صحيفة المثقف

ضحى الحداد تحاور الشاعر عبد الرزاق الربيعي

عبد الرزاق الربيعييمثل ألشاعر عبد الرزاق الربيعي حلقة مهمة من حلقات شعر الحداثة في العراق وتحديدا الشعر الذي اصطلح عليه نقديا "الجيل الثمانيني"

وما سلط الضوء عليه وجعله محط الدراسات النقدية المتعددة هو امتلاكه لغة خاصة به وعوالم متفردة، ساعياً عبر هذه اللغة وعبر عوالمها الى اقامةِ علاقات جديدة بين المفردة والمفردة من خلال ألصورة الشعرية التي بقدر ما تبدو انها بسيطة وقريبة لقارئها الا انها صعبة التكوين والابتكار ولعل هذا ما يطلق عليه " السهل الممتنع "..

شاعر نوعي، هكذا تقدمه الدراسات النقدية، وهو فعلا بهذا التفرد

حيث يوصف بأنه احد مهندسي الجمال في القصيدة العراقية والعربية، ويشكل حضوره في اي مكان ايقونة ثقافية تستوجب تسليط الضوء عليها .

الربيعي مشهور بغزارة الانتاج الابداعي, لكونه شاعرٌ بالدرجة الاساس ومسرحيٌ وكاتبٌ للاطفال، فضلا عما يكتبه في الصحافة من متابعات نقدية..

كان لنا هذا الحوار الممتع معه ..

-  كورونا وفر لي ماكنت احتاجه

-  خذلت كثيراً وعندما ظفرت مرةً واحدةً سرقها القدر

-  الشاعر يشترك مع الاطفال في الدهشة

-  الكتابة تداهمني حتى في ساعات النوم

ضحى الحداد* بعد حوالي ثلاثة شهور من الحجر الصحي، هل تصالحت مع الوضع الذي فرضه" كورونا"؟

- أنا متصالح معه منذ البداية، وكيف لا اتصالح مع ظرف وفّر لي فرصة ذهبيّة كنت أحلم بها؟

وفّر الوقت الذي كنت أحتاج إليه لإكمال العديد من المشاريع الكتابية المؤجّلة، والقرائية الناقصة، التي كان يحول بين وبين انجازها: السفر، والتكليفات، ودعوات المشاركة في الندوات، والبرامج، والالتزامات الاجتماعية، وكلّ هذه تخفّفنا منها بفضل الحجر الصحي الذي حصّنني من غزوات العالم الخارجي، وأتاح لي فرصة ممارسة الهوايات المحبّبة لدي: القراءة، والكتابة، والتأمّل، ومزاولة المشي ضمن برنامج يومي، داخل محيط البيت، بمتعة عالية

* هل أنجزت عملا معيّنا؟

- بالطبع، لقد شارفت على وضع اللمسات الأخيرة على مجموعتي الجديدة" شياطين طفل الستين"، وكتبت أربعة نصوص مسرحيّة، والعديد من المقالات، التي نشرت ضمن مقالي الأسبوعي في جريدة" عمان"، كذلك أعدت كتابة مسرحيتي الشعريّة "كأسك يا سقراط"

* لماذا تعيد كتابة نص كنت قد كتبته قبل أكثر من ربع قرن؟

- هذا النص له خصوصيّة في كتابتي المسرحيّة كونه المسرحيّة الوحيدة التي كتبتها شعرا، علما بأنني كتبت الفصل الأول منه نثرا، لكن وصلت إلى طرق مغلقة، وكدتُ أن أتوقّف عن كتابتي له، لكن لمعت في بالي فكرة أن أعيد كتابة الفصل شعرا، وحين فعلت، فجأة انفتحت المغالق، وأنجزت كتابته، بعد ذلك قدّم عدة مرات من بينها في أيام الشارقة المسرحية ٢٠٠٤، وأخرجه الراحل محمد شيخ زبير، ثم جرى عرضه في الجزائر وقدّم لأكثر من ٤٠ عرضا للمخرج لحسن بتقة وتقديم فرقة جمعية الرسالة المسرحية، وبدأ عرضه منذ 2017 وقدّم في تونس، والمغرب، وفاز بالجائزة الذهبية كأفضل عرض متكامل في فعاليات الأيام الوطنية الثالثة “عز الدين مجوبي” للمسرح ببلدية عزابة، كذلك عرض في جامعة السلطان قابوس، وكلية التربية بعبري من اخراج وداد البادي وإشراف د.غالب المطلبي، وبعد هذه السنوات فكّرت بنشرها بكتاب منفصل، ووجدت من الضروري مراجعتها، وعند دخلت في أجوائها أضفت الكثير، وعدّلت، والسبب هو أنني كتبت النسخة السابقة لعرضه ضمن فعاليات مهرجان "علي احمد باكثير" في صنعاء ١٩٩٦، للمخرج الراحل كريم جثير، وكنت محكوما بزمن عرض، وبظروف انتاج، وزمن محدّد لانجازه، وقد زالت اليوم تلك الظروف، ، فما الضير من عودتي للنص مجدّدا بخبرة جديدة، لأملأ مساحات كثيرة في النص حتّى لو تحوّل إلى نصٍّ للقراءة فقط؟

* كيف تصف نفسك؟ من هو عبد الرزاق الربيعي؟

- "طفل الستين"، الذي يصرّ على الإمساك بتلابيب طفولته، ويحرص دائما على المحافظة على نظافة روحه، وينقّيها من الشوائب التي تلوّث بيئة وجدانه

* هل عبّرت عن هذه الفكرة في شعرك؟

- بالطبع، فبشكل عام، كتاباتي مرايا عاكسة لما يختلج في ذاتي، من شظايا متناثرة، وأحلام مهشّمة، وآمال تسبح في الأفق، لذا فمن يريد ان يقرأ سيرة روحي سيجدها مدوّنة في نصوصي بشكل غير مباشر، فلغة الشعر تكتفي باللمح، والإشارات، والرموز، وتنطلق من فضاء الخاص إلى العام الأوسع، أمّا عن هذه الفكرة؟، فقد عبّرتُ عنها نص أدرجته ضمن مجموعتي الجديدة" شياطين طفل الستين" :

رغم الأخطاء البيضِ

المنثورةِ في الفودين

ورغم الستّين

مازلتُ برحم الأرض جنين"

إنّه نوع من التشبّث بالماضي، مثلما فعل الشاعر مارك ستراند، عندما تنكر آثار الزمن في مقولته "هذه التجاعيد لا شيء، هذا الشعر الرماديّ لا شيء، أنا الصبيُّ ذاته الذي اعتادت أمّي تقبيله"، هذه المقولة جعلتها مفتاحا من مفاتيح مجموعتي الأخيرة التي حملت عنوان " نهارات بلا تجاعيد"، الصادرة ضمن منشورات الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء، وعن دار "الآن ناشرون وموزّعون" الأردنية

* هل هو هروب من مواجهة الزمن بشكل عكسي نحو الوراء؟

- وفق حركة الزمن، كلّ شيء في الحياة يسير نحو الأمام، شئنا أم أبينا، حتى لو تجاهلنا آثار هذه الحركة على وجوهنا، وأصابعنا، أو أهملناها، أو تحايلنا عليها، لكن أن نهرب منها، فهذا من غير الممكن، لأن وجودها يعني استمرارية دوران عجلتها، يعني الحياة، بكلّ مباهجها، أمّا اللحظة الوحيدة التي يتوقّف عندها الزمن، فهي لحظة الموت، ولم نبلغها بعد ما دمنا أحياء.

* وبماذا تفسّر هذا الانشداد للطفولة؟ الكتابة لهم هذا العالم الجميل والوعر كيف استطعت ان تمطر بقصائدك ومسرحياتك على بذرة الطفولة , لتبرعم بين يديك، ماهو سرك.؟

- الشعر شغب طفولي، والشاعر يشترك مع الأطفال في الدهشة، كلاهما محكوم بالدهشة، والصفاء، ونحن في حياتنا اليومية نحتاج أن نخلع الأقنعة، ونعود أطفالا لنتصرف على سجيتنا لا نخشى أحدا، حتى لو كان الإمبراطور الذي طلب من خياطه أن يصنع له ثوبا، في الحكاية المعروفة، لم يره أحد ، وحين خرج للناس بثوبه الجديد، فأعجب المحتشدون لكن طفلا قال: الإمبراطور عارٍ، نحتاج إصبع هذا الطفل البريء الذي لم يلوث، علما بأنني نشرت كتابين للاطفال قبل صدور مجموعتي الاولى " إلحاقا بالموت السابق"، ونلت جائزة عن قصيدتي " رأيت" في مسابقة نظمتها وزارة الإعلام عام ١٩٨٤، وعملت في دار ثقافة الأطفال سنوات *

ولأنّه أيضا العالم الأنقى، والأكثر صفاء، ومن منّا لا يحب النقاء، والصفاء؟أحيانا تمثل الطفولة صورة من صور الحنين لماض لم تلوّثه تفاصيل الحياة، ولزوجة حاجاتها اليوميّة ، البعض يعتبر هذا الإنشداد حالة سايكولوجية ملازمة من الصعب التخلص منه، لأنها مغروسة في تركيبة الشخصية، ولها منافع عندما ينعكس بياضها على الروح

* وهل لها أضرار؟

- بالطبع، عندما تقترن لدى البعض بالسذاجة، الطفل ليس ساذجا، كما يظنون، دماغ الطفل مكتمل بنسبة ٩٠% عكس بناؤه الجسماني الذي تبلغ نسبته ١٠% !

وهناك من يجعل السذاجة قرينة بالطيبة، يقول صديقي الشاعر عدنان الصائغ:

"تغيرت الدنيا يا (رزاق) ومازالت فيك سذاجة طفلٍ، تدفعك الطيبة أن تنسى مدية خلّك

في ظهرك

يدفعك الحبّ إلى أبعد من شفتيها"

* إلى أين يدفعك الحب؟

- إلى الجوهر، والروح، وجنون القصيدة، إلى الحلم المستحيل الذي يظلّ يدغدغ قلوبنا التوّاقة للجمال، وإذا لم يدفعني إلى شيء، فهذا لا أعتبر حبّا، لأن الحب يرقى، ويسمو بالنفوس، ويجعلها تتجلّى

* وهل وجدت هذا الحب؟

- كثيرا، ولكنّه لم يستمر طويلا

* لماذا وقد كتبت الكثير من قصائد الحب، ولك مجموعة شعريّة كلّها قصائد حب عنوانها: " في الثناء على ضحكتها" ولاتكاد تخلو مجموعة من مجاميعك من قصائد حب؟

- في الفضاءات التي تحلّق فيها طيور الحبّ ترتفع الكثير من فوّهات البنادق ساعية لاغتيالها، وقد نجحت الكثير منها في تصويباتها، وبلوغ أهدافها، لذا، سقطت من حياتي، وذاكرتي الكثير من هذه الطيور مضرّجة بدم القصيدة

*هل الحبّ هشّ لهذا الحدّ؟

- الحبّ الحقيقي لا يكون هشّا حتى لو كانت البنادق شرسة، ومهما كانت الأمواج التي تواجه مركب الحبّ المتهادي فوق سطح ظلام المحيطات عالية، لكنّ الهشاشة تأتي من الخذلان

* هل خُذلتْ؟

- كثيرا، المرّة الوحيدة التي لم أخذل بها، عندما ظفرتُ بحبّ ناصع البياض، لكنّ حكَمَ عليه القدر بالنهاية، فالمرأة التي حلّقت إلى جواري في الفضاء بكلّ صلابة، وقوّة، على مدى حوالي عشرين سنة، جرفتها عاصفة الموت، أعني الراحلة" عزّة الحارثي"، وتفاصيل الوجد، وعاصفة الفقد تجدينها في ديوانيّ" قليلا من كثير عزّة"، و" ليل الأرمل"،" أما الزبد فيذهب جفاء"

* ألهذا بقي الأرمل أرملا كلّ هذه السنوات؟

- نعم، فالحياة المشتركة لاتقوم بدون الحب، وأين هو الحب اليوم؟ مايسمّونه الحب، برأيي الشخصي هو صداقة عاديّة، تعويد، مداومة بين طرفين، وفي الكثير من الأحيان ينتهي بمجرد ترك العادة، أو الانقطاع عنها، أو يسقط بمواجهة أيّ ظرف!! أو مشكلة ، ويمكننا أن نطلق على هذا النوع : وهم الحب، وليس الحب نفسه، وهو السائد حاليا بين كثير من المتحابين، مع تقديري لهم.

* لماذا؟ ما هو الحبّ الحقيقي بالنسبة لك؟

- الحب شيء آخر، هو حالة انصهار كامل، حتى يقول كلاهما للآخر " يا أنا"، كما لدى المتصوّفة، الحبّ الحقيقي يحتاج عمقا، وإيمانا، وتسليما، وتضحية، ومواجهة صعاب، وتحدّيات، وأفضل توصيف له وجدته لدى نزار قبّاني بقوله:

" الحب مواجهة كبرى إبحار ضد التيّار

صلب وعذاب ودموع ورحيل بين الاقمار"

* لنعد إلى الوراء، متى بدأت علاقتك بالقلم؟

- بدأت قبل أن أمسك بالقلم

* كيف؟

- كنا نصغي لحكايات الأهل، في الليالي الطويلة، عن عرائس الأنهار، و" عبد الشط"، والقصور، والنسور، وسرعان ما كنا نرويها لأصحابنا في النهار، فحكايات الليل، في أعراف ذلك الزمان الذي يكاد أن يخلو من المتع، لا تمحوها نهارات الفقراء، فننقلها إلى أصحابنا الذين يشاركوننا بؤس الحياة المادي، وثراءها الحكائي، والجمالي، وعندما تنفذ الحكايات، ويتسرّب الملل لأصحابنا من كثرة تكرار الحكايات القديمة التي تبدأ بلازمة" كان يا ما كان" تأخذنا العزّة بشهوة الحكي، لذا نقوم ببناء علاقات جديدة بين الأبطال، ونسترسل بالكلام، دون رابط، ويوما بعد آخر، أعجبتنا اللعبة، لكن بدأيتسرب الملل للأصحاب الذين لاحظوا عدم وجود خيط سردي، يربط مفاصل الحكايات، فبدت حبكة تلك الحكايات ضعيفة، ثمّ كشفوا اللعبة، وقبضوا علي بالجرم المشهود: " لاتصدقوه، يكذب علينا، هذي مو قصص حقيقية صار يحكي من قلبه"، ويقصدون ب" من قلبه" من خياله، فالقصص ينبغي أن تكون حقيقية، لتُسمع، وكانوا يظنون أن حكايات الجن، والسحر و"الف ليلة وليلة" حقائق لا تقبل الشك!! من تلك " الأكاذيب" اكتشفت عالما غامضا في رأسي لم أعرف اسمه يومها، وهو الخيال!! وقدرتنا على نسج قصص، من تلك المنطقة الغامضة

ثم مرت السنوات، تعلمنا القراءة، والكتابة، واستغنينا عن سماع الحكايات، لأننا صرنا نقرأها، في المرحلة الدراسية الابتدائية، في مدرسة " النهاوند" بمدينة الثورة، أخذ بأيدينا معلم شاب كانت تلك سنته الأولى بالتعليم اسمه" حسين كركوش" هو اليوم صار كاتبا معروفا، ووضع أقدامنا على جادّة الطريق، فبدأت الكتابة بوقت مبكر، وعندما انصرف الأصحاب، صرنا ننشر لنخاطب البعيدين، بدأنا في نشرات الحائط ثم في جربدة " المزمار"، وأول نص نشر لي في جريدة" المزمار" كان في ٣/١/١٩٧٣ وعنوانه

" للوطن نغني" وكانت محاولات بسيطة، تمّ صقلها بالقراءة الكثيفة، وفي الإعدادية شجّعني على القراءة معلم اللغة العربية أستاذ حسن علي ( أبوالغيث) وواصلنا السباحة في بحر الشعر الصاخب، ثم تطوّر الأمر إلى النشر في صحف من بينها" الراصد" و" الفكر الجديد"، وكذلك في " الجمهورية" أواخر السبعينيات، عندما كان الأستاذ نصير النهر مسؤولا عن زاوية تهتم بأدب الشباب، والناشئة، وهكذا واصلنا القراءة، والكتابة والنشر، وصار القلم جزءا لا يتجزأ من أصابعي !

* تطرّقت للقص والخيال عندما يختلط بالكذب.. هل أنت مع مقولة" خير الشعر أكذبه"؟

- نعم، لكن ليس الكذب بالمعنى الأخلاقي، بل بالمعنى الفنّي، التحليق بأجنحة المخيّلة، وهذا ضروري، فالشعر إشارات، ورؤى، وعالم يتعالى على الواقع، قال الأصمعي" الشعر نكد بابه الشرّ، فإذا دخل في الخير ضعف"، ولا علاقة له بالواقع سوى أنّه ينطلق منه، ثم ينقطع عنه، ويسبح في فضاءات الخيال، فهو بناء لغوي قائم على المجازات، والاستعارات، والرموز،، بدليل أنه بدأ على شكل طلاسم، وتراتيل في المعابد

* لكلّ كاتب طقوس في الكتابة، ماهي طقوسك؟ وكيف تكتب؟

- لا طقوس لديّ، سوى طقس الانقطاع الكامل لحظة انبثاق النص من مفردة، أو صوت، أو صورة، أو موقف، ولحظة الانبثاق يلفّها الغموض، فلاوقت محدّد للكتابة الشعرية، ولا مكان ، الكتابة الشعرية تحديدا، تداهمني في كلّ زمان، ومكان، أحيانا حتى في ساعات النوم، وقد حصل معي كثيرا، فأنهض أدوّن ماخطر ببالي، وأكمل نومي، وحين ينقطع الشعر عني لا أقلق، ولا أقسر نفسي على الكتابة متمثلا بنصيحة ريلكه الذهبية"لا تكتب الشعر إلا عندما تشعر أنك ستموت إن لم تفعل"، لكن أحرص أن أكون دائم الجلوس على ضفاف نهر القصيدة.

* ماهي مواصفات النص الجيّد بنظر الربيعي؟

- النص الناجح هو الذي يجعلك متسمّرا أمام كلماته، وكلّما انتهيت من قراءته داهمتك رغبة للعودة من جديد، وتشعر بنشوة تشبه نشوة المتعبد حين يكون داخل صومعة، النص الجيد هو الذي يلامس وجدانك، ويجعلك تشكر صاحبه لأنه وفّر عليك جهدا، اذا كان قطافه بعيدا، عن متناول القصيدة، وتتحسر لأنك لم تكتبه اذا كان قطافه قريبا، ولا تملّ قراءته والشاعر الحقيقي هو من يجعلك تطيل الوقوف أمامه نصه

* من بين أعمالك التي جمعتها بمجلّدين صدرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، ماهي أقرب قصيدة لقلبك؟

- كثيرة النصوص القريبة للقلب، لكن لنص" أصابع فاطمة" مكانة خاصّة، لأنني كتبته بعد عام ونصف من مغادرتي بغداد، ويومها كانت مازالت الجمرة متّقدة، فرميتها على الورق، فكانت" أصابع فاطمة"، ففي هذا النص رسمت خارطة للحنين، استرجعت موروثاتنا الشعبية، طفولتي، التراث الرافديني، كوابيس الحرب، معاناتي في الغربة، وفيه تناصات مع الأغاني الفلكورية ، وملحمة جلجامش، والشعر العربي القديم، واستفدتُ من البناء القرآني في بعض مقاطعه، باختصار " أصابع فاطمة" نص مشحون بالرموز، والدلالات، والسرديّات، وهو أطول نص كتبته، وهذا ليس رأيي فقط، فقد لفت أنظار النقاد، ولوجمعت ماكتب عنه، ربما سأخرج بكتاب

* اقتحمت الأدب من أوسع ابوابه، فلم تترك مجالا الا ولك أثر فيه، أي الأنواع إقرب إلى نفسك؟

- يبقى الشعر سنام الجمل، بين الفنون، ليس لأن " الشعر ديوان العرب" فلم يعد كذلك اليوم، لكن لأنه الفن الأرقى، والأقرب للنبوءات، لذا وصفوا الأنبياء بالشعراء، والسحرة، وهنا أستحضر مقولة تبيّن المكانة الرفيعة التي يحتلّها الشعر وهي " عندما الكلمة تسمو تصبح شعرا"، لذا يلقى الاقرب إلى الروح، فمنه المنطلق، هو المجرّة التي تدور حولها كواكب المجموعة الشمسية

* وأين تضع المسرح؟

- في المرتبة الثانية بعد الشعر، وعلاقة الشعر بالمسرح قديمة، بل أنّ لوركا يقول" المسرح هو الشعر الذي ينهض من الكتاب ويتحوّل إلى بشر"، والمسرح نشأ في أحضان الشعر، منذ بداياته في عصر الإغريق، ويكفي أن اسخيلوس كان شاعرا، وكلنا نعرف أنّ نصوصه المسرحية تعدّ الأقدم في تاريخ المسرح، إلى جانب سوفوكليس ويوربيدس، وسواهما، ومن ثم ظهر شكسبير، وأحمد شوقي، وعلى أحمد بكثير، وعزيز أباظة وصلاح عبدالصبور، ويوسف الصائغ، وعبدالرزاق عبدالواحد، الذي كتب " الحر الرياحي" وعبدالوهاب البياتي ومسرحيته" محاكمة في نيسابور" وحتى نزار قباني كتب مسرحية عنوانها " جنونستان" وعدنان الصائغ "الذي ظل في هذيانه يقظا " وللشاعر خزعل الماجدي مجلد كامل من الأعمال المسرحية، وغير ذلك كثير

* هل هناك علاقة بين الصحافة والادب ؟ كيف جمعت الأمرين؟

- في البداية كنا شغوفين بالصحف، والمجلات، لذا قمنا بتقليدها، مثلما كنا نقلد المسرحيين بتقديم استكشات لأصدقائنا من باب المتعة، فوجدنا أنفسنا نسير بهذا الدرب، ومن ناحية مهنية، فإن أقرب الوظائف للشاعر والاديب : التعليم، ويشمل التدريس الاكاديمي، والعمل الصحفي، فالصحافة تجعل الشاعر، والأديب على تماس مع الأوساط الثقافية، والنشر، لهذا عمل الكثير من الأدباء في الصحافة، لكن للعمل في الصحافة سلبياته، كون أمواج " مهنة المتاعب" العاتية تأكل كثيرا من جرف القصيدة، لذا على الأديب الذي يعمل بالصحافة أن يكون حذرا، مع تقديري

 

حاورته: ضحى الحداد

  

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم