صحيفة المثقف

سدود إثيوبيا.. نهاية مسار وبداية حلول بلا حصر

عبد السلام فاروقمن المحنة تتولد المنحة أو – إن شئت- عشرات المنح ..

وما يبدو أنه انتهاء لمسار المفاوضات مع إثيوبيا يفتح مسارات لحلول أخرى، إذ لا يمكن التسليم بأن المفاوضات كانت حلاً وحيداً لتجنيبنا الآثار الناجمة عن تشغيل السد للأبد .. والمفاوضات كانت مجرد حل مؤقت لتأخير هذه الآثار فحسب..

أغلب دول الجوار لا تعيش على مياه الأنهار ، لكنها تعيش .. تشرب وتزرع وتنتج ، ويعيش أهلها فى رفاهية .. فهل لو انخفض منسوب مياه نهر النيل فهى النهاية؟

إن المعضلات العظمى تستفز الحلول العظمى فى عقول البشر ، ولا بد أن هناك حلولاً كثيرة لمعضلة السدود الإثيوبية ..وما دامت إثيوبيا تتمسك اليوم بأسلوب المراوغة والتنصل من الالتزام بالاتفاق الثلاثى الذى أبرمته فى 2015 ، فإن هذا يستلزم حلولاً أخرى غير التفاوض..

هناك ثلاثة مسارات رئيسية تسير معاً بالتوازى.. المسار الأول : هو اللجوء للقوى الدولية المؤثرة فى القرار الإثيوبي .. والمسار الثانى : إيجاد حلول سريعة لتعويض أى نقص محتمل لمنسوب نهر النيل .. ثم المسار الثالث:  الضغط على إثيوبيا بكل طرق الضغط الممكنة لإجبارها على التفاوض من جديد والالتزام بما تفضى إليه تلك المفاوضات .. أما عن الحلول العسكرية فهى بعيدة عن مجال مقالى هذا ، وهى متروكة لتقدير القيادة السياسية الحكيمة التى ترى الصورة بشكل أشمل دون شك ..

السودان.. مفتاح الحل

خلال عهد البشير ، لم يكن الموقف السودانى واضحاً بخلاف اليوم..

بصفة عامة السودان لا ينتابها ذات القلق الذى لدى مصر بخصوص السدود الإثيوبية ؛ من ناحية أن الرقعة الزراعية لن تتأثر بإنشاء تلك السدود ، ولن ينخفض منسوب النهر بدرجة خطيرة لوجود رافد آخر يمدها بالمياه قادم عبر النيل الأبيض من بحيرة فكتوريا .. كما أن النيل الأزرق لا يمثل للسودان مصدراً للكهرباء ، بل إنها قد تنتفع من سدود إثيوبيا فى حال اختار السودانيون الانتفاع بالكهرباء التى ستتولد عن سد النهضة البالغة نحو ضعف ما يتولد عن السد العالى .

إن الموقف السودانى واضح رغم كل شئ .. إنها لن تخسر شيئاً من بناء السد إلا لو انهار ، ولا يمكن البناء على رهان غامض بأن سد النهضة سينهار بسبب أخطاء فنية فيه . والسودان – كأى دولة أخرى – تسعى نحو مصالحها ، والأهم من هذا كله أنها تتعامل مع مصر من منطلق الأخوة لا المصلحة ، وهذا وحده يمثل المدخل الأهم للعلاقات المصرية السودانية فيما يخص الملف الإثيوبي..

ولسوف يظل الدور السودانى فى هذا الملف الخطير دوراً محورياً ، والاحتياج لهذا الدور لن ينتهى حتى لو بدأ ملء السد وحدث ما نخشاه .. والتقارب الملموس بين السودان ومصر مؤخراً سيكون له مردود مستقبلى إيجابي على ملف السد .

الضغط الخشن .. أمام سياسة المراوغة

لن تعدم الدبلوماسية المصرية وسيلة للضغط على الطرف الإثيوبي الذى اختار أن يتنصل من كل التزاماته واتفاقاته التى أبرمها مع مصر ..

هناك أوراق كثيرة للضغط على القرار الإثيوبي ، أوراق داخلية وأخرى دولية .. وينبغى استمرار الضغط الخشن بسائر أوراق اللعب المتاحة .. بدءاً من الدول المانحة والممولة لمشروع السد ، ومروراً بدول حوض النيل ، وانتهاءً بأمريكا والبنك الدولى والصين ودول الخليج .. وكلها جهات لها تأثير مباشر على إثيوبيا لأسباب متباينة . وتستطيع مصر بما لها من ثقل دولى الضغط على إثيوبيا عبر العمل الدبلوماسي المكثف .

إن الموقف الإثيوبي يتسم بالضعف إذا قيس بميزان القوانين الدولية والمبادئ الأخلاقية الحاكمة للعلاقة بين البلدان فى إطار العولمة والحوكمة المقيدة للتصرفات الرعناء لمن يحاول التنصل من اتفاق دولى تم إبرامه ..

والموقف الأحادى الذى تحاول إثيوبيا اتخاذه لابد له من مواجهة حاسمة لاضطرارها للعودة لمسار التفاوض من خلال الضغط الدولى المرتكز على تفعيل الاتفاقيات والعهود حفاظاً على هيبة نظام دولى أصابه بعض التداعِى خلال أزمة وباء كورونا ، وهو يحتاج إعادة بناء ثقتنا فيه بتفعيل دوره ..

ضرورة الخطط الزمنية المضادة

الزمن هو الفيصل فيما يخص سدود إثيوبيا ..

هم لديهم خطة زمنية واضحة فوجئنا بإعلانها من جانبهم بشكل أحادى دون الرجوع للسودان أو مصر .. أنهم سيبدأون الملء هذا العام ، وأن إنتاج الكهرباء قد يبدأ بعد 3 سنوات من الآن عام 2023 ، أى عندما يكتمل الملء .. تصريحات خطيرة معناها أن اتفاق المبادئ الثلاثى 2015 الذى اشترط سنوات ملء أطول ، تم ضربه عرض الحائط..

نحن اليوم نسابق الزمن لمجابهة ما قد يحدث بعد شهور ، وما قد نعانى منه خلال عام من الآن .. لابد من خطط بديلة لمواجهة أى نقص فى منسوب المياه أو الكهرباء ، وما قد ينتج عنه من تأثر الإنتاج الزراعى .. ربما لن تتأثر مياه الشرب بنفس القدر ، لكن الآثار الاقتصادية الناجمة عن بدء ملء السد ستكون هى الأشد والأفدح ، ولابد من الاستعداد لها من الآن ..

مئات الحلول بحوزة الشعب

المشاركة المجتمعية ضرورة حتمية .. والشعب قادر على إيجاد حلول والمشاركة فى تحقيقها وتنفيذها .. فالنيل ملك الجميع ، ومن حق المصريين ومسئوليتهم أن يشاركوا فى مجابهة آثار السد الإثيوبي المستقبلية..

لابد للحكومة من فتح باب الحوار المجتمعى لمواجهة النقص المتوقع فى حجم مياه النيل وكيفية تعويضه .. إذ أن شعور المواطنين بالمسئولية تجاه تلك المشكلة هو شعور إيجابي بأنهم قادرون على المشاركة بفاعلية للخروج من بوتقة الأزمة إلى رحابة الأمل فى وجود حلول ..

منذ سنوات مضت كانت هناك مقترحات كثيرة تم طرحها .. مقترحات بتكثيف الجهود نحو مكتشفات مياه جوفية جديدة ، أو الاستثمار فى الأراضى السودانية لتعويض النقص فى الأراضى المصرية ، أو استغلال مياه الأمطار الموسمية وتخزينها ، والتى هطلت بكثافة خلال الأعوام الثلاثة الماضية ، أو سن القوانين الرادعة لمنع إهدار مياه النيل أو تلويثها .. كلها مقترحات قديمة ويمكن البدء فى تنفيذها بشكل أسرع ، وبخطة زمنية واضحة .. وهى ليست كل الحلول ، فما زال لدينا 100 مليون رأى لم نسمعها بعد ..

ما المانع أن تقام مسابقات لأفضل بحث حول الخطة الأمثل لمجابهة تأثيرات السد الإثيوبي ، وأن الشعب كله مدعو للمشاركة فى هذه المسابقة ؟ لابد أن مئات الأفكار ستنضح بها عقول المصريين .. ولابد أن إحساسهم بالمشاركة الفعالة من شأنه أن يرسخ شعورهم أنهم جزء رئيسي من الحل ..

معضلة واحدة .. و100 مليون حل

نستطيع أن نبدأ اليوم لا غداً ..

والإعلام قادر على تعبئة الرأى العام للالتفاف حول تلك القضية لتصير قضية الشعب الأولى . وأن الشعب يشارك فى حلها ..

إن مسار المفاوضات وغيره من المسارات الدبلوماسية من شأن الحكومة المصرية وأجهزة الدولة ، وهو مسار مستمر وقائم ، بينما المسار الشعبي المطلوب تفعيله سيكون موجَّهاً نحو كيفية الاستغلال الأمثل لمياه النيل ، وتعويض ما ينقص منها ، ثم توحيد الجهود لمنع إهدارها أو تلويثها..

ولاشك أن من بين 100 مليون فكرة ، ستنشأ ولو فكرة واحدة قادرة على إنقاذ الجميع . فقط لو أصغينا لرأى الشعب ..

 

عبد السلام فاروق

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم