صحيفة المثقف

المثقف والانفصال الثقافي

علجية عيشمن حوار الثقافات إلى صراع الثقافات

عبارة رددها أحد المتمردين "قفوا أيها العبيد، فالسادة ليسوا كبارا إلا لأنكم راكعون"، فكم نحتاج إلى مثقفين متمردين يسقطون الأقنعة عن الوجوه لتسفر جهارا عمّا تخبئ من علل، دافع أصحابها عن مناصبهم  بضراوة ووحشية، كي لا تضيع امتيازاتهم، في بلاد لا يوجد فيها مثقف ثائرٌ أدركت السلطة أن المثقف شخص ثرثارٌ، يقول ولا يعمل بما يقول، لا يسير كما يسير السيل الجارف الهادر الذي يشق طريقه إلى غايته رغم الصعاب

لم يعد الصراع بين المثقف والسلطة كما كان معهودا من قبل، بعدما تسيّس المثقف وارتمى في أحضان السلطة، وتراه منظم في أحظان نقابة أو حزب سياسي، وأضحى يدافع عن السياسي أكثر ما يدافع عن المثقف، كما أضحى التنافس بين المثقفين حول من يحظى بالإجماع داخل الأحزاب، هي الحقيقة التي نقف عليها ليس في الجزائر فحسب بل في كل قطر عربي، بعدما انتشر العداء بين المثقفين، وعندما نقول المثقف يعني كل الأقلام من كُتَّابٍ وشعراء وإعلاميين، ولا نقول المفكرين أو المؤرخين، لأن لهم خصوصية تميزهم، فالمفكر صاحب نظرية يسعى من خلالها إلى خدمة البشرية لا يقف أمام تيار دون تيار آخر سواء كان ديني أو سياسي أو ثقافي، ولا ينتهز الفرص لتغليب شخص على شخص آخر تجمعه به مصلحة آنية، كذلك بالنسبة للمؤرخ فهو يحلل الأحداث وظروف وقوعها مهما كانت إيديولوجية صانعيها أو عقيدتهم، فالصراع بين المثقفين أحيانا يكون من أجل لا شيئ،  أي لا توجد مشكلة تخلق بينهم الخلافات والعدائية.

 فكثير من الذين نعتبرهم مثقين سلبيين، وهم زبدة المجتمع المستنيرة، وهذا خشية من أن يصل فلان إلى مرتبة من الشهرة دونه هو، حتى لو كانت السلوكات عفوية، فكم من المثقفين همشوا وأقصوا وأُبْعِدُوا، ولم نعد نقرأ لهم، ليس لأنهم انقطعوا عن الكتابة وإنما كتاباتهم لم تعد تنشر، هو الإحتكار الثقافي وحده يخلق الفراغ الثقافي، ويجعل القراء يكفرون بالثقافة والمثقف، هذه الفئة التي طالما حملت لواء البناء الفكري والثقافي وزرعته ليكون النور الذي يقتل الظلمة، وحملت أمانة الكتابة دفاعا عن المجتمع وعن المدنية المهددة بالدّمار على أيدي أوباش متوحشين، وأنا أكتب هذه الكلمات البسيطة أجدني أبحث وبشيئ من الإمتعاض عن "المثقف"، وسرعان ما ترتسم على ملامح وجهي، هل هو بشرٌ؟ مؤسسة؟ أم هو مجرد حروفٍ منقوشةٍ في كتابٍ؟.

 أراد المثقف أن يطبق القاعدة المثالية: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"، هذه الصرخة التي أطلقها المصلحون المرشدون، إلا أنهم إلى اليوم لم يتلقوا جوابا،  لأن القضية ليست كما أتصورها أنا وأنتَ، ولعلنا نقف مع عبارة رددها أحد المتمردين "قفوا أيها العبيد، فالسادة ليسوا كبارا إلا لأنكم راكعون"، فكم نحتاج إلى مثقفين متمردين بل أكثر تمردا، أناس يتجاوزون حدود تمرد دريفوس الذي واجه نظاما نازيا، أسقط الأقنعة عن الوجوه لتسفر جهارا عمّا تخبئ من علل، دافع اصحابها عن مناصبهم،  بضراوة ووحشية كي لا تضيع امتيازاتهم، تم ذلك عن طريق الإنقلابات، وتهميش من هم أحسن منهم فكرا وأخلاقا ونضالا، هل سالنا يوما مالفرق بين قوانين الطبيعة التي تغير كلما هبت عاصفة شتوية لكنها لا تقتل وبين قوانين البشر التي تُفَصَّلُ على مقاس صانعيها، وما إن تختفي اسماؤهم حتى تُسَنَّ قوانين جديدة يضعها أناس آخرون وتُفَصَّلُ أيضا على مقاسهم وهكذا..،  باسم القانون يقررون مكانك وباسم القانون يُحَدِّدُونَ مصيرك وأنتَ؟ لا يمكنك أن تعزل وجودك عن الواقع المحيط بك.

السؤال الذي يفرض نفسه كيف يمكن أن نقيم حوار الثقافات بدون المثقف؟ فكما يتميز الناس عن بعضهم بعضا، فهذا وجه أليف، وذاك وجه غريب، المثقفين أيضا يتميزون الواحد عن الآخر، فهم يختلفون في طريقة التفكير وفي وجهات للنظر  ورؤية كل منهما للحياة وفي التعايش مع الآخر، هناك وجوه عارية وهناك وجوه مقنعة، والعلاقة بين الوجوه العارية والمقنعة كما العلاقة بين المالك والمملوك، وفي كل الأحوال تظل السيادة للمالك، ولا يمكن للمملوك أن يفرض نفسه  إلا إذا خاض ثورة فكرية لتحقيق وجوده، طالما هو يحيا للخلود لا يخشى أصحاب القبعات الزرقاء ولا حتى أصحاب الخضراء والذين كتفيهم مزينة بنجوم مذهبة، لأنهم مكلفون بحماية الشعب والمؤسسات والحدود والممتلكات، ولذا فهم مكلفون بحمايته أيضا لأنه الشمعة التي تنير دربهم بأفكاره، فهو ثوري مثلهم هو خلق ليموت، ولذا لا يخيفه الموت، لكنه يكابر لأن مهمته لم تنته بعد.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم