صحيفة المثقف

خارطة وطن

اياد الزهيريمنذ الابتدائيه ندرس الجغرافيه، وعلى غلاف كتاب الجغرافيه خارطة العراق، لم يكن درساً ثانوياً، بل درساً اساسياً،  والغايه من هذا الدرس هو طبع خارطة الوطن في ذهن ووجدان الطالب، وان يعرف الطالب ان وطنه من زاخو شمالاً الى الفاو جنوباً، كما هناك درساً مكملاً، بل معضداً له، وهو التربيه الوطنيه، مضاف لهن درساً ثالثاً الا وهو التاريخ، الغايه من تلكم الدروس الثلاثه هو طبع هذه الخارطة وتاريخها وحبها في وجدان المواطن العراقي.من المعروف آنذاك، وقبل ان ندخل الدرس هناك ما يسمى الاصطفاف الذي يسبق الدخول الى الصف وفيه نقرأ نشيد موطني، الذي يبدا ب؛

موطني موطني سالماً منعما وغانماً مكرما

موطني موطني هل الجلال وهل الجمال وهل السماء وهل البهاء في رُباك.

هذه الدروس احدثت نقله نوعيه في عقلية ووجدان الذهنيه العراقيه، هذه الذهنيه التي كانت ذات صفه مناطقيه، فكان القروي مثلاً يتصور ان حدود الدوله هي نفسها حدود قريته، فلا شأن له، ولا علاقه باي بقعه أخرى من العراق، فليس هناك علاقه روحيه او رابطه نفسيه مع المواطن العراقي الاخر في قريه او مدينه أخرى، وهذا ما جعل من يوصف الشعب العراقي آنذاك بعباره عن تجمعات بشريه، او عباره عن جزر متناثره، لذلك فجل اهتمامه هو قريته، وما يحدث فيها، كما ان ابن القريه او المدينه يعرف كل صغيره وكبيره عنها ولا يهمه شأن وأمور القرى والمدن الاخرى، وكان هذا الامر هو ما اقلق ادارات كل الحكومات العراقيه، لذى تكون الجغرافيه الموحده للبلد واعتزاز الكل بها هو احد اهم اسباب الوحده الوطنيه وتحقيق الانسجام بين أبناءه، وهذا سر حرص الادارات المدرسيه في كل دول العالم على تقرير هذا درس (الجغرافيا) لانه احد اهم مرتكزات الوجود الوجداني للوطن في ضمير المواطن. من الغريب في الاونه الاخيره كان هناك ارتجاع في حضور الوطن الكبير في ذهنية المواطن العراقي، ومؤشر هذا النكوص في درجة الاهتمام التي يوليها المواطن في الاجزاء الاخرى من الوطن، فمثلاً عندما يحدث تدمير لبنيه تحتيه او تشريد او تخريب، او عمليات سرقه منظمه من قبل مافيات محسوبه على الدوله لا تثير أهتمام وجدان ومشاعر المواطن الاخر في منطقه أخرى، وهذا ما نشاهده في تعرض البلد الى النهب الممنهج في جنوب العراق مثلاً لايثير امتعاض ولا أحتجاج المواطن في شمال العراق وكأن الامر يحدث في قاره أخرى، حتى أننا نرى ردود أفعال مواطن المنطقه الجنوبيه فيما تتعرض له خزينة الدوله من عمليات نهب وهدر للمال العام، ترى ابن الجنوب يلقي باللائمه فقط على نواب البرلمان التابعين للمنطقه الجنوبيه، وعندما يتهمون الاحزاب السياسيه فهم يتهمون فقط الاحزاب التي تنتمي للجنوب فقط، وهذا ناتج من قصور بالنظره في مساحة وحدود الوطن،  في وقت ان السرقه وهدر المال العام هو عمليه أشترك فيها كل النواب في البرلمان العراقي الذي يعود نوابه الى كل محافظات العراق، والفساد شمل كل الأحزاب التي شكلت الحكومات العراقيه منذ السقوط ولحد هذه الساعه، وأن ما ينهبه الاقليم من نفط وموارد ماليه، وما يستغله الحلبوسي واحزاب المنطقه الغربيه لا تعني شيئاً في تفكير ابن الجنوب، وكأن هؤلاء ينهبون من خزينه غير خزينة بلدهم، في حين ان السرقه هي نتيجة أشتراك الجميع بها، ولكن هذا القصور بالنظر جعلهم يصطدموا فقط مع من يمثلهم بالبرلمان او الحكومه، وبدأوا يوجهوا سهام نبال نقدهم فقط على من حولهم دون ان يكلفوا أنفسهم ان يلقوا نظره عابره لحدود مناطقيتهم لكي يشاهدوا حجم السرقات على مستوى مساحة العراق، وهذه النظره الضيقه هي من سببت أنقساماً وتنازعاً اجتماعياً بين ابناء الجنوب دون غيرهم، بل وسبب في تمزق نسيجهم الاجتماعي حتى باتت الكراهيه ان تحرقهم جميعاً.

 

أياد الزهيري

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم