صحيفة المثقف

السينما والسياسة من يخدم من؟

رنا خالدقبل الخوض في موضوعة السينما وعلاقتها في المسارات الثقافية والمجتمعية والانسانية، لا بد من التذكير، بانها، وأعني بها السينما التي بدأت في سنة 1895، هي على خلاف المسرح والاذاعة، والفنون الاخرى، كونها فن حديث مرتبط بظهور الكاميرا والتطور التقني، وكما يقال عن السنيما "انها الخلق والابتكار" مولود أوجده التقدم والتطور العلمي.. نتيجة التلاقح بين العلم والفن وارتبطت بأبحاث علمية مرتكزة بشكل مباشر على علوم متعددة من الفيزياء والكيمياء والرياضيات، فالسينما منذ أن ولدت لم تتوقف عن السير إلى الأمام في تحفيز المفكرين والشعراء والأدباء على خوض غمار الخيال والإبداع.

 ومن هنا وجد السياسيون ان السينما عنصر واداة فعالة وناعمة ومقبولة ومؤثرة في الترويج السياسي.. وقدرتها في التأثير على الوعي الجمعي والتأثير على الجماهير، واول من بدا ذلك النهج عبقري السينما شارلي شابلن ، حيث اعد افلاما عن البؤس في امريكا نكاية مرة ضد الحزب الديمقراطي، ومرة اخرى ضد الحزب الجمهوري ، ويسجل المتابعون لمسيرة السينما وعبقرها شابلن، ان فيلم "الديكتاتور العظيم" لشابلن يمكن اعتباره المحاولة الأولى التي تناولت فيها السينما قضية سياسية ولو بشكل ساخر، فرغم أن الفيلم من إنتاج 1940 حيث كان الزعيم الالماني أدولف هتلر في أوج قوته، وفى الوقت ذاته لم تكن الولايات المتحدة قد اتخذت موقفا معاديا صريحا للنازية ، فإن الفيلم تعرض بالنقد اللاذع والسخرية الشديدة لهتلر ونظامه ما جعله يصدر قرارا بمنع عرض الفيلم نهائيا في ألمانيا. فكان ذلك الامر البداية، في مسلسل تشكيل وعى مبكر بدور السينما ومدى تأثيرها فيما يخص الشأن العام.

ثم زاد تأثير السينما في الاوساط الاجتماعية لاسيما في اثناء الحرب العالمية الاولى والثانية واستمر استغلال السينما لأغراض التبشير في المسارات السياسية وبالخصوص في المعسكر الاشتراكي الذي يمثله الروس والصينيون وغيرهم، حيث تم إنتاج العديد من الأفلام التي تناولت قضايا حقوق الإنسان والقمع السياسي والحريات العامة وحقوق الأقليات، حتى أصبحت السينما مستودعاً للذاكرة السياسية بمناقشتها للعديد من القضايا.

اكيد كلّنا يحب الأفلام السينمائية، فهي تشوّقنا وتحمّسنا وتسلينا أكثر من أي فن آخر، لكن صناعة الأفلام صناعة معقدة يساهم فيها لاعبون مختلفون كُثر. ولكن، أين موقع الملكية الفكرية في الفيلم السينمائي؟

 في البحث العميق، نجد اصداء عديدة، تثبت ان السينما في ظرفها الراهن، لم تعد تهتم بالملكية الثقافية، المتمثلة بالكتاب الكبار، وانصب اهتمامها على حكايات تعتمد على اللامعقول في الحياة من خلال افلام الخفة والحركة والقتال، وغير ذلك من القضايا التي تثير الغريزة وتبتعد عن الفكر والوعي، بالعكس من مرحلة سنوات البدايات، حيث دخلت في المقومات التي تتكون منها الحضارة من أدب وعلوم وشعر وفلسفة واقتصاد وتاريخ وسياسة، بل إنها أصبحت بمثابة تلخيص مرئي لهذه المقومات.

وان السينما بقدر ماهي ابداع من خلال ما شاهدنه من افلامها العملاقة، لكنها ايضا كانت ولا زالت وسيلة للتسقيط السياسي للشعوب والسياسيين، لأنها، اي السينما دعاية ناعمة وقد استثمرها الكثيرون في تشويه صورة البعض والبعض الاخر.. ولم تختلف كل الدول في استغلال السينما لأغراضها مثل السينما الفرنسية التي شوهت نضالات الجزائر وبريطانيا ضد مصر وضد الهند وامريكا ضد كوبا وفيتنام ... وبالنهاية، أجد من الضروري، بيان وجهة نظري الشخصية، حول موضوع العلاقة السياسية بالفنية السينمائية بالقول ان السينما هي (الفن الشامل) الذي تتجه نحوه كل الفنون الأخرى، وسنصل إلى وقت تكون فيه السينما الفن الوحيد القادر على الاستجابة للاحتياجات المجتمعية بكل صنوفها والوانها.

 

رنا خالد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم