صحيفة المثقف

"لا استطيع ان اتنفس" شعار ضد التمييز العنصري

عبد الخالق الفلاحرغم التقدم الفكري والتقني استمرت معاناة السود في الولايات المتحدة الامريكية رغم مشاركتهم في الحروب خادمين اراضيها بكل تفان وإخلاص، وحتى في زمن الهجرة العظمى إلى بلاد العم السام لم يسلم 'الملونون‛ من التفرقة.وتظاهرات التمييز العنصري عقب انتشار واسع النطاق لفيديو يظهر شرطيا، راكعاً فوق رقبة جورج فلويد (46 عاماً) الملون، محاولاً تثبيته بشكل مقزز وغير انساني وبعيداً عن الجريمة التي حاولت الشرطة القاء القبض عليه بسببها، فيما كان الرجل يردّد "لا أستطيع أن أتنفس، أرجوك لا تقتلني وعمت فوضى عارمة في العالمين الواقعي والافتراضي، حيث تزعم المشاهير، على رأسهم لاعب كرة السلة ليبرون جايمس، حملات وهاشتاغات إعلامية لمنع تغلغل العنف في صفوف 'حماة الأمة‛ والدفاع عن المجتمع الافرو-أمريكي تحت شعار 'لا استطيع التنفس‛ وهي آخر كلمات اطلقها جورج فلويد قبل موته مخنوقا بركبة الحرس".وهذه الجريمة البشعة التي وثّقها أحد المارة بكاميرا هاتفه المحمول أعادت فتح ملف الاضطهاد الذي يتعرض له المواطنون السود على أيدي الشرطة، وبعض مؤسسات الدولة، رغم مرور عام أو أكثر على إلغاء قوانين التمييز العنصري، فالفوارِق ما زالت موجودة".ومن الامور المثيرة ان حالة التمييز العنصري التي تضرب الولايات المتحدة تتضاعف في زمن حكومة دونالد ترامب في وقت انتشار وباء كورونا المستجد واستشرائه في هذا البلد مما اظهر وبين عمق الفجوة التي تفصل بين طبقات المجتمع الأمريكي والمتأصلة تاريخيا  فيها والفجوة العرقية التي تقوم بدور كبير فيما يتعلق بإجراء فحوص لاكتشاف الفيروس ومعالجته إضافة إلى توزيع الدواء ونقص المعدات والطواقم الطبية في هذه المجتمعات وكل ذلك أدى إلى تداعيات كارثية للمرض.كما اتضحت مظاهر التمييز العنصري والذي يعتبر أحد الأسباب وراء ارتفاع عدد الوفيات والإصابات جراء الفيروس بين الأمريكيين المتحدرين من أصول أفريقية وانتشاره على نحو متسارع بينهم وهي سمة غير اخلاقية رغم انها كانت قد وجدت منذ الحقبة الاستعمارية لها، فقد أُعطي الأمريكيّون البيض امتيازاتاً وحقوقاً انحصرت بهم فقط دوناً عن كلّ الأعراق الأخرى، مُنح الأمريكيون الأوروبيّون (خاصّة البروتستانت الأنجلوسكسونيون البيض الأغنياء) امتيازاتاً حصريّة في مسائل التّعليم والهجرة وحقوق التّصويت والمواطنة وحيازة الأراضي والإجراءات الجنائيّة طوال التّاريخ الأمريكي، ومع ذلك، فكثيراً ما عانى المهاجرون من البروتستانت الذين هاجروا من أوروبا، وخاصة الأيرلنديين والبولنديين والإيطاليّين، من حالة إقصاء الأجانب وغيرها من أشكال التمييز في المجتمع الأمريكي وذلك حتّى أواخر القرنِ التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. بالإضافةِ إلى ذلك، واجهت مجموعات أميركيّة من الشرق الأوسط مثل اليهود والعرب تمييزًا مستمرّاً في الولايات المتحدة، ونتيجةً لذلك، لم يتمّ التعريف ببعض الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه المجموعات على أنّهم من أصحابِ البشرة البيضاء. كذلك واجه المهاجرون من جنوب وشرق وجنوب شرق آسيا التمييز العنصريّ في الولايات المتّحدة

يستند التمييز العنصري  في كثير من الأحوال إلى فروق جسمانية بين المجموعات المختلفة، ولكن قد يتم التمييز عنصريا ضد أي شخص على أسس إثنية أو ثقافية، دون أن يكون لديه صفات جسمانية والتمييز العنصري هو التعبير غير القانوني للعنصرية. فهو يتضمن أي عمل سواء كان بقصد أو بغيره والذي ينتج عن إستبعاد أشخاص على أساس العنصر وفرض أعباء عليهم وليس على غيرهم  أو حجب أو تحديد حصولهم على الإمتيازات المتاحة لبقية أفراد المجتمع، في مجالات يغطيها القانون . العنصر هو عامل واحد إذا ما وجد  في وضع  يمارس فيه التمييز العنصري. كما قد تتخذ العنصرية شكلاً أكثر تعقيداً من خلال العنصرية الخفية التي تظهر بصورة غير واعية لدى الأشخاص الذين يعلنون التزامهم بقيم التسامح والمساواة تدل على أنها معاملة شخص ما أو مجموعة من الأشخاص بطريقة مختلفة وغير عادلة بسببب نسبه أو دينه أو لون بشرته، فعلى سبيل المثال إذا تقدم شخصان لطلب نفس الوظيفة واحد أبيض البشرة والآخر أسود وكانا يمتلكان نفس المؤهلات، فمن الممكن أن يتم اختيار الشخص الأبيض لتفضيل الشركة أو الرئيس التعامل مع الأشخاص المنحدرين من البيض، ففي هذه الحالة يمكن معرفة ما هو التمييز العنصري بشكل واضح، ويمكن أن يمارس هذا التمييز عن طريق ردة فعل غير مقصودة، إلا أنها في كثير من الأحيان تكون عن وعي وقصد، بغض النظر عما إذا كانت ردة الفعل هذه مقصودة أم لا فإنه من المهم معرفة هذا التمييز وفهم كيفية حدوثه لأجل مكافحته بالطريقة الصحيحة، فلقد تم ممارسة هذا التمييز منذ قرون عديدة، إذ يؤثر بشكلٍ سلبي على حياة الكثير من الناس والفئات المختلفة، كما يمكن أن يؤثر بشكلٍ كبيرٍ على بناء المجتمع ويؤدي إلى البغضاء وعدم التفاهم بين الشعوب المختلفة.

 

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم