صحيفة المثقف

ميرشكوفسكي – من تولستوي و دستويفسكي الى موسوليني وهتلر

ضياء نافعولد ميرشكوفسكي في الامبراطورية الروسية عام 1865 وتوفي في باريس عام 1941، وهو كاتب روسي وشاعر وفيلسوف ومؤرخ ومترجم  (انظر مقالتنا بعنوان – الاديب والفيلسوف الروسي ميرشكوفسكي) . رفض ميرشكوفسكي ثورة اكتوبر 1917 بشكل قاطع، وهاجر من روسيا الى الغرب احتجاجا ضد (البلشفية)، وقد اوصله هذا الاحتجاج الى التعاون الوثيق مع اعداء مفاهيم تلك الثورة في البلدان الغربية التي هاجر اليها، وبالذات مع موسوليني في ايطاليا وهتلر في المانيا، دون ان يميّز او يستوعب الفرق بين مفهومين كبيرين متضادين واقعيا فيما بينهما، وهو، ان العداء لنظام معيّن سائد في بلاده و العداء للبلاد نفسها ككل - هما موقفان مختلفان تماما وجذريا ولا يمكن الجمع بينهما، فالاستعانة باعداء البلاد ضد نظام سائد في تلك البلاد – لعبة خطرة جدا، اذ لا يمكن لعدو البلاد ان يتحول الى منقذ لتلك البلاد باي حال من الاحوال، وهذا موضوع عالمي وحساس مرّت به كثير من حركات المعارضة السياسية هنا وهناك ولازال يتكرر مع الاسف ولحد الان في عالمنا، ومقالتنا هذه تتناول موقف الكاتب والفيلسوف الروسي ميرشكوفسكي هذا، والذي أدّى به – في نهاية المطاف - الى ان يعلن في راديو باريس (عند احتلال فرنسا من قبل الفاشست الالمان)، ان نشاط وأفعال هتلر شبيه باعمال وتضحيات جان دارك  في تاريخ فرنسا، وكل هذه المواقف السياسية المتطرفة والخاطئة لميرشكوفسكي كان يبررها هذا الفيلسوف الروسي بالعداء للبلشفية في بلاده روسيا  .

مقدمة هذه المقالة – واقعيا – هي خلاصتها وخاتمتها، وقد تعمّدت ان اضعها في المقدمة لاهميتها وارتباطها مع واقعنا الاليم، ونتحدث الان عن مسيرة هذا الكاتب والفيلسوف الروسي، وكيف انحدر في نهاية حياته الى هذا الموقف .

 كان شعار ميرشكوفسكي (عندما هاجر من روسيا السوفيتية) يتمحور في العداء لثورة اكتوبر 1917 وقيادتها، وكان نشاطه يتمركز  في كيفية ان يساهم في تحقيق اي وسيلة ممكنة من اجل القضاء عليها وتدميرها، وهو موقف سياسي وفكري واضح المعالم، ويمكن لكل شخص ان يتخذه في مسيرة حياته، وخصوصا بالنسبة لاديب وفيلسوف مثله، ولكن المشكلة تكمن في الوسائل التي يتخذها هذا الشخص من اجل تحقيق اهدافه تلك، وقد اقتنع هذا الاديب بفكرة تقول، ان الغرب يجب ان يساهم في عملية تحقيق هذا الهدف، وذلك لان القضاء على البلشفية هو جوهر الحضارة الغربية، وقد كتب ميرشكوفسكي مرة تلخيصا لافكاره تلك وكما يأتي – (..المسألة الروسية هي قضية دولية، وان انقاذ روسيا من البلشفية هي المهمة الاساسية والرئيسية، وفي ذلك بالذات يكمن جوهر الحضارة الغربية ..) .

كان ميرشكوفسكي اسما بارزا بين المثقفين المهاجرين الروس في الغرب لدرجة انه تمّ ترشيحه لجائزة نوبل عدة مرات، وكان مشهورا في الاوساط الفكرية الغربية، ونتيجة لهذه الشهرة، فقد دعاه موسوليني الى روما كي يكلفه بتأليف كتاب عن دانتي، وسافر ميرشكوفسكي طبعا الى روما تلبية لدعوة رأس النظام الايطالي في حينها، واستطاع الدكتاتور الايطالي (وهو في خضم مشاغله الهائلة) ان يجد الوقت الكافي كي يلتقيا معا، والتقيا حتى عدة مرات، وتحدّثا عن السياسة و الفن والادب، ومن الطبيعي ان يتطرّق ميرشكوفسكي في تلك اللقاءآت الى الحديث مع موسوليني عن (عدوه اللدود!)، اي البلشفية في روسيا، وحاول اقناع موسوليني بضرورة (الحرب المقدّسة !!!) ضد روسيا السوفيتية، انطلاقا من مفهومه الفلسفي في تعارض البلشفية مع الحضارة الغربية، وقد كانت هذه الافكار قريبة ومنسجمة تماما مع محور موسوليني وهتلر، ومع هدف الفاشية طبعا.

كتب ميرشكوفسكي بعد تلك اللقاءآت في روما عن موسوليني ما معناه، ان دانتي هو موسوليني، وان موسوليني هو دانتي، وقد علّق أحد القراء الروس على هذه الكلمات قائلا، انه لا يكاد يصدّق عينيه عندما قرأ تلك الكلمات الساذجة للفيلسوف الذي أعطى للمكتبة الروسية مصدرا خالدا في بداية القرن العشرين عنوانه – دستويفسكي وتولستوي، هذا الكتاب الذي لازال يعدّ واحد من  المراجع الروسية المهمة حول اهمية هذين المفكرين الكبيرين في تاريخ الفكر الروسي، ويختتم هذا القارئ الروسي تعليقه بالقول، انه مقتنع تماما، ان ميرشكوفسكي قد اصيب بمرض العمى السياسي، وان هذا المرض هو الذي جعله يصل الى هذه المواقف الفكرية المريضة ...

 

أ.د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم