صحيفة المثقف

الشعر براعة في اللغة وفلسفة في المعنى في قصائد الشاعرة لبنى شرارة بزي

قاسم ماضيتفتش في ثنايا مفرداتها حتى يخرج فكرها من المنغلق، منطلقة من فلسفة التصادم جزرا ومدا، هذا القلق المحّير هو الذي قادها إلى هكذا قصائد. حتى ترفع الكتابة الشعرية في مجمل قصائدها إلى مستوى فكري يتحسسه الآخر

" ام انك الفت طعم الاحزان ! "

كي ترسم قصائدها على الورق الأبيض منطلقة من قراءات معمقة كأنها تريد أن تقول للقارئ أن لغة الشعر هي ليست لغة تقريرية وبهذا تجدها منسجمة مع من سبقوها من المبدعين في هذا الإطار الشعري .

يقال " القراءة هي خميرة الكتابة "

وأي قراءة تقصد " بزي " في زمن الهلوسة والضياع الذي تبناه معظم الفارين من صعلكة المفردة والدخول في عواملها التي تأجج المعذبين والمقهورين والمظلومين  .

ولهذا اصّرت على التقاط صورها الشعرية التي انطلقت منها لتقول للجميع " حين يكون الشعر الهاجس الكياني الأول عند الشاعر، وحين يكون قاعدة النظر، والضوء الذي ينيره في مقاربته الأشياء والعالم .

في قصيدة " عيد في زمن كورونا "

عن أعين النهار قصيا

ها انت تدقُ أبوابنا بإصرار.

حين يتحول الشعر إلى ما يشبه التحفيز والغوص في مديات اللحظات التي نعيشها، ويغمرُ حياة الناس بالبراءة والطهر، القصائد اليومية تنعش الذاكرة ونسيجها الحياتي لهذا كرست يومياتها على شكل فهرست مبرمج وفق تراتيل الروح التي تسكن فيها عذابات الآخرين.

" وعلى قاب قوسين أو أدنى

تصطبغُ السماء بألوانها القاتمة

دونت هذا الباعث الروحي وبصوتها المسموع وهي تتطلع من عمق خفي أي كأنه يطلع من غربة بطول الليالي التي قضتها في استعار هذا الحزن الكامن في صدرها المرتبط جوهريا بروحها العالية.

" كأنما تنذر بإعصار وفناء ..

حائرة هي النفوس لا تدري

أي أرض تواري خوفها

فذرات الوباء

يقول ادونيس " وفي هذا ما يوضح الفرق بين أفق المعرفة الشعرية، وافق المعرفة الدينية والفلسفية، فهذه ترى أن المعنى يجب أن يُعَبر عنه باللفظ الدال على الحقيقة، وفي هذا نُدركُ كيف أن اللغة العربية في بنيتها المجازية، أي في بنيتها الشعرية، أي المجازية، فيكون على العكس منفتحا بلا نهاية لأنه احتمال ويكون بحثا واكتشافا دائمين .

" لملم أنات الثكالى ودموع الحزانى

واجمعها

وحين تنوي الرحيل

ضع عليها عنوان " الوطن القضية "

وهي راكزة ضمن سياق مشروعها الشعري الذي تؤسس له، عبر قراءات مختلفة تُنشئ منها تفاعلا لأفكارها التي عملت عليها من خلال تجربتها الشعرية. وهنا اذكرها بمقولة " الجرجاني .

" الشكل   في الشعر كاللفظ لا يراد لنفسه وانا يراد ليجعل دليلا على المعنى أو التجربة، بمصطلحنا الراهن . فإذا انعدمت التجربة سقط الشكل وفقد مسوغه الشعري مهما كانت " تقنية "

القصيدة مرآة روح الشاعر وفلسفته اليومية المعمقة وهي نتاج لوعي مكتسب ومدروس من قبله، ولهذا عج التاريخ بأسماء مهمة لا تزال حاضرة في ذهنية القارئ، عسى أن تتوج شاعرة من شاعرات الاغتراب في حياتنا الحالية بالحضور اليومي وتكون قريبة إلى روح القارئ العربي . والذي يذهب بعيدا بعد التمعن لهكذا قصائد يجد أنها تخوض تجربة شعرية اخذت على عاتقها مفهوم الشعر الذي لا يتطابق مع الأفكار اليقظة الشغوفة بالمجهول والمنفتحة أساسا على الصيرورة وهذا ما تؤكده الفلسفة الشعرية التي عاشتها الكاتبة " بزي " نتيجة البحث والقراءات المكثفة والعميقة التي اتخذتها منذ انطلاقتها الأولى. وكما يقال.

" فليس   هناك من شعر إلا حيث يكون ثمة خلق وإبداع مطلق . وحتى يكون الشعر في أروقة المرأة ومنهن " بزي " التي تخلق الدهشة في عالمها الذي شكل لها انزياح ومغايرة انطلاقا من الشعر فهو الجمال بعينه

يلف الأرض بحمى الجاهلية

ناشرا بينها شرور الهمجية

منطلقة " بزي " من محاولة اكتشاف جمالية القصيدة وعبقريتها الخاصة من خلال التكثيف الصوري المرسوم في ثنايا روحها المشبعة من خلال موقفها من تراثها الديني، وهل يمكن أن يعيش شاعر في عصره ويعبر في الوقت نفسه عن عصر آخر !1

وهل فرشت باحة الأقصى الأسير فجرا عاطرا

سجادة للمصلين ؟

تنقل أيها الزائر ما شئت في بلادنا العربية

وهذا التدرج الفكري الذي اتبعته شاعرتنا وهي تعاني الأمرين في وقتنا الحالي، حتى تقيم لنفسها فلسفة جديدة ترتكز على الذات، وكما يطلق عليها من بعض النقاد هي فلسفة "الباطن " .

وهي على الأقل لها مشروع بعد إصدارها ديوانين شعريين وضعت كل شاردة وواردة في الصفحات البيض لتقول لنا لي رؤيا خاصة بي.

وهي محاولة كشف لاتحدد آفاقها ولا تنتهي أبعادها .حيث حاجة الشاعر المعاصر إلى بدائل آخرى تلغي التناسب بين الأشياء على أساس الإيضاح المعلقن بإقامة فجوة بين اللغة والأشياء .

أم أنك ألفت طعم الأحزان مثلنا

واخترتَ ركنا ً

وهي بالتالي تعمل ومن خلال قصائدها على بث روح التفاؤل والإيجابية والأمل لدى متابعيها لمساعدتهم على تجاوز ما يمر به العالم من أزمات ومشكلات .ويبدو أنها توقفت كثيرا عند عدد كبير من الشعراء المعاصرين أو غيرهم لتنطلق من مقولة الشاعر الكبير وهذا حسب قراءتي لما تكتبه من مخيالها الشعري التي  أرادت منه أن يكون مصباحا في دروب الظلام .يقول الشاعر العربي التونسي "ابوالقاسم الشابي " قد انتهى بي البحث في الأدب العربي وتتبع روحه في أهم نواحيه إلى فكرة شائعة فيه شيوع النور في الفضاء لا يشذ عنها قسم من أقسامه ولا ناحية من نواحيه "

وهذا ظل يلاصقُ قصيدةَ الشاعرة "بزي " عبر نظرة موضوعية معمقة ومثقفة في قضاياها التي شكلت لها طودا في عنقها حتى تغني تراثها عبر اشكال التعبير التي هي استخدمتها في مجمل قصائدها التنويرية الهادفة محاولة بذلك إيصال لغتها وبناء قصيدتها إلى الآخر.

 

قاسم ماضي  -  ديترويت

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم