صحيفة المثقف

كورونا والرومانسية الحالمة

سارة طالب السهيلالانسان لا يمكنه الحياة دون تأجج مشاعر الحب، فالحب ماء الحياة واكسيره، والإنسانية ترتبط عضويا بالحب، ومنسوب الحب يتناسب طرديا مع السمو الإنسانيفي ارقى تجلياته وعكسيا مع الشر في ادنى صوره .

والتاريخ الانساني حفل بالعديد من قصص الحب الخالدة، واكتسبت خلودها مماواجهه ابطالها من مآسي وما أدت اليه من حروب، وشهدت البشرية فواجع وكوارثتحديا لصراعات الحب، واصبحت مضربا للمثل في الوفاء والإخلاص، وفي هذا الإطارتأتي ملاحم روميو وجولييت، وأنطونيو وكليوباترا، وقيس وليلى، وعنتر وعبلة، وجميلوبثينة، وكثير وعزة، وقيس ولبنى وغيرهم من كامل جغرافيا المعمورة، ولكل ملحمةتفاصيلها التي تتفق والبيئة التي شهدت أحداثها.

البعض كان يلتقي في البوادي والبساتين و بئر الماء بعيدا عن أعين الناس، بينما كانروميو يقف لجوليت اسفل شرفة منزلها ليحظى بنظرة عشق تروي كيانه كله وتشعره انهيعيش في الجنة ونعيمها .

الحب لا يختلف كثيرا من زمن لاخر و من مكان لمكان، وقد رصدت أغنية الفنان محمد عبدالمطلب و هو يروح ويغدو لحبيبته ماشيا على قدميه من منطقة السيدة زينب الى حيالحسين بالقاهرة، تجربة خاصة عبر عنها الفنان القدير بأغتيه الشهيرة " ساكن في حيالسيدة وحبيبي ساكن في الحسين وعلشان أنول كل الرضا يوماتي اروح له مرتين منالسيدة لسيدنا الحسين" .

كان المحب ينتظر اطلالة محبوبته من شرفة منزلها ، بينما يقف اسفل المنزلبدراجته متعللا للجيران بأي سبب لوقوفه اسفل منزل المحبوبة، كما كانت أسطحالمنازل من اشهر أماكن لقاء الاحبة بعيدا عن اعين الأهل و المتلصصين، وسط موجات حبكهربائية شديدة مغلفة بأشجان الحب العذري الطاهر بينما تسبح الرومانسية في بحارالاشواق ولهيبها بروحانيات شديدة التالق والوجد والنور.

ولقد وثقت السينما حال المحبين في ستينيات القرن الماضي قبيل التكنولوجيا فائقةالسرعة التي نعيشها، كانوا عندما يلتقون يبدون وكأنهم قد خرجوا من جحيم الاشواقوسعار أنينه الى جنة فيها ماء السلسبيل الذي يروي عطشهم ويبرد نيران عواطفهمبمجرد الرؤية والكلام.

وفي الألفية الثالثة كانت المنتزهات والكافيهات والسينمات اماكن لقاء الاحبة دون حظرأو عوائق، الى أن جاءت جائحة كورونا فوضعت الحواجز بين المحبين وعزلتهم عنبعضهم، وانحسر التواصل، وأصبح حصرا عبر وسائل التواصل الاجتماعي .

وكما يقال في الاثر الانجليزي" الحاجة هي أم الاختراع "، وكذلك القول في الاثر الشعبيالعربي "الممنوع مرغوب"، فان جائحة كورونا قد غذت مشاعر البشر بمعاني الفقدمن الاحبة، وأشعرتهم بنعمة وأهمية انتماء الانسان لبني جنسه وانه لا يستطيع الحياةبدون من يكمل نقصه ويعوض فقره ويحقق به كمال وجوده على الارض ويشعره بنعمةالامان والسلام النفسي والطمأنينة التي لا تتحقق الا بلقاء الاحبة.

لذلك قاوم المحبون العزل الاجباري لكورونا وتحدوها بأساليب جميلة وشيقة، وهو تحديصحي جدا من أجل البقاء والسعادة، مثلما وجدنا الشاب اللبناني محمد الصمد عبراليوتيوب وهو يتسلق شرفة محبوبته ليقدم لها خاتم الزواج رافضا تأجيل الخطبة لحينانتهاء الجائحة، هو مقطع هاجمه الكثير واتهموه بأنه يقلد الغرب، وبرأيي ان هذا المقطععلى اليوتيوب أكد على ان المشاعر الانسانية أقوى من اي اخطار للامرأض والأوبئة.

وظهرت العديد من قصص الحب والغرام التي قاومت كورونا وتحدتها في مختلف دولالعالم، فقد  ألقى كيبوبيد بسهامه بين "أحمد" المرشد السياحي المصري و"تشو" الصينية قبل عام وتوجا حبهما باعلان الخطبة الرسمية في 22 يناير الماضي أثناءزيارته للصين، لتظهر بعدها أنباء عن فايروس كورونا ووسط مطالبة الاهل لابنهمبالعودة السريعة الى مصر واضطر للعودة لوطنه لكنه عاد ادراجه للصين ليداوي قلبهبدفء محبوبته.

الحب دائما هو مفتاح التحدي لأي ازمة حتى لوكانت وباءا، ولم يكن هناك وباءا لاخترعهالانسان لكي يمرر من خلاله مفتاح التحدي مثلما فعل الكاتب العالمي غابرييل غارسياماركيز في روايته "الحب في زمن الكوليرا" فالبطل المحبوب يطلق شائعة وباء الكوليراعلى السفينة التي يركبها مع معشوقته ليتخلص من المسافرين، ولتتاح له فرصة التعبيرعن عشقه لها رغم ان عمرها سبعين عاما.

واخترع ماركيز وباء الكوليرا على لسان بطل روايته الشهيرة، انما أكد من خلاله حاجةالانسان للحب الحقيقي والصادق في كل مرحلة من مراحل عمره وحتى الشيخوخة، وربما يكون الله قد من علينا بجائحة كورونا لنتخلص من رتابة حياتنا المادية وهيكلتهاالرأسمالية التي قتلت فينا اجمل المعاني، ولتحيي كورونا فينا زمن الرومانسية الجميلونستعيد انساينتا بالحب الصادق.

ولفتني مؤخرا وأثناء الحظر تجلي معاني الحب في أبهى واجل صورها، فهناك منالمحبين من تحمل المشي لعدة كيلومترات في مناخ قاسي ليحظى برؤية حبيبه، ومنهممن استقل دراجة هوائية لعدة كيلومترات في سبيل ان يكحل عينيه برؤية الحبيب، فيمشهد يعيد للأذهان ملاحم الحب الخالدة .

 

سارة السهيل

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم