صحيفة المثقف

تحكم وجهات النظر في كتابة التاريخ

 عواطف الغالي لقد ظل البعض ممن يكتبون في التاريخ ينزاحون عن الصفات الموضوعية للكتابة الرصينة، خصوصا في الفترة الحديثة والمعاصرة، وهو ما جعل انتشار نوع من الذاتية بشكل موسع دون المبالاة بعمليات الضبط للأحداث والتدقيق في الوقائع؛ إذ أن كل ذلك لا يهم بالنسبة إليهم، وليست له أية أهمية أمام ما يكتبونه، مما جعل المادة التاريخية أسيرة بين التجاذب الموضوعي والذاتي.

ولا شك أن القارئ في المادة التاريخية يلامس بجلاء التجليات التاريخية بثقلها في المظهر الاجتماعي والسياسي والثقافي العام، وإن ما يسهم في ذلك هو انفتاح التاريخ على كل مناحي الحياة، والتواصل مع مختلف ظل التنوع العرقي والديني والاجتماعي مما له صلة بالشكل الجغرافي، وأثر في البنية الثقافية. لذلك حظيت المواضيع التي لها صلات بالمواد التاريخية باهتمام العديد من الدراسات والأبحاث منها التاريخية أو الجغرافية أو السوسيوانثروبولوجية أوالدينية. إلا أن اختلاف وجهات النظر وتناول المواد التاريخية من وجهات ذاتية أحيانا، ومن وجهات يغلب فيها الانزياح عن الحقائق التاريخية أحيانا أخرى، يزيح المادة برمتها عن الصواب ويفقدها الموضوعية المطلوبة. وهذا لا يعني أن كل المواد التاريخية المدروسة أو الكتابات التاريخية موشومة بالانزياح عن الموضوعية، إنما هناك من المواد ما يتجاوز حدود الموضوعية وانتهاك خصوصيات المادة التاريخية، وعدم احترام الامتزاجات التاريخية بفعل البعد عن التخصص كامتزاج تاريخ الإنسان بتاريخ الأحداث والقضايا، وبالبنية الجغرافية وبالبيئة، وبتاريخ الماء وبالاقتصاد وبالثقافة، وبمختلف الإشكالات التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بالتاريخ. فالإنسان قد واكب في نموه وتطوره هذه القضايا والارتباطات ارتباطا بالتطور الذي يعرفه التاريخ؛ لذلك وغيره، فإن الكتابات في التاريخ لابد وأن تشمل معطيات دقيقة وتكون أكثر موضوعية حتى لا يتم تشويه الموروث الحضاري الذي تشهد عليه الدلائل المادية التي تتبدى آثارها بارزة في مختلف المعمار، وهي تنطق بالموضوعية. فلا مناص من أن تواكبها كتابات موضوعية بعيدة عن الذاتية. فكل الذين اتسموا بالموضوعية قد أجادوا حقيقة في كتابة التاريخ وتناولوا المواد التاريخية بطريق صحيح ونهج سليم وشفافية ما كان له أثر في تطوير البحث العلمي واكتساب المادة التاريخية سمعة لائقة.

 

عواطف الغالي

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم