صحيفة المثقف

حقيقة الذات الإلهية عند فيلون

عقيل العبودمقاربة فلسفية بين الصفات الثبوتية والصفات السلبية

مما لا شك فيه ان فكرة السلب والثبوت؛ هاتان المقولتان مهمتان للبحث في حقيقة الذات الالهية، كوجود يتصف بالمعاني الكلية للمفاهيم، لا المعاني الجزئية، بإعتبار ان الصفات الإلهية كمقياس للامتناهى، هي غيرها الصفات الخاصة بالمتناهى.

فالبشر غير الله في صفاته، باعتبار ان قدرة الخالق غير قدرة المخلوق، وكذلك الحال لو تم إدراج باقي الصفات الإلهية ومناقشتها في هذا الباب فيما يتعلق بالخير والشر.

ولكن الذي يهمنا الآن هو كيف ان فيلون يجمع الصفات الإلهية كمفاهيم في مصداقين أساسيين هما الخير، والقدرة؛ وهذا ما يرتبط بدوره بموضوع الحدوث والعلة من حيث الأسباب والمسببات.

ومن المناسب الإشارة الى ان هذه الموضوعات ترتبط بما تم مناقشته عن الفرق بين المتناهى واللامتناهى، بإعتبار ان للصفات الإلهية معان مطلقة كلية، بينما تتسم صفات البشر بمعانٍ جزئية، وهذا الفرق

يدلنا على الطريق الواضح للبحث في مقولة الخير كحقيقة وجودية مطلقة يتصف بها الخالق متميزاً عن باقي المخلوقات. 

كونه أي الخالق لا يخرج منه الشر بلحاظ الوصف الذي يتميز به كقوة للخير، بينما يتصف الإنسان بالشر والخير معا.

علما ان الخير يقترن بقدرة الخالق الكلية، كونه عندما يفعل خيرا، فإن فعله غير مقتصر على مساحة صغيرة اوجزئية من هذا العالم، بل كونية وهذه القدرة على فعل الخير هي العلة الوجودية في الموجودات، والأشياء، وجميع موضوعات الكون.

وبما ان هذه القوة الكلية سارية في الوجود، فإن هنالك وسائط أوقوى تخضع اليها، وهذه الوسائط بها يظهر الفعل الإلهي بلحاظ القدرة والعلة.

" والقوى الالهية عدة أنواع عند فيلون، يُعنى بأن يذكر من بينها خصوصًا أربعة أنواع: فهو يذكر اولا الأنواع التي على مثال الصور الأفلاطونية وهي التي تكون نماذج يُخلق على غرارها ما هو موجود، والقوى الثانية من نوع القوى العنصرية السائدة في الطبيعة عند الرواقيين، والنوع الثالث هو الملائكة في المعتقدات اليهودية، والنوع الرابع هو الجن في المعتقدات الشعبية اليونانية. وعن طريق هذه القوى المختلفة يتصل الله اوفعل الله بالكون. والله لا يدرك في الواقع في فعله من حيث هو فعل، ولكن في آثار هذا الفعل. والذي يعنينا خصوصا فيما يتصل بنظرية الوسائط هذه " فكرة الكلمة" أواللوغوس*"". السطر ١٠-٢٠ ص ١٣٤

والمراد من المعنى ان إثبات الحقيقة الإلهية تقتضي ادراك آثار الفعل الإلهي، عن طريق ادراك دور القدرة الإلهية في التسخير الوجودي للقوى اوالوسائط التي بسببها تحدث الأشياء والظواهر.

وهذا معناه ان قانون الحدوث والحركة هو قانون العلة الذي ترتبط به الوسائط الأربع والتي منها تشكلت فكرة اللوغوس والذي يجمع هذه القوى.

وهذه الفكرة منها يتم ادراك الصفة الوجودية لحقيقة الذات الإلهية، ومنها ايضا يمكن اشتقاق باقي الصفات، على أساس إرجاع جميع الصفات الأخرى الى صفة واحدة، وهي الوجود . وهذا ما تم مناقشته في التعليق ادناه بحسب الدكتور بدوي:

"ولهذا نجد فيلون لا يريد ان يبقى على أية صفة من صفات الله، بل ينعته بأنه الموجود بلا كيف ولا صفة....، ويخرج كل الصفات الأخرى عن الله، ولا يبقي له غير صفة واحدة هي صفة الوجود : فنحن نعرف ان الله موجود، ولكننا لا نعرف مطلقاً كيفية هذا الوجود ؛ فهو إذن وجود بلا كيف ، لأنه ليس في مقدورنا ان نحدد طبيعة هذا الكيف. ولذا يجب الا نبقي من بين اسماء الله الا على اسم واحد، وهو الاسم الذي يدل على الوجود أعني" يَهـوَا " ". السطر ٥-١٣ المقطع الأول ص ١٣٢

وعليه وبحسب تفسير الدكتور بدوي، فإن فيلون قد وقع في تعارض واضح بين الفلسفة والدين، حيث ركن الى الدين من خلال مناقشته لوجود الذات الإلهية بعيدا عن تحليل قانون الكيف الذي به يتم المعنى الأشمل والأدق للذات الإلهية، حيث بحسبه فان اسماء الله التي تدل على صفاته تنسب الى الصفة الوجودية لإسم يهوا الذي يشار به الى الخالق بحسب الفكر الديني الذي ورد في الإنجيل وما يتعلق به من كتابات، وهو ما يتلازم وفكرة المبدأ العلي للذات الإلهية التي أراد فيلون الوصول اليها.

حاشية: "وتاريخ الفكرة (اللوغوس) تاريخ شائق فقد تطورت كثيرا عند اليونان، وعند اليهود، وعند فيلون، وعند المسيحية بوجه خاص. فهناك مقدمات تاريخية كثيرة لنظرية اللوغوس سواء في الكتابات اليهودية أوفي الفلسفة اليونانية". نهاية المقطع الثاني، السطر ١-٤، ص ١٣٤-٣٥

 

عقيل العبود

........................

هوامش

- دكتور عبد الرحمن بدوي خريف الفكر اليوناني الطبعة القديمة ١٩٤٢، الصفحة، ١٠-٢٠ ص ١٣٤، فكرة الكلمة اواللوغوس.

- دكتور عبد الرحمن بدوي خريف الفكر اليوناني الطبعة القديمة ١٩٤٢، السطر ٥-١٣ المقطع الأول ص ١٣٢، صفات الله السلبية والثبوتية

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم