجودي لصفات اللامتناهى.

 

وبعكسه المتناهى فهو يسهل ادراكه والإحاطة به، كونه محدود بطبيعته الوجودية، فهو (محصور الصفات وليس معلوم الصفات كما عبَّرَ فيلون).

وأصل الإشكال ان السلوب بحسب اصحاب التفكير اليوناني من السلب، والسلب نفي لتحقق الذات، وهو بعكس الإيجاب الذي يعني تحقيق الطبيعة الادراكية للذات. ولذلك يعد فيلون ان عدم ادراك اللامتناهى هو قصور الطبيعة الادراكية للتفكير المتناهي.

وهذا بحسب الدكتور بدوي يعد اشكالية وقع فيها فيلون باعتبار ان هنالك تناقضا بين الثبوت والسلب، فهو يقول:

"ولهذا نجد فيلون من ناحية ينظر الى صفات الله باعتبارها سلوبا، ولكنا نجده من ناحية اخرى ينعت الله بصفات ايجابية ، لأنه لا بد ان يحدد هذه الصفات السلبية على أساس فكرة لديه عن ماهية الصفات الثبوتية الواجبة لله، ولم يستطع فيلون ان يتخلص من هذا التعارض بين الصفات الثبوتية وبين الصفات السلبية" [1].السطر ١٨-٢٤ ص ١٣٠-٣١.

وهذا ما يدعو للبحث في خصوصية المعنى الدقيق لقضية الصفات السلبية التي يقصدها فيلون، بغية التمييز بينها وبين المراد من الصفات الثبوتية.

فالسلب الذي يقصده فيلون بحسب اعتقادي هنا يعود الى عدم تحقق المدرَك من الصفات، والإيجاب هو تحقق المدرَك من الصفات. وهذا هو محل الإشكال الذي يعتقده الدكتور بدوي كما يبدو.

وبما ان الله غير محدد بصفاته فهو الكلي، والأكمل الذي لا حدود لطبيعته الوجودية.

ولذلك جاء في تفسير الدكتور بدوي:

"وهذا يبدو اول ما يبدو بأوضح صورة في فكرة فيلون عن الله. وهنا نجد لأول مرة في تاريخ الفكر الديني اوالميتافيزيقي فكرة اللامتناهى، بإعتبار أنه اعلى درجة من المتناهى. فالحال قد انقلب هنا الى الضد تماماً مما كانت عليه الحال من قبل في التفكير اليوناني: فقد كان اليوناني ينظر الى اللامتناهى باعتباره أحط درجة من المتناهى، لأن المتناهى هو الذي له طبيعة وهو المحدود، وما له طبيعة وما هو محدود أعلى درجة قطعاً من الشئ اللامتناهى، غير المحدود بطبيعته"[2]. المقطع الثاني، السطر ١-٨.

وهذا يعني ان فيلون قد ساهم في توضيح وإيجاد المعنى الآخر لفكرة اللامتناهى.

إذن هنالك مدرستين متعارضتين في فهم حقيقة اللامتناهى، الأولى تنفي حقيقة الأكملية عن اللامتناهى وهي المدرسة الفلسفية، والثانية تقر بأكملية المتناهى وهي المدرسة الدينية اوالميتافيزيقية التي اتبعها فيلون.

 

عقيل العبود

.........................

هوامش:

- الدكتور عبد الرحمن بدوي، خريف الفكر اليوناني، السطر ١٨-٢٤ ص ١٣٠-٣١. صفات الله عند فيلون.

- الدكتور عبد الرحمن بدوي، خريف الفكر اليوناني، دار بيروت الطبعة الأولى. ص ١٢٩، سطر ١-٨، المقطع الثاني.

* ملاحظة كُتبت كلمة (اللامتناهى)، هكذا كما وردت في النص.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم