صحيفة المثقف

تموضع الوعي العقلي

علي محمد اليوسفبداية: هل يستنفد الوعي ذاتيته الادراكية في تموضعه بعالم الاشياء كما هو الشأن مع الفكر واللغة في تموضعهما التعبير عن موضوع ادراكي للعقل؟

أجابة بول ريكور المقاربة عن تساؤلنا هو (أن الوعي يستنفد ذاته بتاسيس وحدة المعنى والحضور في الموضوع، والوعي ليس وحدة الشخص بذاته ولذاته،ليس لأحد الاشخاص،فالانا أفكر هي فقط صورة لعالم هو بعامة مجرد مشروع لموضوع)1.

نفهم من هذا أن الوعي الفردي يتحول في تموضعه الى فعالية جماعية ويفتقد ميزته أنه فعالية فردية كما في طبائع علاقة الوعي الانفرادي بالاشياء. والوعي الفردي حين يستنفد ذاتيته في تموضعه بالشيء يصبح ويتحول الى وعي جمعي في التلقي الاستقبالي للشيء من بعد التعبير عنه لغويا. اذن الوعي بشيء معيّن هو خاصية فردية منفردة وهذا لا يمنع تكرار فرديتها مع عدد لا محدود من الناس. لكن عندما يتحول الوعي من ادراك تجريدي لشيء يموضعه العقل في عالم الاشياء كينونة مستقلة بصفات عقلية معينة عندها يتحول الوعي من تجريد ادراكي الى جزء من موضوع مادي ويستنفد الوعي ذاتيته كوعي مجرد. وكذا نفس الحال مع اللغة في فقدانها خصوصيتها الفردية حينما تتحول الى تموضع في الاشياء.

ونقول حين يستنفد الوعي ذاتيته الادراكية العقلية في موضعته بشيء كموضوع مدرك عقليا فهو يفقد الذاتية فكريا تجريديا بمعزل عن فيزيائية أرتباطه العضوي الفسلجي بالعقل التي لا تفنى ذاتيته المدركة في موضعته الاشياء في التعبير عنها بالفكر واللغة ويصبح الوعي بالشيء هو في تموضعه التاويلي جماعيا ولا يكون الوعي بعد موضعته وعيا منفردا يهم شخصا بعينه دون غيره..

الوعي جوهر تجريدي لافييزيائي من حيث مصدره التخليقي المرتبط به العقل كجوهر فيزيائي بالمعنى البيولوجي.. الوعي يتموضع في عالم الاشياء بلغة التجريد والفكر المجرد معا بنفس وقت الوعي هو غير عضو بيولوجي يتبع المنظومة الادراكية العقلية الفسلجية التي هي بمجموعها تمثل العقل  كجوهر مادي خاصيته الماهوية الوعي الذكي في توليد الافكار والتعبير اللغوي، فالوعي يبقى ارتباطه بمنظومة العقل تجريدا لغويا في المعنى هو أقرب علاقة  بالفكر واللغة التعبيرية منه الى قربه من العقل كجوهر بيولوجي مادي. اذا كانت مقولة ديكارت تذهب الى أن العقل جوهر منفصل عن الجسم ماهيته التفكير، فهذا يسمح لنا القول أن تفكير العقل لا يأخذ حّيز التنفيذ حين لا تكون ماهيته اللغة.

وفي الوقت الذي نجد العقل يحمل خاصيتي التجريد والبيولوجيا معا فأن الوعي والفكر واللغة تبقى حلقات تجريدية في منظومة العقل الفيزيائية . فيزيائية العقل تبدأ بالحواس وتنتهي بالدماغ في تخليقه الوعي الذهني للاشياء. والوعي والفكر واللغة تجريد ماهوي لجوهر العقل المادي في كل الاحوال.

ويبقى تبادل موضعة الوعي للاشياء دونما أنفصاله عن منظومة الادراك العقلي البيولوجية أو التجريدية.. فحيثما يكون العقل تكون ملازمة الوعي القصدي له ولا يتبّقى أثرا للوعي بعد تموضعه المادي في الشيء كمثل اللغة المتموضعة في الشيء الذي عبّرت عنه فهي تصبح لغة القاريء المتلقي وليس لغة العقل المجرد في التعبير قبل موضعة العقل لها بالاشياء ..

الوعي في تموضعه بالشيء أنما يتوّسل اللغة ولا أختلاف هنا في تموضع اللغة بالشيء عن تموضع الوعي لنفس ذلك الشيء فاللغة التموضعية تبقى وعيا مفتوحا مفصحا عن احتمالات تاويلية تواصلية على مستوى تعدد القراءات. تموضع الوعي يتلاشى بالشيء لأنه نشاط فردي متموضع مثل تموضع اللغة بالشيء،،، وتموضع اللغة بالشيء تبقى تاويلا جماعيا في التلقي المفتوح المتعدد رغم أنبعاثها الصادر عن الوعي الفردي لشخص بعينه دون غيره..

من الخطأ تصورنا انعدام معنى الوعي في تموضعه واستنفاد ذاته باشياء العالم الخارجي وفي مواضيع الادراك داخل النفس على أنه تجريد وعوي ذهني ادراكي فائض عن حاجة منظومة الادراك العقلي التي تحتويه ولا أهمية ضرورية له في شان حضوره عن غيابه.يذهب بعض الفلاسفة مع خطأ أعتبار الوعي لا يمثّل شيئا على الاطلاق والوعي بنظرهم مصطلح تداولي لا معنى محدد له شأنه شأن العقل غير الفيزيائي فهو لا يمكننا تعريف ماهيته.ما جعل جلبرت رايل يطلق عبارته الصادمة العقل ليس شيءا على الاطلاق. نفس تموضع الوعي التجريدي يطال تموضع تجريد الفكر واللغة ايضا بتعالقهما بالوعي والعقل فكليهما يفقدان ذاتيتهما في موضعتهما في موضوع الادراك العقلي بخلاف العقل فهو جوهر لا يفقد ذاتيته في تموضعه الادراكي للاشياء تجريدا صوريا كما هو الحال مع الوعي واللغة. العقل ليس واسطة تموضعية بذاتها كما هو الحال مع الفكر والوعي واللغة فهي وسائل تموضع تفكير العقل ولا ينوبون عنه لا في الادراك ولا في التموضع.

طاقة العقل التوليدية للفكر واللغة تستنفد نفسها في تموضعها لغويا في موضوعها، ويبقى العقل جوهرا فيزيائيا في علاقته بالجسم وليس علاقته بتجريدات الفكر واللغة في أستخدام العقل لهما وسيلة تعبير واحدة مندمجة مع بعضها. وتصبح الاضافات لمعنى الموضوع أو الخطاب أو النص فعالية جماعية في التلقي الاستقبالي وليست فعالية فردية كما في تموضعها  لاول مرة في نص أو موضوع أو شيء.

الوعي توسيط ضروري وحاجة ماسّة تتوسط بين العقل والاشياء لا يفقد حضوره الدائم تجريدا في ملازمة العقل وسيلة موضعته الاشياء ويبقى الوعي في كل الحالات في لا تموضعه عالقا في فضاء التفكير العقلي وهو لا يكتفي بمهمة توسيل تجريدي نقله لمدركات العقل كونه حلقة منظومية غير بيولوجية في جهاز العقل الادراكي. الوعي تجريد لغوي هادف لمعنى معيّن يكون تموضعه بالاشياء بوسيلة اللغة في التعبير.

فالوعي تفكير لغوي حضوري تجريدي يلازم العقل سواء أستنفد ذاتيته التعبيرية التواصلية في المنظومة العقلية الادراكية في تعبير الفكر واللغة وموضعة الاشياء به كوسيلة تنفيذ اجراءات العقل الصادرة عنه، أم بقي تفكيرا صوريا تجريديا لغويا صامتا معلقا بالذهن غير متموضع بالاشياء، ويبقى حلقة حاضرة على الدوام في تلك المنظومة العقلية كتجريد يتوسط كلا من العقل والموضوع في تعبير اللغة والفكرعن موضوعات الوعي الذهني. وكما يتوسط الانسان كجوهر مادي - روحي بين الطبيعة والله، يتوسط الوعي بين العقل واللغة. وبين العقل والاشياء ايضا.

ميزة الوعي في ملازمته العقل هو في لامادية الوعي في وقت هو وسيلة العقل في التعبير عن مدركاته التجريدية للاشياء. ويفقد الوعي الفردي تجريده في تموضعه بالاشياء، ويبقى محتفظا بتجريده كما هي خاصية اللغة التجريدية في أفصاحهما(الوعي واللغة) عن ماهية العقل المادية في التفكيرالادراكي الهادف.

أهم ميزة للعقل أنه منظومة ادراكية مزدوجة وتركيبة متناقضة كما تبدو لاول وهلة فهو يجمع بين الجوهر المادي البيولوجي كدماغ من جهة والجوهرغير المادي غير البيولوجي التجريدي كنظام لغوي ماهيته التفكير من جهة أخرى، يحمل العقل صفتين متداخلتين هما أنه اولا جوهر مادي بيولوجي من ناحية ارتباطه بالمنظومة التي تبدأ بالحواس وتنتهي بالدماغ عبرالجملة العصبية الناقلة والمصدّرة للافكار واللغة.، والصفة الثانية للعقل المتكاملة المتداخلة مع الصفة الاولى التي ذكرناها هي أنه جوهر لا فيزيائي ولا مادي فهو تجريد في تعامله مع الفكر واللغة كتعبير تجريدي عن المواضيع والاشياء المادية والخيالية على السواء، والعقل مادي حين يكون جوهرا بيولوجيا فيزيائيا يرتبط بالجسم في منظومة الحواس والجملة العصبية... والعقل جوهرا لا مادي حين يكون تعبيرا تجريديا بالفكر واللغة عن الاشياء. ميزة العقل كجوهر مادي ماهيته الفكر واللغة والوعي ومجموع هذه الفعاليات العقلية هي تجريدات علاماتية واشارية صادرة عن جهاز بيولوجي فيزيائي عضوي يشّكل جزءا من تكوين جسم الانسان هو الدماغ أو العقل بمفهومه التجريدي اللافيزيائي.

فكيف يصدر ما هو مادي من تجريد  لغوي واع قصديا عن جوهر لا مادي هو العقل والعكس صحيح كيف يصدر ماهو تجريد لا مادي عن عقل هو جوهر مادي بيولوجي مسؤول عن الجسم بكل شيء؟؟ مقولة ديكارت العقل جوهر ماهيته التفكير تعبير أختزالي ناقص فالعقل ليس كل ماهيته وجوهره التفكير بالوعي والفكر واللغة.

ويعبّر جوزيف ليفني عن هذه الاشكالية أن ميزة العقل هو الوعي ولمّا كان الوعي هو غير فيزيائي فكيف يستطيع العقل اللامادي ادراك المادي من الاشياء والمحسوسات في العالم الخارجي؟ وأطلق على هذه الاشكالية مصطلح (الفجوة التفسيرية ) التي بقيت بلا حل.

الوعي في الوقت الذي نتصوره فيه جوهرا توسيليا متميزا متعالقا بجوهر العقل المتعالي على الاشياء والواقع والمتعالق بها لا يكون تجريدا خارج موضعة ذاته في الاشياء، بل هو يكتسب ماديته شأنه شأن الفكر واللغة في تموضعهما في موضوع أو خطاب أو نص، ويبقى الوعي والفكر واللغة خاصية ذكية شغّالة ملازمة للعقل تجريديا على الدوام، بمعنى هذه الماهيات الثلاثة لجوهر العقل (الوعي، الفكر، واللغة) تكتسب ماديتها في موضعتها في الاشياء ولا تكتسب ماديتها في صدورها عن العقل القائم على التجريد فقط بعلاقته التعبيرالصوري اللغوي عن مدركاته .

والوعي تجريد لا يعمل في فراغ خارج منظومة العقل الادراكي. الوعي توليف عقلي من نوع خاص في تعاليه على الموضعة الادراكية حين يصبح الوعي كما هو شأن الذهن العقلي جوهرا فيزيائيا بيولوجيا لا تستنفده اللغة في تعبيرها عن مضمونها التوصيلي وعن محتواها التموضعي، وبتعبير مقارب لريكور ( فاذا كان الانسان – المقصود الوعي العقلي – توسيطا بين الوجود والعدم، فهو اولا يجري توسطات في الاشياء، والتعالي هو شرط كل تحول من اسطورة الخليط ومن بلاغة البؤس في الخطاب الفلسفي)2، بالحقيقة أن اللغة تسنفد ذاتيتها وتستنفد وعي العقل التجريدي معها في موضعتها للاشياء.

الوعي بهذا المعنى هو الجوهر الذي يتوسط العقل ومدركاته (المواضيع) لكنه لا ينوب عنه في الوظيفة التعبيرية المتموضعة.. كما هو الانسان الذي يتوسط الوجود والعدم، ولا يمكن لوعي الانسان القيام بالتوسيط بين الاشياء دونما تحقق وعيه الاشتراطي في تعاليه على التموضع في الوجود قبل أن يفقد ذاتيته الخاصة في تذويته الاشياء من خلال موضعته لها وتموضعه فيها (وفائض هذا التذويت التموضعي يكون مجرد تفكير متعال لا يسمح لبلوغه مستوى العقل)3.

من المهم التذكير أن خاصية الفكرواللغة هما توليد عقلي في كل الاحوال ومختلف الظروف.الوعي ليس مصدر العقل في التفكير بل هو وسيط في موضعته تفكير العقل بواسطته.وكل فائض في تذويت الوعي المتموضع بالاشياء هو فائض متناسب نسقيا في تعبيراللغة... وتعالي الوعي على موضعته لموضوعه لا يكون مجرد تفكير لا يبلغ مستوى العقل، من حيث أن الوعي هو فكر متموضع لغويا تجريديا وهو أنابة عن تموضع عقلي بالاشياء قبل تموضعه الشيئي فكريا في متعينات الادراك. تموضع الوعي يكون ماديا كما هو تموضع الفكر واللغة فهما يصبحان ماديان في تعبيرهما عن الاشياء ولا علاقة تبقى لهما ولا وصاية عليهما خارج المعنى اللغوي والمعرفي.

توليفة الوعي العملي

التوليف العملي حسب بول ريكور هو الانتقال (من انا افكر الى انا اريد، انا ارغب، انا أقدر، هذا هو المملوء الضخم الذي نريد أدماجه بالفكر)4.

مادية الوعي المتموضعة في الاشياء أنما تقوم على تنفيذ أرادة الوعي الذاتية وانتقاله من التجريد اللفظي الى مرحلة تذويت الاستيعاب الكلياني لما ترغبه الذات في تحقيقها الارادة الواعية بمقصودها، بول ريكور لا يعيرأهتماما ويتغاضى عن التفكير الوعوي التجريدي بقوله (تجريد الوعي هو تجريد المرشد، الخيط الموصل الذي أعطاه لنفسه، فالتفكير المتعالي – الذي هو وعي تجسيدي – هو تفكير انطلاقا من الشيء، تفكير بمقتضيات أمكان تحقق موضوعية الشيء، وعالم الاشياء ليس سوى البنية التجريدية لعالم حياتنا)5.

تأرجح وعي الارادة الذاتية أن يكون متعاليا تجريديا يحمل خصوصيات الفكر واللغة اللذين يمليانهما على واقع العالم الخارجي ينطلق حسب فهم ريكور من الاشياء المتموضعة وعويا تذويتيا من حيث يعتبر ريكور العالم هو بنية تجريدية في حياتنا، قبل أن يكون عالما ماديا نستقي منه معاييرنا ونمتحن فيه اراداتنا وقدراتنا في محاولتنا تطويعه للفهم والاستيعاب أن لم يكن محاولة فهمه على الاقل. لم يعد الوجود الواقعي لاشياء العالم الخارجي يمتلك أدنى قيمة مثيرة تجلب أنتباه الاهتمام الفلسفي التي تتمحور اليوم في الفلسفة الاولى هي نظرية المعنى في اللغة.

نرى من المهم التنبيه الى مسألة وردت عرضيا في تعبير ريكور السابق على أن الوعي بالشيء مستمد من نتاج وجود الشيء باستقلالية أدراكية، ولا يعتبر ريكور الوعي هو قاسم مشترك وحصيلة تكاملية بين مثيرات الحواس ومفاعيل الدماغ الاسترجاعية عن موقف العقل من الشيء المدرك.. الوعي ليس رد فعل يأتي عن طريق الاحساسات بالشيء بمعزل عن فاعلية التداخل مع العقل أو الذهن تحديدا.

فوعي ما تدركه الحواس لا قيمة حقيقة له من غير أستقبالية الذهن العقلي لما تدركه الحواس وينقله الوعي الادراكي للعقل، بهذا المعنى لا يكون الوعي منتجا عقليا صرفا ولا يكون رد فعل نقل الاحساسات الصادرة عن الحواس للذهن فقط ايضا بل هو الحصيلة الجدلية التي تتوسط بين الفعاليتين اللتين ذكرناهما.صحيح تعبير ريكور العالم هو بنية تجريدية في حياتنا وقوله هذا هو مرجعية عدم أستعداده الفلسفي الهورمنطيقي مغادرة أننا ندرك ونفهم ونفسر العالم من حولنا على أنه بنية تجريدية بالوعي والفكر واللغة وخارج هذه البديهة ليس هناك من عالم جدير أن يثير أنتباهنا معرفته، وبغير هذه الوسائل ليس هناك قيمة نعتد الاخذ بها أن العالم وجود مادي سابق قبلي يمنحنا الوعي والتفكير العقلي في محاولة فهمه، ويقر ريكور في عبارته السابقة أولوية العالم من حولنا على بعدية التفكير به وليس قبلية أدراكه ومعرفته على أسبقية وجوده.

بضوء ما مررنا به نتساءل: هل من الممكن أن يكون تعالي الوعي المرتبط بالواقعي للاشياء هو مصدر تعالي التفكير المجرد عليها؟

لا نعتقد الاشكالية القائمة بين تعالي الواقع على الفكر أوبالعكس تعالي الوعي على الواقع من السهولة التي يراد حسمها في ظل مغادرة الفلسفة لكلاسيكية الطروحات التي أستنفدت نفسها في تبادل أرجحية الفكر على الواقع أو العكس وأيهما يؤثر تاثيرا أنقياديا أو قياديا للاخر.قضية مستحكمة عالقة في تاريخ الفلسفة اثارها هيجل ليستلمها من بعده تلامذته كلا من وجهة نظر خاصة به (ماركس، انجلز، فيورباخ، وشتيرنر) وعدد لا يحصى من بعدهم.

فلاسفة البنيوية والتفكيكية وأخيرا التاويلية التي ينتمي لها ريكور جميعهم يجمعون على أن وعي المعنى اللغوي الفكري أصبح مبتدأ ومنتهى فهمنا العالم من حولنا، وهذا يقودنا حتما الى تلك التناسبات المتعاكسة في تعالي الوعي ليس بمقايسة أهمية الوقائع والاشياء بل في مصادرة تلك الاهمية. وكيف لنا فهم تعبير ريكور بضوء ما أشرنا له سابقا قوله (نسق الفلسفة ليس هو تكرار الحياة،تكرار الوجود والممارسة العملية – براكسيس – أو أي ما نرغب قوله)6.

هذا النسق السكوني في الفهم التاويلي الفلسفي لدى ريكور في محورية نظرية المعنى بعيدا عن الانغماس في ظواهر الحياة اليومية الذي ترى فيه التأويلية الفلسفية تكرارا مملا لتصنيع الحياة في رتابتها التكرارية في الممارسة العملية اليومية Praxes أنما هي بالحقيقة مرجعية بحث تاويلي (هرمنطيقي) لايجاد نظام وعوي لغوي يبني ويشيد نسقا تراكميا من البحث في ملاحقة المعنى داخل اللغة وليس الاهتمام بمنهجية واقعية مفروضة من خارجها. وهذه الملاحقة التتابعية في البحث عن المعنى داخل موضعة اللغة في النص ليست على ارتباط جدلي في موضعة اللغة الواقع في تجديد صنع الحياة.بول ريكور لا يقيم وزنا فلسفيا للواقع اليومي المعيش الرتيب كما وليس من مهام الفلسفة المعاصرة اليوم بعد التحول اللغوي التعبير عن حياة الانسان الاستهلاكية المتكررة التي تتوزعها رغبة العمل اليومي وأشباع الغرائز البيولوجية للانسان. قضايا الانسان في فلسفة العقل واللغة أصبحت خارج اهتمامات مباحث الفلسفة اليوم التي تقوم بمجملها على نظرية المعنى.

ما يهمنا هنا أن تموضع الوعي اللغوي في عالم الاشياء أنما هو اندثار الوعي في موضعة الشيء وتلاشيه كجزء منه وليس كطاريء خارجي يستهدفه في هذا التذويت داخل موضعة اشياء العالم الخارجي.

 

علي محمد اليوسف /الموصل

....................................

الهوامش

1- بول ريكور، فلسفة الارادة – الانسان الخطاء، ت عدنان نجيب الدين ص 85

2- المصدر نفس الصفحة

3- المصدر نفس الصفحة

4- المصدر ص 84

5- المصدر ص 88

6- المصدر ص89

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم