صحيفة المثقف

العراق بعد الحوار الإستراتيجي مع أمريكا

عبد الجبار الجبوريلم يتبقْ سوى يومين، على بدء الحوار الإستراتيجي، بين العراق وأمريكا، وقد أعدّ الطرفان، لهذا المؤتمر، شخصيات مهنية عالية الخبرة والكفاءة، في جميع المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، حيث سيرأس وفد الجانب الأمريكي، وزير الخارجية ماك بومبيو، فيما سيكون مصطفى الكاظمي رئيس الوفد العراقي المفاوض، إبتداء نقول، أن المباحثات غير متكافئة، من المكانة الدولية لأمريكا، بوصفها ألقطب الأوحد في العالم، فيما يصنّف العراق، كأول دولة فاشلة في العالم، تقودها الميليشيات، وتحتلها إيران، عسكرياً وإقتصادياً وأمنياً، ومع هذا سنحاول أن نعيد ترتيب بوصلة العراق، في مرحلة مابعد الحوار الاستراتيجي، مع الادارة الامريكية، إذ سيكون هذا المؤتمر، حداً فاصلاً في تأريخ العراق، فإما أن يعود الى حاضنته العربية، ويمارس دوره التأريخي المعروف، من خلال موقعه الإستراتيجي، وثقله العربي، عبر العصور، أو أن يلتحّق بإيران حاله حال الأحواز العربية، وهذا ما تحذّرمنه الإدارة الامريكية، وتخشى منه، ليس لسواد عيون العراق، وإنما لأن مشروعها في إقامة الشرق الأوسط الكبير، سيفشل وينتهي الى الأبد في المنطقة، والذي دفعت من أجله الاف الضحايا وترليونات الدولارات، إذن لا طريق أمام أمريكا وبريطانيا إلاّ إنجاح المؤتمر، ووضع العراق أمام خيارات شبه مستحيلة، وهذه الخيارات أمّا مع أمريكا وبريطانيا ودول الخليج العربي ومصر والاردن، وإما في حضن إيران، وحتى إسرائيل تعمل وتضغط وتخطّط وتدعم، هذا التوجّه الامريكي والاوروبي، وتصرّ على إخراج العراق من قبضة وبراثن إيران وميليشياتها، فإلادارة الامريكية، ستطرح خيارات صعبة، أمام الوفد، منها حلّ الميليشيات (وليس الحشد الشعبي)، وتسليم سلاحها للدولة، وحصر السلاح بيدها، وإنهاء التدخل الايراني السياسي والعسكري في شؤون العراق، ونفوذه الواضح، وهيكّلة الحشد الشعبي ودمج عناصره في الجيش والاجهزة الامنية وغيرها، كرّدِ جميلٍ على دوره في التصدي لتنظيم داعش ومحاربته، وتقديم شهداء في معارك كثيرة، مع الجيش والشرطة، وتحرير مدن معها، وبدعم التحالف الدولي الذي تقوده امريكا، فيما سيكون الملف الاقتصادي حاضراً وبقوة، لتشديد الخناق والحصارعلى ايران، ومنع العراق من إستيراد أي شيء منها، تطبيقاً للحصار التأريخي، بعد أن خيرّت إدارة الرئيس ترمب إيران بين خيارين، أحلاهما مرّ، وهو إما القبول بالشروط الامريكية (ال 12)، وبدء حوار إستراتيجي معها، على غرار الحوار مع العراق، وإما الإنهيار الكامل للاقتصاد، وهكذا ايضا سيكون الحوار مع العراق، أما التخلّي عن العراق عسكرياً وأمنياً واقتصادياً وسياسياً، ووضعه في خانة إيران، كدولة مارقة تدعم الإرهاب في المنطقة، وإعادته الى الفصل السابع، وتجمّيد أمواله ومنع التعامل معه دوليا، والإنسحاب من محاربة تنظيم داعش الإرهابي في العراق، وترك العراق يلْقى مصيره مع داعش، الذي عاد بعمليات عسكرية نوعية تقلق وتهدّد حكومة الكاظمي، في محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك، وأخذ يهدّد المدن بالعودة للسيطرة عليها، خيارات صعبة ومستحيلة أمام العراق، فيما تعدُّها الإدارة الامريكية الفرصة الأخيرة للعراق ولها، في التخلّص من النفوذ، والهيمنة الايرانية في المنطقة كلها، خاصة بعد إصرارالأحزاب والميليشيات التابعة لإيران على إنهاء التواجد الاجنبي في العراق، وفي مقدمته التواجد الامريكي الكثيف في العراق، قواعد عسكرية منتشرة في عموم العراق، وأكبر سفارة، الحوار الإستراتيجي هو فاصلةٌ بين عصرين، العصر الامريكي، والعصر الايراني، فالعراقُ بعد المؤتمر، لن يكون إيرانياً، كما يتوّهم البعّض، والتي تعمل إيران جاهدة على إفشال المؤتمر، أو فرض شروطها من خلال الوفد العراقي، لذلك جاءت زيارة قاآني رئيس الحرس الثوري وخليفة قاسم سليماني، لتسلّم الكاظمي الشروط والمطالب الإيرانية، في مواجهة الشروط الامريكية، إذن الحوار الإستراتيجي، هو في الحقيقة، حوار بين أمريكا وإيران، لأن كلّا منهما يريد فرض شروطه على الآخر، فيما سيكون الوفد العراق متفرّجاً فقط في المؤتمر، أو كالأطرش بالزفة، هذه هي الحقيقة، التي لايريد أن يذكرها الكاظمي، فيما يذهب البعض الآخر، الى أن دور الكاظمي، سيكون محورّياً، وتوفيقياً، بين الطرفين، لأنه يحظى بقبول الطرفين، وهو عامل مساعد ومفاوض لتقريب وجهات النظر، أو الوسيط بينهما، بكلّ الأحوال، الإدارة الامريكية ستفرض شروطها، وستكون واضحة مع الوفد العراقي، وقد إستندت الى دعم لامحدود من بريطانيا، والدول الاوربية واسرائيل والدول العربية كلها، في تطبيق شروط لايتصوّرها الجانب العراقي وإيران، والتي من نتائجها، أن لاتقوم للعراق قائمة، إذا إختار الخندق الايراني، إذ لاخيار له في ان يبقى حيادياً، أو وسطياً بينهما، وهنا تظهر قوة وحنكة الكاظمي وذكاءه، وتقدير خطورة بقاء العراق تحت النفوذ والسيطرة الايرانية، إذْ لاحلول وسطى أمامه وأمام طهران، لاسيما وإن أسماء المفاوضين معه، تمتلك رؤية أمريكية تساعده على إتخاذ قرارات مصيرية، تخرج العراق من مأزقه التاريخي، وتخلصه من الإحتلال الإيراني، لذلك نرى أن التفاوض أمريكي – أمريكي، لأن جميع المفاوضين بمن فيهم الكاظمي، يحملون جنسيات أمريكية وبريطانية، ولايوجد من يحمل الجنسية الايرانية، أو من قادة وصقور الأحزاب، ونظرة سريعة، الى ما نعتقده من أجواء إيجابية، تستبّق موعد الحوار الإستراتيجي، هو قلّة التهديدّات والتصريحات، التي كانت تطلقها الميليشيات وزعماء الميليشيات، وتوقّفْ القصف على السفارة والقواعد العسكرية، في المقابل خَفَتَ بريق وحدِّة التصريحات الإيرانية، وإرتخّتْ يدها في العراق، وضعف نفوذها، إن الحملة الامريكية العالمية، لكسب الدعم لإنجاح المؤتمر بدا واضحاً، لهذا تعوّل إدارة الرئيس ترمب والبنتاغون والسي اي اي، على نجاح المؤتمر، لآنه رسالة إطمئنان الى دول الخليج العربي، التي تعاني من الخطرالإيراني، والفوضى التي أحدثتها في اليمن وسوريا ولبنان، فنجاح المؤتمر، يعني إنقاذ الدول الخليجية من خطرايراني حقيقي، تخطّط له إيران وأذرعها، لزعزعة أمن واستقرار الشرق الاوسط كله، لهذا إستقبلت الوفد العراقي الزائر، للسعودية والكويت والبحرين، بحفاوة بالغة، وتقديم تسهيلات غير مسبوقة للوفد العراقي، في مجالات الطاقة الكهربائية والغاز وفتح الحدود للتجارة وإعادة السفراء، وإلغاء التعويضات (رغم نفيها كويتيا ولكنها حقيقة ستظهر بعد الاتفاق)، إن إعادة العراق لحاضنته ومحيطه العربي، أمر ضروري جدا لأمريكا ودول الخليج، لحصرإيران في زاوية حرجة، وإستهدافها في نهاية الامر، نعم العراق، بعد الحوار سيكون عراقا آخر تماماً، لايشبه ماقبل الحوار، وهذا مايتمنّاه العراقيون قبل الخليجيين، للظلم الذي تعرضوّا له في التهجير، والقتل الطائفي، والنزوح وتسليم مدنه لداعش، وتدمير بنيّة العراق التحتية، ونشر الطائفية والمخدرات والفساد، على يد ايران وميليشياتها، العراق الآن في عين العاصفة، وعليه أن يحسم خياراته، وينقذ الكاظمي العراق، من مصير أسوء مما هو فيه، لاينقذه سوى الخروج من عباءة إيران، ونفوذ ايران وميليشياتها، بكل تأكيد نقول ان الحوار الإستراتيجي، الفرصة التاريخية الاخيرة أمام العراق، وبعدها سيغرق في طوفان لاقرار له، ولا نهاية، فقد وصل السّيف الى الحَلّق كما يقال، الأوضاع العراقية، هي الاسوأ في تاريخه إقتصادياً وسياسياً وأمنياً، في ظلِّ هبوط أسعار النفط وإستشراء سرطان الفساد، الذي أجلَس الحكومة على الحديدة، وأفلسها بحيث لاتستطيع دفع رواتب موظفيها، واذا لم ينجح المؤتمر والحوار، فسينهار العراق كله، بظرف شهرين، دون أن تستطيع إيران إنقاذه من الغرَق في وَحَل فشله، وإفلاسه، وتصاعد التظاهرات التي تعمُّ جنوب العراق، لاخيار أمام الكاظمي، الاّ بالتصدي للتدخل الايراني، وإغتنام فرصة الحوار الإستراتيجي، والذهاب مع الخيار الأمريكي...

 

عبد الجبار الجبوري

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم