صحيفة المثقف

ومضات من الحياة

صالح البياتيقصص قصيرة جداً،

* العباءة

كانت للمرأة عباءة وحيدة، غسلتها ونشرتها على حبل الغسيل، لتجف تحت شمس الظهيرة الصيفية، عادت فأحضرت رغيف خبز وسمكة صغيرة مشوية للغداء، وبينما مدت يدها للطعام، طٌرق الباب، قامت فتحته، رأت أبن الجيران عنده، قال: خالتي، سُرِقت عباءتك، ثم أشار بيده، هناك.. الحقي بالسارق.

ركضت المرأة، لكن السارق هرب بعيداً، عادت للبيت خائبة، فوجدت قطتها قد إلتهمت السمكة، لم تبق سوى رغيف الخبز.

* متسلق الجبال

 كان في المؤخرة، مع فريق المتسلقين للجبل، توقف قليلاً ليرتاح، لكنه فقد ذاكرته مؤقتاً، إحتار، فراح يسأل نفسه، أكان قبل توقفه صاعداً للأعلى، أم نازلاً للأسفل! جلس على صخرة يفكر، لم يصل لنتيجة، حتى عاد الفريق، ونزل الجبل معهم.                              

* الفكرة

كان بيده قلم رصاص، امامه ورقة بيضاء، وفي رأسه فكرة تلح عليه ان يكتبها، انكسر سن القلم، قبل ان يكتب شيئاً، تألم حين رآه مكسورا على الورقة، بلا حركة، قام ليبحث عن المبراة، لكن حين وجدها راح يبحث عن القلم والورقة، استغرق ذلك وقتاً، وحينما إجتمعت أدوات الكتابة الثلاث بيده، تبخرت الفكرة من رأسه.

* الأوراق

بعد قبول السيد (عين) لاجئاً، في احدى الدول الموقعة على اتفاقية جنيف للاجئين، سيطر عليه هوس جمع الأوراق: صحف محلية مجانية بروشرات التثقيف الصحي، يلتقطها عند زيلرته للمركز الطبي، اما كتالوجات الدعاية للبضائع المصورة، والسلع المخفضة الأسعار، وغيرها، فيجدها داخل صندوق بريده، تجمعت لديه اكوام منها.

كان السيد (عين) يسكن في شقة حكومية، بعمارة سكنية،  تملكها وزارة الهجرة، ينام في واحدة من غرفها الإثنتين، ويكدس الأوراق في الغرفة الآخرى، غايته من ذلك الهوس، ان يفهم كل شيء عن هذه البلاد، عندما يتقن لغتها، ويفهم ما في هذه الأوراق من معلومات مفيدة، تساعده في بدء حياة جديدة، كان السيد (عين) ينتظر قبول زوجته، التي تركها في وطنه الأول، بعد شهر واحد على زواجهما، ليقوم بمغامرته الجريئة، وصلت اليه رسالة جمع شمل الأسرة، منتصف نهار سعيد، لكنه كان خارج البيت، عاد عند المساء، فتح صندوق البريد، وجد الرسالة التي ينتظرها بلهف، عرف انها من دائرة الهجرة، لكنه بعد ان فتحها، لم يفهم شيء من المعلومات التي وردت فيها، كانت بيده أيضا كالعادة رزمة من الأوراق التي اعتاد جمعها، دخل لغرفة الأوراق، اثناء ذلك رن جرس التلفون في الصالة، رمى الرسالة من يده  مع الأوراق، رفع السماعة، تبادل مع صديقه المغترب، حديثا طويلاعشوائياً، نسى امر الرسالة، وخلد للنوم متعبا، لكنه فز من نومه على جرس التلفون، يرن مرة آخرى، كانت زوجته على الخط، تذكر الرسالة وأخبرها عنها، عندما انتهت المكالمة طار النوم من عينيه تلك الليلة، وبقى صاحيا حتى الصباح، يفكر بالرسالة، التي سيقرأها المترجم له، يأمل بخبر مفرح، يفتح شهيته لنهار سعيد.

* الأب والإبن

طلب الإب من ابنه الشاب، شراء علبة سجائر، عاد الولد، وبيده كيس برتقال، بثمن علبة السجائر، غضب الأب، فقال الأبن : لماذا غضبت، لو حدث العكس يا ابي وارسلتك لتجلب لي سما، هل ستلبي طلبي، سكت الأب، وتعلم درساً من الآبن، ومنذ ذلك اليوم إمتنع عن التدخين.

* لقاء بعد افتراق

التقى (أ) بصديقه القديم (ب) في الشارع، بعد افتراق طويل، دام لسنوات عديدة، كان لقاءً حاراً، لكن لسوء الحظ، نسي اسم صديقه، كان منزعجاً من الموقف الشديد الحرج، حاول ان يتذكر الأسم، لكنه لم يفلح، سأل صديقه عن السنة التي غادر فيها العراق، ومتى حصل على اللجوء، انتبه أثناء الحديث معه، ان أحدى عيني (ب) مفقودة،، فسأله متى فقدت عينك هذه، أجاب، في السنة الأخيرة من الحرب، بسبب شظية صغيرة، عند تلك النقطة من الحديث تذكر (أ) ان أسم صديقه " حربي ".

* عراك على وشك الحدوث

 كان يستمع لنشرة الأخبار من احدى القنوات الفضائية، التي تبث من وطنه الأم، وَهَذَا ما يفعله عادة أي مغترب، خاصة إذا كان عراقياً، أما زوجته فكانت تكلم صديقتها على الهاتف، وكان (قدر الدولمة)  يتكتك على موقد النار، كانت النشرة الإخبارية عن عمليات تحرير الموصل، تخللتها مقابلات مع القادة العسكريين الميدانيين، وأهالي المناطق المحررة شرقي نهر الدجلة، إستغرقت  النشرة وقتاً طويلاً، وكان هو يتابع الأخبار بإهتمام، أما هي فقد  نسيت قدر الدلمة، وتفرع حديثها مع الصديقة في إتجاهات مختلفة، ولم تنتبه حتى شاطت رائحة الدولمة الطيبة، تملأ البيت، عندها أنتبه الإثنان، وراح كل منهما يلوم الآخر ويسأله : أين أختفت حاسة شمكٓ/ شمكِ، وكاد أن ينشب عراك بينهما، كانت هي في موقعها الإستراتيجي في المطبخ أكثر تسليحاً منه، والنصر سيكون حليفها حتماً، لو نشبت المعركة بينهما، لا سمح الله، وأثناء ذلك أنتهت  النشرة وقال المذيع : والسلام .. فإنطفآت نار الحرب في البيت وحل السلام بينهما .

* باقة ورد

 تحابا في بغداد، وتزوجا في عمان، وحصلا على اللجوء الإنساني في السويد، وأنجبا طفلهما الأول  في أستكهولم، وتعاهدا يوم ولادته، أمام موظف دائرة تسجيل المواليد، على الإخلاص لبعضهما، ورعاية المولود الجديد، أنضم الزوج بعد وصوله بفترة قصيرة، لدورة تأهيلية للتخلص من الآثار السلبية والنفسية للحرب والعنف، التي عانى منها في العراق، أثناء ذلك تعلق عاطفيا بالفتاة السويدية الشقراء الجميلة، المدرسة في دورات  تأهيل اللاجئين، تمهيداً لإدماجهم بالمجتمع الجديد، اعطتهم رقم هاتفها المحمول، للإتصال بها، في حالة طلب المساعدة عند الضرورة، فأخذ  يرسل لها رسائل قصيرة، كرر فيها جملة واحدة تعلمها باللغة السويدية (أنا أحبك)، كانت الفتاة تتجاهل رسائله دون أن تجرح شعوره، لأنها تعرف من تجارب العمل  مع اللاجئين، أشياء كثيرة عن المشاكل النفسية والعاطفية التي يعانون منها، بسبب الحرمان وظروف الحياة القاسية في بلدانهم، وفي إحدى المرات بعث لزوجته،  نص الرسالة نفسها باللغة السويدية (أنا أحبك)، دون أن ينتبه للخطأ الذي وقع فيه، فتلقى منها الجواب باللغة العربية :(وأنا أحبك أيضاً)، قرأ الرسالة مندهشاً، وإكتشف الخطأ فندم، وقبل عودته للبيت، فكر بشئ بمفاجأة  جميلة، فكانت المرة الأولى التي يقدم لها باقة ورد، اتخذها بعد ذلك عادة، لا يفوت مناسبة خاصة، دون أن يقدم لزوجته باقة من الزهور الجميلة .

* وجها لوجه

 قطع جسر الشهداء ماشياً، من الرصافة الى الكرخ، في منتصف المسافة توقف، عندما رأى جمعا من الناس وراء الحاجز الحديدي، كانوا ينظرون  لمياه النهر الجارية، في تلك الظهيرة  الشتائية الباردة،نظر حيث كانوا ينظرون، فرأى رجلاً يلوح يائساً بيديه، يوشك على الغرق، رمى نفسه للنهر، وأسرع لإنقاذه، فوجئ به عندما وصل اليه، يا إلهي .. الجلاد الذي كان يعذب السجناء السياسيين، يهينهم ويذلهم، فكر ماذا يفعل ؟ أيتركه ليغرق أم ينقذه !

أنتصرت تلك اللحظة إرادة الخير، فسحبه للشاطئ، وأجرى له الإسعافات الأولية حتى إستعاد وعيه،  وحين رفع  رأسه ليعرف منفذة، رأى السجين الذي كان يعذبه بكل قسوة وشراسة،  لم يقل شيئاً، تبادل الإثنان النظرات، ولكنهما إفترقا بمشاعر لا يمكن التعبير عنها بالكلمات .

* الآخوان في قصة جديدة

كان الأخ الأصغر، يجر الكبش السمين من قرنيه،  وأخوه الأكبر أمامه، يحمل سلة  خضار على رأسه، وبإحدى يديه سلة  فاكهة منوعة، كانا يحثان الخطى للمعبد، لتقديم هداياهم للكاهن الأكبر، وقبل وصولهما نادى الأخ الأصغر أخاه الأكبر وطلب منه أن يتوقف، قال : أخي أنت زارع مثابر في عملك، وبذلت قصارى جهدك، ولكن للأسف لم يحالفك الحظ هذا الموسم، وأنا راع، أذهب بعيداً، حيث يتوفر الكلأُ والماء لأرعى  غنمي، وقد خالفني الحظ، وكان موسماً جيداً، فتكاثرت، خذ هذا الكبش السمين وبادلني اياه بتلك السلتين، اللتين ذبل ما فيهما وفقد نضارته، شكر أخاه الأصغر، عادا  يداً بيد، بعد أن قدما هداياهم، كان الأكبر مسروراً، والأصغر مطمئناً، لأنه إستطاع أن يُطفئ  نار الحقد والحسد في قلب أخيه.

 

صالح البياتي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم