صحيفة المثقف

الجلجلوتية قصيدة من تراثنا السحري

مثنى كاظم صادق في المثل العراقي (صارت جلجلوتية) أو (سواها جلجلوتية علينا) ويساق هذا المثل للتطويل أو الإسهاب في الأشياء، والجلجلوتية قصيدة من تراثنا السحري، حامت حولها شبهات مرعبة ومخيفة، ومن عادة العرب قديماً، وربما حديثاً أيضاً أن تسمي القصائد في أبرز كلمة موجودة في بداية القصيدة، ومن هنا نشير إلى أن هذه القصيدة سميت بهذا الاسم؛ لوجود كلمة (جلجليوت) في بدايات أبياتها ومنها (إلهي لقد أقسمتُ باسمك داعياً / بآج وما هوجٍ جلت فتجلجلت / ويا حي يا قيوم أدعوك راجياً / بآج أيوج جلجليوت هلهلت / بصمصام طمطام ويا خير بازخٍ / بمحراب مهراشٍ به النار أخمدت / بآجٍ أهوجٍ يا إلهي مهوجٌ / ويا جلجوت بالإجابة هلهلت) ففي الموروث الشعبي أن من يريد أن يحكم جنياً، عليه بقراءة هذه القصيدة التي تحتوي على الطلاسم أو أسماء للجن الذين سيحضرون إليه، ويعملون على إخافته بشتى الوسائل، رميه بالحجارة من الخلف وجوه بشعة ضحكات هستيرية، فإن لم يصبه الجنون أو شيء منه، يصاب بعاهة ما، كأن يخرج أعمى أو أعور أو أعرج، أو يخرج سليماً معافى عند إكمال الطقوس، وقد حكم جنياً ما !!! (يا ما شاء الله) أتقول الطقوس؟! ... نعم فهذه القصيدة المزعومة التي يدعي من يدعي، أنها تستحضر الجن وتؤثر عليه وتحكمه، تُقرأ ضمن طقوس تولد الهلوسات والتخيلات الذهنية؛ فيتجسد ما يتخيله الشخص أو ما يتراءى له، وراءه أو أمامه أو جانبه ... والطقوس هو أن تُقرأ هذه القصيدة في مقبرة أو مكان خَرِب مهجور، ويضرب قارئ القصيدة حوله (المِنْدل) والمِنْدل بمصطلح كتب السحر، هو خط الدائرة التي تحيط بالشخص بحجم رسم لعبة (الطَنَّب) في لعبة (الدُعْبُل) وفي داخل هذه الدائرة يجلس ويضع بعض الماء والطعام له، وبعض أنواع البخور المطلوبة مثل الجاوي وأظافر الجن أو العفريت أو يسمى ظفر الطيب (نوع خاص من أطراف الصدف / جمع صدفة أي المحارة) ... ولا يخرج من هذه الدائرة إلا بعد أن يكمل القصيدة ويكررها حتى يحضر الجني المزعوم... إن التهيؤات والتخيلات والهواجس عند الإنسان تكون في أوجها عندما يكون وحيداً، فكيف إذا كان وحيداً في مقبرة أو خرابة في الليل!! إن العقل الباطني يبدأ ينضح بالصور المريبة والأصوات الموحشة ويفرز العقل الباطني هذه الهواجس ويجسدها بل أن الإذن تبدأ بسماع هذه الأصوات، وقد يتحدث معها وتتحدث معه، ومن هنا نشير إلى أن أشد أنواع التعذيب هو السجن الانفرادي الذي لو طال لفقد السجين السيطرة على عقله وتوازنه وبالنتيجة فقدان عقله تماماً ويبدأ بالتحدث مع نفسه أو مع آخر لا نشاهده طبعاً... إن تجسيد الصور ذهنياً يمر بنا كثيراً، هل جربتم أن رأيتم وجهاً ما في الظلام تكونه الملابس المعلقة مثلاً أو تخيلتم مثلاً كائنا ما وراءكم في الحمام... يمر الأطفال أحياناً بهذه التجارب؛ لأنهم خياليون بطبعهم، حتى أن الطفل يوقظ أمه أو أباه؛ كيما يرافقوه لشرب الماء أو الحمام.. سيداتي سادتي .. إن عقل الإنسان الجبار هو مجرة كونية واسعة تدور في شتى أنواع الصور والتخيلات والهواجس ... وما علينا سوى أن نعيش بعقل متوازن مع النفس والواقع في هذه المجرة... ودمتم.

 

د. مثنى كاظم صادق

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم