صحيفة المثقف

مفكرون أم مقلدون

اياد الزهيريعادتاً ما يتميز المفكر بخصائص وعلامات تدل على صفته كمبدع، وكمخلق لرؤى جديده، وكمنتج لأفكار ونظريات ترفد الأنسانيه بكل ما هو جديد . المفكرون هم تلكم الفئه من البشر الذين يدفعون عجلة التقدم الى الأمام، والذين يساهمون بوضع الحلول التي تساهم بتقليل معاناة الأنسان في كفاحه، وصراعه مع الطبيعه التي يعيش في كنفها . أنهم القوه المحركه لعجلة الحضاره . ربما يسأل سائل، ما هي العله بطرح هكذا موضوع. طبعاً السبب هو التزوير الذي دب في كل مفاصل حياتنا،فقد أُنتحلت الكثير من الألقاب، وأسبغت الكثير من الصفات من غير وجه حق على أشخاص، جرياً وراء الشهره، وأكتساب الوجاهه المجانيه،مما ساهم بخلط الأوراق، وما عاد يعُرف الغث من السمين، فضاعت المعايير، وفُقدت المقاييس . عند تتبعنا لحياة الكثير من المفكرين،ترى أنتاجهم الفكري هو نتيجه لتأمل ومخاض لتفكير، لأيجاد حلول لمشاكل عانت منها مجتمعاتهم، فهم يدرسون واقعهم وينشغلون به، ويبذلون قصارى جهدهم من أجل تحسين واقع أوكسب منفعه أو دفع ضرر، فترى أكثر المجتمعات تقدماً وحيويه، هي تلك المجتمعات التي تزخر بوجود فئة المفكرين .كما ما يثير أهتمامي هي تلك الفئه التي حاولت أنتحال صفة المفكر،عبر ما ينقله من أفكار، عمل على أستنساخها من مبدعيها الأصلين، وهي نتاج لواقع وظروف معينه، فركبوا الموجه، وبدأو بتهريب هذه الأفكار الى مجتمعاتنا على أنها أفكارهم، ومن صميم أبداعاتهم، ومن خالص مهجهم، أما المقلدون،فهم كالسلع الصينيه التي تبدل أوراق منشأها وتكتب عليها (صنع في العراق) .

لو دققنا في طبيعة المفكر، لوجدناها طبيعه تأمليه، تتسم أفكاره بالترابط المنطقي، والأتساق في تسلسل أفكاره، ويتسم مشروعه بالوحده الفكريه، كما أنه ذو نموذج معرفي أو أعتقادي واحد، يستبطن رؤيه كونيه واحده، تربط كل حلقات تفكيره في سلسله رؤيويه واحده ومتسقه، ومتناغمه، أما الناقل للأفكار أو بالأحرى مستنسخها،فهو لا يعدوا أكثر من حامل لها،من مكان أنشاءها الى مكان أدعاءها، ولكن وبلا شك سوف تفضحه طبيعة ما ينقله من هذه الأفكار، والتي تتسم عادتاً بعدم الترابط، وما يتعريها من التفكك، فتراها باهته، ضبابيه، متناثره، فاقده لكل أتساق، وبالحقيقه هذا ما لمسته شخصياً في بعض كتابات الدكتور عبد الرحمن بدوي . لابأس بما يقوم به البعض من ترجمة أفكار يعتقد بصلاحيتها، وأهميتها لواقع وبيئة الناقل لها، ويتوسم بها مقدار من الواقعيه كبير، تساهم في التغير الأيجابي، ولكن المشكله عند البعض أنه مجرد ينقل لكتاب أخذوا مساحه كبيره من الشهره، فيسقط الناقل في دائرة الأنبهار فينقل أفكاراً لا تزيد الواقع الا تشويشاً وفوضى، وهنا يمكننا أرجاع الكثير من الفوضى الثقافيه والفكريه، وما تحمله من تناقضات مزقت النسيج المجتمعي العراقي، وأثرت سلباً على نسيجه القيمي. هذا النوع من الناقلين (المستنسخين) تراهم يتصفون بالتبعيه، واللهث وراء كل ما هو جديد، من دون التأمل في مخرجاته، وما يصدر من تطبيقات سلبيه غير محسوبه لها . هذا اللون من الفوضى ساهم بشكل كبير في تمزيق هويه فكريه لمجتمع كانت أحد أسباب أستقراره وأنسجامه، فأنتجت شخصيات سايبي الأنتماء، متماهين مع الأخر لحد التلاشي مما ساهموا بصناعة شروخات بالنسيج القيمي والأجتماعي العراقي . هذا النوع من المثقفين الناقلين يدفعهم هاجس الأنبهار من جانب، وهاجس الشهره من الجانب الأخر . أنه التقليد الأعمى الغير مكترث بما ينقل، وهل هو من الغث أم من السمين، فهو كالمستورد لمعلبات الغذاء،الذي يجهل ما تحتويه، وما تحتويه من قيمه غذائيه لعلها تحمل أمراض خطيره لمتناولها.

من الثابت أن المفكر الحقيقي يتميز بالأجتهاد وتعتريه نوبه من القلق قبل أن تفيض قريحته من أفكار عظيمه، في حين ترى الناقل لا يجهد نفسه، فالأول منهك القوى بسبب ما يبذله من جهد تتطلبه عمليات الفكر والتأمل، في حين ترى الأخر تنطبع على أساريره علامات الأسترخاء . المفكر عادتاً يكون صاحب مشروع حضاري،في حين الناقل للفكر لا يشغله هكذا مشروع، فهو مشغول بنفسه عادتاً . كما أن المفكر يمتاز بعمق المضمون، أما الناقل أو المقلد فهو سطحي ولا يكلف نفسه الغوص في أعماق الأفكار . المفكر كما يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري (يحمل رؤيه وهويه وحلم، وأمل)، يهمه الحق وأكتشاف الحقيقه، أما المقلد فلا تهمه الا مصالحه الذاتيه لأنه يدور حول نفسه. فالمفكر يمتلك فكر وطريقة تفكير في حين يكون الناقل أو المقلد عمله تراكمي،فقد يجمع الأفكار، وقد لا يجيد حتى ربطها مع بعضها،فتنتهي عنده مفككة الأوصال ضبابية المعنى .

 

أياد الزهيري

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم