صحيفة المثقف

التحذير من حكومة التخدير

علي المرهجأشهد أنني وجدت في الكاظمي ذكاءاً يُحسب له في اللعب على أوتار التحدي في كل صراع الأثنيات، ليُشكل وزارة توافقية بإمتياز، يُهدئ بها أطراف الصراع الأثني الداخلي بدرجات ويسترضي بها الأحزاب، بل وينال قبول إيران من دون أن يمس لها طرفاً من أطرافها المساندة والمؤيدة لها من ميلييات وأحزاب، ومن دون أن يُاكس أمريكا، فهو فرد لا حزب له تمكن من العزف على أوتار الجميع بما يجعله الأكثر كسباً لمعركة الصراع، فهو "مايسترو" السمفونية العراقية، وهذا ليس مدحاً له ولا قدحاً، ولكنني أحسب أن كلا طرفي الصراع: أطراف الممانعة وأطراف الموافقة ارتضوا أن يكون الكاظمي "مايسترو" هذه المرحلة من تاريخ العراق السياسي، لا لميزة فيه سوى توافق أطراف الصراع على القبول به كطرف مقبول من قوى التضاد مع الممانعة التي أثبتت أنها الأقوى.

ما يُحسب للكاظمي أنه أجاد لعبة مسك العصا من المنتصف واللعب بها، بل والتلويح بها في أن سقوطها يعني انتصار طرف وخسران طرف آخر.

تمكن الكاظمي في تكوين وزارته من كسب كل أطراف الصراع الأثني الداخلي، بل وأطراف الصراع الخارجي.

ربما من محاسن المكاسب للكاظمي أن يجد أن كلا أطراف الصراع (الأمريكي) ـ (الإيراني) يتفقان عليه ويجدان في وزارته إمكانية إيجاد حل لمشكل الصراع في العراق وارتباطاته في سوريا واليمن.

في تشكيل وزرارة الكاظمي ـ كما أحسب ـ ترضية لأطراف الصراع الأثني والعرقي داخلياً، بل وترضية لإيران، ولكن في إختياره لمستشاريه وحاشيته التي يستقي منها المشورة إنما هو إختيار بذكاء لمن هُم مُقربون للغرب والتيار الأنكلو سكسوني، بل والأقرب لروحية الجماهير المنتفضة، ولربما يُحسب في قولي هذا اعتقادي بقبول فكرة التناغم بين المتأمريكين والمُنتفضين، ولكن ذلك بعيد بقدر بعد الشهداء عن المساومة في الوطنية.

فمثلما تلاقت المصالح عند أغلبية العراقيين في قبولهم لإسقاط نظام صدام حسين (الديكتاتوري)، أظن المصالح تلاقت بين متطلبات الجماهير المُنتفضة وما يدعو له بعض المستفيدين من سياسة أمريكا الهوجاء.

ما خدم المتأمريكين الذين كانوا عاملاً مساعداً في تشويه مطالب المنتفضين، هو ذاته ما خدم المتأسلمين الذين جاءوا على ظهر الدبابة الأمريكية ليكونوا قادة في (عراق ما بعد صدام) لينطبق عليهم المثل المصري القائل: "لا تعيرني ولا أعيرك، الهم طايلني وطايلك".

أقول لكم مستشهداً بالمثل العراقي القائل "لا تترجه من بارح مطر"، رغم ما في حكومة الكاظمي من كفاءات، لأن الحكومة حكومة توازن أثني ومذهبي وطائفي وعرقي.

إذن ماذا نرتجي من هكذا حكومة؟ الجواب أننا نرتجي منها بفضل وجود بعض أو كثير من الكفاءات فيها هو جلدهم وصبرهم أمام ضغوط الأحزاب التي جاءت بهم، أو رضيت بوجودهم على مضض، وهذا الأمر وإن كان صعباً في ظل التحديات التي نعرفها، ولكنه ليس بالمستحيل.

في أحسن التوقعات نقول أن هذه الحكومة لم تخرج بهذه الصورة المقبولة لولا سعي رئيس الوزراء لقبول التوازنات الأثنية واسعيه لتمرير وزارته من دون تجريح لأرواح الشهداء المنتفضين.

هذا أمر صعب، ولكن رئيس الوزراء عمل عليه، لكي لا تخرج وزارته بصورة يظهر فيها بعض توجه لقبول وزير طائفي أو أثني لولا تحدي أطراف الصراع له.

أقول أنه نجاح لقبول أن يكون الأميز في في العتبة الأولى ليضع قدمه على سُلّم الخدمة الوطنية.

لاأدعو أهالي الشهداء لليأس، بل للأمل في أن يكون سُلَم الشهادة طريق حياة أناروه للحالمين من بعدهم بغد أفضل.

لا أختلف معكم أنها حكومة تخدير، لذا ينبغي التحذير، وأظن أن الكاظمي إن كان جاداً في بناء حكومة إصلاح سيقبل بستمرار وجود الشباب المنتفض ليكون صمام أمان لحكومته، كي يُجيد التفاوض مع الطائفيين والعرقيين.

 

ا. د. علي المرهج

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم