صحيفة المثقف

تحرير المرأة وتحرر المثليين.. أمزجة بروح راسمالية

كثيرة تلك الصرخات الاعلامية الهائلة التي يتخذ منها مروجوها تسويق مفهوم ما، وفق برنامج اعلامي محدد ومخطط له بدقة وعناية، يأخذ على عاتقه تأسيس منظومة فكرية دولية ومن ثم توسيعه ليشمل العالم كله، ومن بين تلك المفاهيم التي شغلت العالم قبل عقود عدة واخذت صدى واسعا، مفهوم تحرير المرأة !! .

فما الذي حصلت عليه المرأة، بعد ان هدأت اصوات المناضلين من اجل تحريرها في الدول الرأسمالية والاستهلاكية العظمى؟ .

مضت تلك العقود التي تحولت فيها تلك المرأة (الاسيرة المحبوبة) في القرون الوسطى الى (اسيرة حرة) في القرون الحديثة على حد تعبير المفكر علي شريعتي * وفق مفهوم الجنس بدل الحب في مجتمعات النظام الرأسمالي الاستهلاكي النفعي الذي جعلها اداة للاستهلاك الجنسي وللمنفعة الاقتصادية والاجتماعية، ومراجعة بسيطة للكم الهائل للقنوات والفضائيات التي تبيع المتعة عبر النت، كفيل بمعرفة مبرر ترويج وكذلك عملية تطبيق تلك الدعابة التي اطلقوا عليها تحرير المرأة !! وتحريرها، من ماذا يا ترى؟  بهذه الافكار الملغومة التي استهدفت المجتمعات الغربية الحديثة وبالخصوص كينونة الاسرة والانسان فيها، بالاعتماد على فلسفات علم النفس المعاصرة كنظرية الشبق الجنسي، المحيرة لعالم النفس الشهير سيجموند فرويد، جاء الفكر الغربي حتى يغير تقاليد المجتمعات الشرقية بعد ان تم له ذلك في عقر داره، وليس غايته المرأة الشرقية وتحريرها بالتأكيد كمفهوم مجرد !! يسعى الى تطبيقه، كما لم يكن بنفس الغاية نحو المجتمع الغربي والمرأة الغربية بالتحديد، (فقد تم استخدام المرأة كأداة للتسلية والترفيه بأعتبارها الكائن الذي يملك الجاذبية الجنسية التي لا تدع العامل والموظف والمثقف يفكرون في اوقات فراغهم بالتمرد ضد الرأسمالية وطبقيتها الرائدة، فأستخدمت لتملأ كل الثغرات الموجودة في الحياة الاجتماعية، فتحول الفن من مرتكزات للجمال واسس لمحاور الروح والعاطفة الى محور الجنس والتلذذ بالجسد بناء على توصيات الرأسمالية والبرجوازية الغربية المعاصرة)*

برامج تسعى لتعزيز القدرة على استيعاب وفهم وقيادة الروح والعقل الشرقيين، من خلال افراغ الصور الذهنية والقواعد السلوكية والمعايير الاخلاقية التي تربى عليها منذ نشأته الاولى، يبدأ من خلال توفير كل الحاجات التي لا يوفرها له الواقع والمحيط بسبب التقاليد والاعراف الاجتماعية والدين، فتأتي عبر السيطرة على الانسان الشرقي الذي يمثل الشرق بُعده الجغرافي من خلال التحكم على مكامن عقله اللاواعي، وينتهي بالغزو الاقتصادي والثقافي الكامل . وعلى مستوى النتائج التي (تكون فيه الارجحية للاستغلال والاستهلاك والانتاج، في تلك الدول المتقدمة، حيث تم تحويل المرأة لا ككائن مثير للخيال وبؤرة الهام ومرآة صادقة للرجل ورابطة مقدسة، انيسا وكيانا انسانيا كبيرا ومصدرا عاطفيا ضخما يضم بين دفتيه مفاهيم الامومة والحب والاسرة، الى سلعة اقتصادية تباع وتشترى حسب جاذبيتها الجنسية)* . 

بهذه الواقعيات المعاصرة لمنهج الرأسمالية العالمية والمعتمدة منهجيا، وبهذا الهياج والصخب المتعالي تظهر، ظاهرة المثليين، على انها هياج من نوع اخر يشبه الى حد كبير بأعتقادي ظاهرة هياج تحرير المرأة التي عصفت بالعالم قبل عقود مضت .

وظاهرة المثليين رغم وجودها في الدول العربية والاسلامية و بقوة في بعضا منها خاصة الخليجية، الا انها في بلدانها الام، اي تلك الدول الاوروبية والغربية منها، التي قننتها ورفعت عنها كل انواع المنع حيث حصنتها قانونيا وجنّبتها بأسم القانون اي مواجهة مجتمعية او صراع ديني محتمل، الا انها والى اليوم تواجه في تلك الدول، رفضا مجتمعيا !!!، وما يهمنا بيانه هنا، ان اصحاب تلك الظاهرة من المؤمنين بها او المثليين انفسهم لا ينظر اليهم كالنظرة الى الانسان السوي !! (حيث يعتبر يوم ١٧ من ايار عام ١٩٩٠ يمثل هذا التاريخ يوما عالميا لمناهضة رهاب المثلية الجنسية والتحول الجنسي) حتى احتفالاتهم التي يقوم على احيائها منظمات واحزاب وشخصيات مجتمعية شهيرة سياسية او فنية او اجتماعية، تظهر ولائها للفكرة بين مدة واخرى، الا ان الاقبال على مثل هكذا اجتماعات واحتفالات هناك يظل مقتصرا على اصحابها المثليين او الداعين والداعمين لها وهم نسبة قليلة في تلك المجتمعات التي تتمتع بشرعية تلك الظاهرة !، وهم على ما يملكون من وسائل تحفيز وقوانين متحررة ودعم مالي كبير، تدعم تلك الظواهر، الا انهم لا زالوا يواجهون رفض نسبي من مجتماعتهم .

فكيف والقياس هنا في العراق او الدول العربية المحكومة سياسيا و اجتماعيا وفق اطر دينية واسلامية، وللاعراف فيها دور قوي ومؤثر، حتى كتاب الله عزوجل يقر  ب (خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين) ما للاعراف الدينية او الاجتماعية التي تَرّكز فيها الدين من الاساس، من قوة تأثير بالشارع العربي، هذا من جانب، وعلينا عدم انكار الجانب الاخر الذي وفر معلوماته، وجود تلك العينة الاجتماعية بيننا و التاريخية التي أقرها  القرآن الكريم نفسه وكتب التاريخ عن مجتمعات نهضت فيها هذه الظواهر  وبقوة اكثر بكثير منها اليوم، الامر الذي من اجله بعث الله جل وعلا الرسل الى اقوام مثلية بل ومهووسة بهذه الظاهرة، وما قصة نبي الله لوط مع قومه الذين فعلوا ما لم ييسبقهم احدا من العالمين، والذين بالغوا في احراجه مع ضيوفه المكرمين حسب آي الذكر الحكيم، حيث يأتون الرجال شهوة دون النساء، الا مثلا واضحا لوجودهم بالامس واليوم كذلك، وقال عزّ وجل في كتابه الكريم: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ*إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ) * [الأعراف: 80-82] .

وهناك بعض الاراء لمدارس مذهبية اسلامية تذهب الى ان (اصحاب الرس)  المذكورين بالقرآن الكريم بأكثر من اية مباركة، هم كانوا ايضا من اتباع تلك الطريقة في العلاقات المثلية فيما بينهم .

فأذا تحدثنا عن وجود تلك الظاهرة وبقوة في بعض الدول، فأننا لا نستطيع اطفاء جذوتها برش الماء عليها ومحاولة اخمادها، كون الظاهرة الاجتماعية لا تنشأ الا من خلال وجود اسباب نشأتها ونهوضها، ولا يمكن لنا ولاي قوة انهاء ظاهرة من خلال فرض اسلوب القمع والقوة، (فلاشي يقوي الفكرة سوى اضطهادها)، فعلينا مواجهة الاسباب المؤدية لنشوءها وهي كثيرة، فسهولة توفر وسائل الاتصال ومعرفة العالم من حولنا والوصول عبر الاثير الى المجتمعات الاخرى التي فيها مساحة واسعة لحرية الظاهرة والتأثر بها، وهذه النقطة بالذات هي اهم ما غذت قوة وجود الظاهرة وتناميها، على انها اخطر افراز نوعي لوجود الظاهرة بجانب انتشار الامية بشكل واسع وفساد النظام السياسي، اضافة الى عوامل اجتماعية عديدة زادت من قوتها كالبطالة وعدم زج المجتمع بثقافة الانتاج وتفعيل القطاع الخاص وامية التعليم كما اشرنا ولها الدور الكبير في تنامي الظاهرة (رؤية عامة لعالم المنتمين لهذه الظاهرة هم من أميي التعليم) ونتاج ثقافات المجتمعات المتعسكرة والدور الكبير لفساد الانظمة السياسية المتعاقبة وفساد المؤسسات الرقابية التابعة لها في تتبع توفير اسباب نشوء الظاهرة، (فعلاجات السمنة مثلا والادوية التي تزيد من معدلات الهرمونات الانثوية متوفرة وفي متناول اليد منذ اعوام عديدة والاقبال عليها بنسبة كبيرة من اليافعين الشباب)، هذه العوامل وغيرها وفرت ملاذا للهروب من الواقع نحو عالم يأخذ بالاتساع والحرية لعينة الصبية والشباب واليافعين الهاربين من الواقع المتردي، ظروف ساهمت باتساع الظاهرة حيث توفرت المناخات الملائمة لوجودها وانتشارها، وليس معنى ذلك ان المجتمعات التي تنعم باجواء بعيدة عن تلك التي ضَمنّاها في اعلاه، ورغم ذلك فانها مرتع خصب للظاهرة، وهنا بالذات تكمن ميزة قوة الظاهرة من ضعفها في كل امة ومدى توفر شروط نمائها وقوتها في مجتمع ما كالاوروبي واستحالة اضعافها فضلا عن اندثارها، وميزة ضعف الظاهرة وعجزها ومحاولات علاجها او احتوائها وضمان عدم انتشارها على الاقل في الدول العربية مثلا، وذلك بتقليل زخم واضعاف مصادر قوتها (فالظواهر حسب نشأتها ووجودها ومحيطها وتاريخها،  ومنها لا تموت بالتأكيد)، بمحاولات علاج اسباب نشوئها التي ذكرنا جانبا منها في اعلاه، لتبقى الظاهرة رهن القوة والضعف،  قوة الارض التي نمت بذورها فيها وانتجت عبر تاريخها الزمني اسباب بقائها واحتمالات ديمومتها وضعف المحيط الذي تكاثرت فيه، دون معرفة حقيقية للمبرر الرئيس لنشأتها الاولى على وجه التحديد.

ورب سائل مثلي يسأل، اليس الاجدر بتلك القلوب (الانسانية) الرأسمالية الرحيمة!! التي ثارت من اجل تحرر المثليين اليوم وتحرير المرأة بالامس، رفع علم  تحرير العقل من سيطرة المنظومات السياسية التي فرضتها الرأسمالية الغربية على الشعوب المستضعفة في العالم؟ ام تتركها لمصيرها كما فعلت بالسابق، محكومة ببرنامج ثورة ربيعية، مزاجها الرأسمالي المبرمج وحده من يقرر ذلك .

ولا ادري عن رأي الذين استثمروا طرح افكارهم المتعففة في هذه المسألة المنحلة بالذات وخاصة من المتورطين بقضايا فساد مالي واخلاقي كبرى تمارس بشكل يومي ومنذ اعوام طوال، والفساد مفهوم شامل، بكامل جزئياته وحيثياته، سياسية كانت ام اجتماعية وبالتالي تعود منشأها الى خلل اخلاقي !! ام نترك اجابة هذا الامر لتلك (الشاة التي رأت قصابها يشحذ سكينه فقالت له: احترس يا سيدي من ان تجرح اصبعك) *  .

 

 حسن عزيز الياسري - بغداد

...............................

* علي شريعتي، فاطمة هي فاطمة

* ميخائيل نعيمة، كرم على الدرب

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم