صحيفة المثقف

إلى المثقف من 6/6/2006 لغاية  مشرق الروح

صالح الطائيلم يشط ولم يكذب من تحدث عن الحب من أول نظرة، فأجمل العشق هو عشق أول نظرة، وأطيب أيام العمر هي تذكار النظرة..

فأنا منذ أول دفقة حبٍ شعرتُ بقلبي ينبضها؛ وهو يربط أواشج العمر بصحيفة المثقف بعد أيام من ولادتها، ولغاية هذه اللحظة؛ التي أؤمن أنها ستمتد معي إلى آخر شهقة في العمر، وربما إلى ما بعد العمر وظلام القبر، لا زلت أشعر أن الوجود في واحتها ينجي من هلاك الصحارى وغدر المفازات، فلا موت عطشا في وفرة شلالات الإدراك والوعي..

هي اللقاء الأجمل الذي أحيى في روحي مواتها القديم وفرحها الهضيم، لقاءٌ يتجددُ بنفس النكهة ونفس الرهبة ونفس الشوق.. فأنا لا زلت إلى الآن حينما أقف أمامها متهيئا للولوج إلى فناء سحرها؛ أتحسس نبض قلبي المتسارع وصوته المسموع، وأشعر وكأني ذاك المراهق الذي وقف في مواجهة حبيبته لأول مرة، ينتظر لحظة الهرب خوفا من الآتي..

منذ أول نداء وردِّهِ، شعرتُ أن ما سيربطني بهذا السناء البهي مصيرٌ كعرس النصارى لا انفصام له.. وكان فعلا كما ظننت.

هي ليست مبالغة ولا كسب ودٍ ولا مجاملة، هي الحق فيما أقول، فلا تُكذِّب قائله، وسل السائلة والواثلة وثاء الثكيل إذا هدهدتها النائلة، فليس من السهل نحر عقد ونصف من العمر بلا طائلة، هي صعقة نازلة، زلزلت أرجاؤها المقابلة، وتسامر الأصحاب وقت القائلة، يا لشوقي لتلك المقابلة! يوم كنا نبوح بودق العمر سيلا عرما ولا نخشى المقصلة..

هي ليست رغبة في الكتابة، فقد مللت كثرة ما أكتب، ولكنها بركانٌ ينفث ما في الروح من شجن، وفي العين من وسن، وفي القلب من وهن، وفي العمر من محن، ليترجم ما يعجز العلماء والحكماء عن ترجمته، يترجم فيض مشاعر لا حدود لها، لا لبدايتها ولا لنهايتها، ولا لحدودها، فصحيفة المثقف:

هي واحتنا التي كنا ولا زلنا وسنبقى نفيء إليها كلما ضغط على عقولنا العطش فننهل من شطآنها شهدا، وقطاف نور، وجني عِبرْ، بحارا من النور، وفيض مطر إذا ما أنهمر، لجين ولؤلؤ وزهر ..

هي بيتنا الذي كنا نأوي إليه كلما هاجنا الوجع وشعرنا بالخوف من غربة الزمان والمكان والناس..

هي حديقتنا التي ندخلها إذا شعرت نفوسنا بالضيق نلتمس في أرجائها عبق الحرية الخالدة ..

هي فأسنا التي كنا ولا زلنا نكسر بها أصنام الجهل ونصد بها هجمات التغول وثقافة القطيعة..

هي خزنتنا التي نمد لها أيدينا كلما شعرنا بحاجة مهما كبرت..

هي مرابع شبابنا وخزين ذكرياتنا ومجمع أهلنا وأصدقائنا وإخوتنا..

هي تاريخنا الذي كتبناه بدم أقلامنا عبر آلاف المقالات مدافا بدم قلوبنا وعصارة فكرنا فأنبتت جبالا من الوعي..

هي الاستراحة التي أزورها يوميا لا لأبحث عن أحد مقالاتي الكثيرة، بل لأرى الوجوه، وجوه إخوتي وأصدقائي القدماء فأطمئن عليهم واحدا واحدا، فأشعر أن الدنيا لا زالت بخير، ما دامت أقلامهم لا زالت عامرة بالحبر، تضوغ بالغمر، وعقولهم عامرة بالحكمة، جادة أو متهكمة..

هي أحلى أيام الوعي، ولا أحلى منها سوى أن أقبل جبين جميع من فيها، لكي أشعر أني لا زلت على قيد الحقيقة.

 

صالح الطائي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم