صحيفة المثقف

ديمومة نص دوستويفسكي في عالمنا المعاصر

حسين علي خضيركلنا يعلم ان نص دوستويفسكي يستمد جذوره من الواقع الروسي الفريد، الذي له طابع يختلف عن بقية الشعوب، ولكنه في ذات الوقت عابر للحدود، ومن هنا لابد ان اوضح اسباب ديمومة هذا النص الى يومنا هذا: اولاً، ان ابطال دوستويفسكي منغمسين في المعاناة، وهذه المعاناة تصبح غلافهم الخارجي اذا صح التعبير، فمنهم من يكافح من جراء ذلك، ومنهم من يحيط نفسه بالشرنقة، لكي يحمي نفسه من الظروف الطارئة. ثانياً، البعض منهم متمردون على الواقع ويحاولون اثبات ذاتهم بشتى الطرق، فعلى سبيل المثال، كلنا يتذكر جيداً كيف عانى راسكولينكوف بطل رواية " الجريمة والعقاب " من فكرة قتل المرابية، وتردد كثيرا قبل ان يقوم بهذا الامر، وفي اخر المطاف استجابة الى رغبته المنشودة، والهدف من ذلك كما قال الكاتب الروسي فلاديمير نابوكوف: " هو اقدم على جريمة القتل هذه حتى يثبت لنفسه انه انسان غير عادي" . ثالثاً، هم صورة مصغرة للخير والشر، فلو رجعنا الى راسكولينكوف مثلاً، لوجدنا ان هذا البطل رغم الجريمة التي ارتكبها، ولكنه في هذه الرواية سعى جاهدا الى تقديم المساعدة الى الاخرين. رابعاً، وفيهم من يدعو الى محبة كونية، كما يقول الراهب زوشيما في رواية " الاخوة كارمازوف ": " أيها الإخوة، لا تخافوا من خطيئة الناس ، أحبوا الإنسان في خطئيته، لأن هذا اشبه بالحب الإلهي وهو ذروة المحبة على الأرض. أحبوا جميع مخلوقات الله، وكل حبة رمل، وكل ورقة، أحبوا كل شعاع الإلهي. أحبوا الحيوانات ، أحبوا النباتات ، أحبوا كل شيء. وحين تحبون كل شيء ستدركون سر الله في الأشياء. وحالما تدركون محبة الأشياء، فكل يوم سوف تبدؤون بلا كلل ادراك الكثير من الاشياء، وفي النهاية سوف تقعون في حب هذا العالم كله. ". فلو تمعنا في هذا النص نجد ان دوستويفسكي يحلق خارج عالمه الروسي، ويكون نصهُ ذو بعد عالمي، لانه يطلب من البشرية محبة كل شيء في هذا الكون، فهذا التنوع الفريد يجعل من نص دوستويفسكي متغير وغير ثابت وقد تخطى حدود الواقع الروسي، واصبح نصًا عالمياً. ومن هذا المنطلق نجد نص دوستويفسكي فريد من نوعه، لا مثيل له ولا مشابه له في النصوص الادبية الاخرى، التي ابطالها يتقوقعون في داخل ذواتهم، اما ابطال دوستويفسكي صحيح ان اغلبهم مرضى نفسيًا، ولكنهم يعرفون مرضهم جيداً ويعانون من هذا المرض ولكنهم لا يرتضون بالعلاج البطيء بل يسعون الى استئصال هذا المرض او تمرد عليه بطريقة مغايرة، لذلك جميع هذه الأسباب وغيرها هي من ساعدت على ديمومة نص دوستويفسكي في عالمنا هذا.

 

حسين علي خضير

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم