صحيفة المثقف

منظرو الاقتصاد: وليم ستانلي جيفنز

مصدق الحبيب(1835 – 1882) William Stanley Jevons

هو الاقتصادي واستاذ المنطق الانكليزي الذي تنسب اليه اولى المعالجات الرياضية في الاقتصاد والتي بانت بوادرها في كتابه الموسوم النظرية الرياضية العامة للاقتصاد السياسي المنشور عام 1862. كانت تلك المعالجات قد فتحت الباب الواسع للتطبيقات الرياضية في الاقتصاد واطلقت امكانات التقديرالكمي فجعلت الظواهر الاقتصادية قابلة للحساب والتدقيق العلمي. يؤكد اغلب مؤرخي الفكر الاقتصادي بأن جيفنز كان من بين ثلاثة اقتصاديين عملوا على انفراد وفي نفس الفترة الزمنية على ادخال مجموعة من المعالجات الرياضية لصياغة المفاهيم الاقتصادية بشكل اوضح. الاقتصاديان الآخران ،اضافة الى جيفنز في مانجستر، هما ليون فالراس في لوزان وكارل منگر في فيينا. وبهذا فقد كانت مساهمات هؤلاء الثلاثة فاتحة لحقبة جديدة في الفكر الاقتصادي وهي الحقبة النيوكلاسيكية التي بدأت بعد ماركس، آخر اقتصاديي الحقبة الكلاسيكية.

تجدر الاشارة هنا الى ان هناك مساهمات رياضية سبقت هؤلاء الاقتصاديين الثلاثة كمساهمة عالم الرياضيات الفرنسي انتوان كورنو في نهاية الثلث الاول من القرن التاسع عشر والذي ادخل الدوال الرياضية ونظرية الاحتمالات كتطبيقات رياضية في الاقتصاد واشتق منحنيات الطلب والعرض كدوال للسعر حوالي ثلاثين سنة قبل ألفرد مارشال الذي تنسب اليه العديد من التفصيلات في هذا المجال والتي سنأتي اليها لاحقا. ومن المساهمات الاولى الاخرى مساهمة الاقتصادي الالماني هرمن گوسن الذي عمل على نظرية المنفعة الحدية.  وبرغم تلك البوادر المبكرة فإن انجازات جيفنز وفالراس ومنگر اخذت مكانها في تاريخ الفكر الاقتصادي بكثير من الاهتمام. وقد تميز جيفنز عن زميليه بتقديم ادوات المنطق وطرق البحث العلمي الحديث اضافة الى ادخال التحليل الرياضي والاحصائي لتعزيز وتوضيح المفاهيم الاقتصادية.

1558 جيفريولد وليم ستانلي جيفنز في ليفربول – انگلترا عام 1835 لعائلة من الطبقة الوسطى حيث كان والده مهندسا. اكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة في ليفربول وذهب الى  UCS  بعمر 15 عاما.  لم يلتحق بالجامعة مباشرة  بل ذهب للعمل في استراليا وهو في التاسعة عشرة، ليعود الى انگلترا ويحصل على البكالوريوس في العلوم عام 1859 والماجستير في المنطق والرياضيات والاقتصاد عام 1862، ويتعين استاذا في جامعة أونز  Owensفي مانچستر من 1863 الى 1876، ورئيسا لقسم الاقتصاد في السنتين الاخيرة ، ثم ينتقل الى University College   فيواصل عمله كأستاذ للمنطق والاقتصاد من 1876 الى 1880. تزوج من هريت تيلر عام 1867 وهي ابنة صاحب صحيفة الگارديان في مانچستر، وانجب منها ثلاثة اطفال.

بدأ تركيزه على دراسة الاقتصاد بعد ان عاد من استراليا. ففي عام 1862 نشر بحثه الموسوم "النظرية الرياضية العامة للاقتصاد السياسي" في المجلة العلمية للجمعية الاحصائية، تبعه ببحث اخر معنون "هبوط خطير في قيمة الذهب"،ثم بحث ثالث بعنوان "سؤال الفحم" عام 1865. هذه الدراسات الثلاث هي التي خلقت الاشارة اليه كرائد في الاقتصاد التطبيقي، خاصة الدراسة الثالثة التي كشف فيها موقفه الايكولوجي والتي آلت الى نحت مايسمى بـمتناقضة جيفنز Jevons’ Paradox المتمثلة بأن زيادة كفاءة انتاج الطاقة باستخدام الفحم تؤدي الى زيادة الاستهلاك بدلا من تقليله، وذلك بسبب هبوط الاسعار. هذه المتناقضة اصبحت بعد جيفنز من البديهيات في اقتصاديات البيئة وفي استخدام اي مورد اقتصادي آخر. في عام 1871 نشر كتابه المهم المعنون "نظرية الاقتصاد السياسي"  ، وفي عام 1878 اصدر كتابه المعنون "مبادئ الاقتصاد السياسي". وهما الكتابان اللذان اتضحت فيهما مساهمته الاقصادية التي وضعته على قائمة منظري الاقتصاد عبر مسيرة تطور الفكر الاقتصادي. تمحورت معظم مناقشته الاقتصادية على موضوعة المنفعة الحدية في نظرية المستهلك حيث رأى المنفعة تتجسد في قيمة الوحدة الاضافية من السلعة أو قيمة آخر وحدة يستهلكها المستهلك. وهي قيمة متناقصة مع استمرار استهلاك وحدات اكثر. وبعبارة اخرى فانه وجد علاقة عكسية بين قيمة الوحدة الاضافية مع عدد الوحدات المستهلكة، وهذا ماعرف بعدئذ بـ "قانون تناقص المنفعة الحدية". ولأنه رأى ان قيمة السلعة ليس في كمية العمل المبذول فيها كما اعتقد الكلاسيكيون، انما في مقدار منفعتها الحدية المتغيرة بتغيرعدد وحدات تلك السلعة. هذا مايشاركه فيه فالراس ومنگر وآخرون الامر الذي قاد الى نشوء المدرسة الحدية النيوكلاسيكية. من ذلك المدخل الحدي للمنفعة استنتج جيفنز معادلة التبادل القاضية بأن تعظيم منفعة المستهلك من سلعة معينة يحتم ان تكون نسبة منفعتها الحدية الى سعرها في السوق مساويا الى نسبة المنفعة الحدية لاي سلعة اخرى يشتريها او يستهلكها الى سعرها. وان لم تتساوى تلك النسبة لكل السلع المزمع شرائها او استهلاكها فان المستهلك سيبحث عن سلع اخرى تحقق تلك المساواة. وهذا ماعرف بعدئذ بقانون توازن المستهلك:  MUx/Px = MUy/Py

من الواضح ان جيفنز بنى فهمه للاقتصاد انطلاقا من جدلية المتعة والالم الكلاسيكية والتي تطورت الى موضوعة المنفعة التي اضيفت لها قيمتها الحدية فكانت مفتاحا لخيار المستهلك من خلال مبدأ التساوي الحدي Equi-marginal Principle  الذي هيأ القاعدة المتينة لنظرية شاملة في القيمة . ثم سرى الامر الى تفسير سعر التبادل والكلفة وتداخلات العمل والاجور والنقود والاستهلاك والائتمان والضرائب والمخاطرة. يرى اغلب مؤرخي الفكر الاقتصادي ان جيفنز مهد السبيل لاستنباط "منحنى الحياد" Indifference Curve  الذي طوره فيما بعد اقتصاديون لاحقون.

بحث جيفنز ايضا في طبيعة واسباب الدورة الاقتصادية واستنتج ان الازمات الاقتصادية لم تكن عشوائية او تلقائية انما هناك تسبيبات منطقية لنشوبها. وقدم في دراسته عن انخفاض قيمة الذهب المنشور عام 1863 مساهمة كبيرة حول فهم الارقام القياسية واهميتها في التقدير الاقتصادي. كما ساهم في ارساء دعائم البحث العلمي وطرقه الاصولية. اضافة الى ذلك فقد كتب كثيرا في المنطق فكان لمساهماته اثرا مباشرا على ترسيخ طرق البحث العلمي وعلى التفسير الاقتصادي خاصة بما يتعلق بالوصول الى الخيار الامثل واتخاذ القرار بشأنه. مثال على ذلك تمييزه بين الاستنتاج او الاستدلال  Deduction حيث يسري المنطق من الحيزالكلي الى الحيز الجزئي وبين الاستقراء Induction  حيث يكون المنطق من الحيزالجزئي الى الحيز الكلي، وهما بذلك فعلان متعاكسان. كما انه درس مسألة تعويض المتماثلات وصاغ اصولها، وقام بتشخيص علاقات الاشياء كالثوابت والمتغيرات والقيم السلبية والايجابية وصنفها حسب المساواة واللامساواة والتماثل والتشابه وامكانات التعويض والاستبدال ورسم العلاقات فيما بينها بموجب استخدام الرموز الرياضية. كما انه كتب عن العلم والدين واعتقد ان الاقتصاد علم تكنيكي تجريدي حيادي ليس له مؤثرات او تأثيرات اخلاقية! ولم يكن هذا الموقف غريبا آنذاك كما نراه بمنظاراليوم.

وُصِفَ جيفنز بأنه كان ملولا شاكيا في منصبه كأستاذ فتقاعد عن العمل عام 1880 وهو في الخامسة والاربعين، وتوفي غرقا عام 1882 عندما كان يسبح اثناء اجازته، ويعتقد انه اصيب بنوبة قلبية اثناء

 

ا. د. مصدق الحبيب

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم