صحيفة المثقف

أدباء وكتاب بابل المعاصرون

1527  أدباء بابل شكلت مؤلفات الدكتور عبد الرضا عوض التي نافت على الخمسين موسوعة حلية متكاملة في التراث والتاريخ والأعلام والأمكنة، واحتلت مكانة ومكاناً واسعاً ومتميزا في المكتبة العراقية المعاصرة، ونالت من الشهرة بعضاً مما تستحق، وصارت مرجعاً مهماً للباحثين والطلبة الدارسين، وإن نقل عدد غير قليل منهم الكثير مما ورد فيها من دون الإشارة لها!! وأحدث ما صدر حالياً من هذه المؤلفات الرائدة والقيمة كتاب (أدباء وكتاب بابل المعاصرون) بأجزائه الأربعة وطبعته الثالثة وهي طبعة كتب على أغلفة أجزائها (مزيدة ومنقحة) بعد إجراء بعض التصحيحات والتعديلات على ما ورد في الطبعتين السابقتين كما جاء في المقدمة.

اعتمد المؤلف في كتابه هذا منهج التسلسل الزمن للأدباء والكتاب الحليين الذين أورد سيرهم فيه، فجاءت في الجزء الأول سير من كانت ولادتهم في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، ومن كانت ولادتهم في العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين، وتضمن الجزء الثاني على سير الأدباء والكتاب المولودين في العقد الخامس، وتضمن الجزء الثالث المولودين في العقد السادس، وتضمن الجزء الرابع المولودين في العقد السابع من القرن العشرين، وبلغ عدد صفحات الأجزاء الأربعة من الكتاب (1230) صفحة من القطع الوزيري، وضمت سير وتراجم (523) أديباً وكاتباً حلياً.

بدأ الجزء الأول من الكتاب بتوطئة للمؤلف تحدث فيها عن الكتاتيب في الحلة وطريقة التعليم فيها، والمجالس الأدبية في المدينة ذاكراً أربعة عشر مجلساً منها وأصحابها وأماكنها، والمجالس الحسينية وأثرها في الحياة الثقافية، ثم انتقل إلى تفاصيل السير الشخصية للمولودين في تلك الحقبة الزمنية التي حددها المؤلف لهذا الجزء، وأغلبهم من أشهر أعلام العراق في عصرهم، من أمثال: محمد علي اليعقوبي، ومحمد مهدي البصير، وأحمد سوسة، وأنور شاؤول، وطه باقر، وعلي جواد الطاهر، وجعفر خصباك، وباقر سماكة، وجواد علوش، وحازم الحلي، ونعمة رحيم العزاوي، وجليل كمال الدين، وغيرهم الكثير.

وتوقف المؤلف في بداية الجزء الثاني من هذا الكتاب للحديث عن الجمعيات والندوات الأدبية التي نشأت بعد تموز 1958م، فذكر منها ندوة القلم، وندوة عشتار، وهي الأكثر شهرة وأثراً في المدينة، وقد سعى في إقامتها عدنان العوادي وجعفر هجول وحازم سليمان، ووحودي سلمان، وفرهود مكي، وحكيم الجراخ، وعبد الإله الصائغ وغيرهم، ودامت من سنة 1971م إلى سنة 1973م، كما ذكر من هذه الجمعيات والندوات ندوة الشعر وفرع الاتحاد العام للأدباء والكتاب في بابل، وجمعية الشعراء الشعبيين، وجمعية الرواد الثقافية لمؤسسيها صلاح اللبان وأسعد النجار وصباح المرزوك، وجبار الكواز، وزهير المطيري وغيرهم، وهي جمعية مستقلة مازالت تواصل نشاطها إلى يومنا الحاضر.

وتحدث المؤلف في هذا الجزء (الثاني) أيضاً عن الصحافة الحلية، وقال إن أقدم صحيفة صدرت في المدينة كانت (الفيحاء) التي أسسها السيد عبد الرزاق الحسني، وقد صدر عددها الأول يوم الخميس المصادف 27 كانون الثاني 1927م، ولما أغلقت بعد خمسة عشر عدداً أصدر السيد الحسني صحيفته الثانية (الفضيلة) في 12 أيار 1927م، ثم أتى المؤلف على ذكر (74) صحيفة ومجلة صدرت في محافظة بابل إلى يومنا الحاضر، وآخرها مجلة(العشرة كراسي) الفصلية العامة والصادرة سنة 2017م.

وفي الجزء الثالث من الكتاب الذي سرد سير (144) أديباً وكاتباً حلياً من المعاصرين تحدث المؤلف عن دار الثقافة الجماهيرية التي استحدثت بعد انقلاب تموز 1968م، وكانت منظمة تتبنى سياسة السلطة الحاكمة، (وجاء نشاطها بعد حل مديرية إرشاد منطقة الفرات الأوسط في آذار 1969م)، وتحدث عن تأسيس فرع بابل للاتحاد العام للأدب والكتاب في العراق، وكانت المحاولة الأولى لتأسيسه سنة 1959م حين (فكر مجموعة من أدباء الحلة بتأسيس فرع فيها يتقدمهم الشاعر جليل كمال الدين والشاعر علي الحسيني والأستاذ مهدي شاكر العبيدي والشيخ يوسف كركوش وغيرهم)، وأعيدت هذه الفكرة ثانية سنة 1984م حين (قررت نخبة من أدباء بابل الشروع) واستحصلت الموافقة على تنفيذها، فافتتح هذا الفرع يوم الخميس 11 تشرين الثاني 1984م، ورأسه في دورته الأولى ضياء طالب حيدر.

وفي الجزء الرابع من هذه الموسوعة الذي تضمن سير الأدباء والكتاب المولودين في العقد السابع من القرن العشرين، وقد بلغ عددهم (125) أديباً وكاتباً، توقف المؤلف في توطئته للحديث عن هيأة الإحياء والتحديث الحضاري، وقد بدأت فكرتها في كانون الأول سنة 2003م في مجلس السيد حسام الشلاه عندما تدارس مجموعة من الأدباء مع عضوين من مجلس محافظة بابل آنذاك مشروع (إنشاء هيأة أو جمعية لغرض تقويم ما أفسده نظام صدام من وضعه تسميات لشوارع وساحات ومدارس في عموم محافظة بابل يحمل سمات سياسية، وتمجد سياسة البعث وإبدالها بتسميات نابعة من تراث الحلة)، ووضع برنامج عمل لها، و(خطت الهيأة خطوات حسنة في بداية عملها، ثم تلكأت، وانسحب بعض أعضائها المؤسسين)، وانتهى دورها.

وتوقف المؤلف في هذا الجزء (الرابع) أيضاً للحديث عن النوادي الأدبية في الحلة مثل نادي الشعر ونادي القصة قبل أن ينتقل إلى حركة الترجمة، وعدد مجموعة من المترجمين الحليين الرواد، وفي مقدمتهم الدكتور أحمد سوسة والدكتور طه باقر، وما قدموه من جهود كبيرة في هذا المضمار العلمي، وتحدث عن مركز تراث الحلة وأهدافه ووحداته، وقد كان للمؤلف الدور الكبير في تأسيسه سنة 2013م، قبل أن تختلف الأفكار والرؤى وما اتفق عليه مما اضطره وآخرون إلى الانسحاب منه، ففقد المركز الكثير من بريقه ومكانته وضاعت الأهداف التي أنشئ من أجلها.

وفي نهاية الكتاب توقف المؤلف وقفة مائزة وشجاعة لدراسة ظاهرة شاعت – للأسف الشديد – في السنوات الأخيرة بشكل ملفت للنظر ومثير للتعجب والخيبة والحزن، وهي السرقات الأدبية من ناحيتي الحقوق المدنية (القانونية) والاجتهاد الفقهي لعلماء الدين، مبيناً الحقوق المعنوية والمادية الواردة في التشريعات القانونية و(كيفية التعامل مع السرقات المكتشفة من قبل الأدباء الذين تعرضت نتاجاتهم للسرقة وموقف الجهة التي وقعت فيها السرقة، وكانت مسرحاً لها كالصحف والمجلات والمواقع الالكترونية أو أروقة الجامعات والمعاهد العلمية)، كما حدث للمؤلف نفسه، وأضاف (لقد سمعت من قصص السرقات ما يملأ مجلدات كاملة، ويبدو أن هذه الظاهرة السيئة في تزايد و"ازدهار" ما لم يتعاون الأدباء والمثقفون الأصلاء والمؤسسات الصحفية والسلطة القضائية على مكافحتها والقضاء عليها)، ويشير إلى وقوع (34) سرقة أدبية معلنة حدثت في محافظة بابل خلال سنة 2017م فقط، ويورد في الختام أسماء أثني عشر أديباً وكاتباً حلياً تعرضوا لهذه الجريمة المقرفة من قبل آخرين يدَّعون زيفاً امتلاكهم للموهبة والأدبية، ويقومون بسرقة المبدعين سراً وعلناً من دون وازع من ضمير أو عقوبة.

 

جواد عبد الكاظم محسن

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم