صحيفة المثقف

العيدُ بينَ الفَرحِ المُنْضَبِطِ والفرحِ المُنْفَلِتِ

الاعيادُ عندَ الاممِ والشعوبِ، مناسَباتٌ يُعَبِّرونَ فيها عن فرحِهم وابتهاجِهم، والفرحُ هو انفعالٌ من انفعالاتِ النَّفْسِ، يترك اثارَهُ على الجِسمِ، والشعوبُ عادةً تُعَبِّرُ عن فرحها بتعابيرَ جسميةٍ مختلفةٍ . والفَرَحُ امّا أَن يكونَ مُنضبظاً أو منفلتاً .

وَحَرَصَ الاسلامُ انْ تكونَ أَفراحُنا في الأعيادِ مُنْضَبِطَةً بِضوابِطَ قِيَمِيَّةٍ وأخلاقِيّةٍ، وَمُؤطَّرةً بأٌطُرٍ وحُدودٍ تَمنَعُ مِنْ انفلاتِ الفَرَحِ وخروجهِ عن الضوابِطِ المرسومةِ.

والفَرَحٌ في اعيادِ المسلمينَ لَهُ مبرراتُهُ؛ فنحنُ نَفرَحُ لاننا صُمنا لله، وتقربنا الى الله الذي تفضل علينا برحمته وفضله، وضاعف الاجرَ لنا في هذا الشهر، وجعل فيه ليلةً خيراً من الفِ شهر. من حقنا أنْ نفرحَ، ولكنَّ فرحَنا منضبطٌ بالضوابطِ والحدودِ الالهيةِ.

في أَعيادنا عبادةٌ قبل ان نخرج من بيوتنا لصلاة العيد هناك غسلٌ مستحبٌ في يوم العيد، هناك أَدعية خاصة في يوم العيد، وهناك اخراجٌ لزكاة الفطرة، وهناك صلاةُ العيدِ .

يومُ العيدِ عندنا كمسلمينَ نبدأَهُ على اسم الله .

الاعيادُ عند الشُعوبِ الاخرى يكونُ فيها الفرَحُ منفلتاً لاضوابطَ ولاحدودَ لهُ . الاعيادُ عندهم مناسباتٌ تُطلَقُ فيها الغرائزُ من عِقالِها، ويتمُّ انتهاكُ كلِّ الحُرُمات باسم الفرح.

الفَرَحُ في القرانِ الكريمِ

القُرانُ الكريم صنفَ الفَرَحَ الى فرحٍ محمود وهو الفرحُ الذي يكونُ منضَبِطاً بضوابطَ اخلاقيّةٍ تحميه من الانفلاتِ والخروجِ عن الحُدودِ، وفرحٍ مذمومٍ حينما ينفلت ويتجاوز الحدودِ . قارون الذي تجاوز كلَّ الحدود والذي قال له قومُهُ لاتفرح؛ لان فرحه مذمومٌ تجاوز فيهِ الحدودَ، يقولُ اللهُ تعالى:

(إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ القصص: الاية:76.

وعندما يكونُ هناكَ فضلٌ الهيٌّ ورحمةٌ يأمرُ اللهُ عبادهُ بالفَرَح، كما في قوله تعالى:

(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ).يونس: الاية: 58.

والشهداءُ يفرحونَ بفضل الله، ويستبشرون باخوانهم الذينَ لم يلحقوا بهم، كما في قول الله تعالى:

(فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).ال عمران: الاية: 170. واحيانا يكون استمرارُ النعمة من باب الاستدراج فلا يَبطرُ الانسانُ ويتجاوز الحدود في الفرح الذي يقود الى البطر، يقول الله تعالى:

(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ).الانعام: الاية: 44.

وعلى الانسانِ ان لايغترُّ بالحياةِ الدنيا وزُخرُفِها؛ لانها متاعٌ زائلٌ، وماعندَ اللهِ خيرٌ وأبقى، يقول الله تعالى:

(اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ). الرعد: الاية: 26. واحياناً يقودُ الفرحُ الى الخُيَلاءِ والفخر؛ ولذلكَ نهى اللهُ تعالى عنهُ، كما في قوله تعالى:

(لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).الحديد:الاية: 23.

من خلال هذه الاياتُ الكريمةُ يتحددُ الفرحُ الهادفُ المنضبطُ من الفرحِ المنفلت من كلِّ الضوابطِ .

وفي الختام الصائم يفرح في العيد؛ لانَّ لهُ فرحتينِ، فرحة عندَ فطرهِ وفرحةٌ عند لقاء ربهِ، هذا فرَحٌ محمودَ، وامير المؤمنين عليه السلام أعطى العيد بعداٌ قيمياً اخلاقيّاً، وهو كون اليوم الذي لانعصي اللهَ فيه عيداً، كما جاء في نهج البلاغة عن علي عليه السلام:

(قال أمير المؤمنين عليه السلام في بعض الأعياد: إنما هو عيد لمن قبل الله تعالى صيامه، وشكر قيامه، وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو يوم عيد) .نهج البلاغة/الحكمة/428.

وفي الختام اسألُ الله ان يعيد هذا العيد وامتنا في عزةٍ ومنعةٍ وانتصاراتٍ .

 

زعيم الخيرالله

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم