صحيفة المثقف

الصور الذهنية في المجتمعات البدائية

مهدي الصافيقمة الصور الذهنية المدمرة هي المتجسدة في الاضطرابات الاجتماعية، الناتجة عن تراكم الصور المشوهة والمشوشة في العقل الجمعي لعدة اسباب منها، ديمومة ثقافة التوتر، والاحتقان عبر تصاعد وتيرة العنصرية والاحقاد والكراهية الاثنية والدينية والطائفية، وتعزيز لغة الصراعات السياسية والاقتصادية والثقافية، او الصدامات المحلية والاقليمية او الاممية داخل المجتمع، مع بقية جوانب او ظواهر العنف الاجتماعي الاعتيادية (جرائم القتل، الحوادث والمشاكل العرضية او المتعمدة، جرائم السرقة وتجارة البشر والجنس والتهريب الخ.) ...

التعريف المبسط من وجهة نظرنا المتواضعة لعلم الاجتماع هو اعتباره الوعاء او المجال الواسع لاستيعاب تجارب الافراد والمجتمعات في البيئات المختلفة، فكل انسان يمكن ان يكون مادة للدراسة والبحث الاجتماعي، اذ يعد الادب والثقافة السردية والمذكرات الشخصية (وكتب الرحالة والمكتشفين والمدونين ومايسمى في بلادنا بالمستشرقين) احد اهم روافد الدراسات والبحوث الاجتماعية الاكاديمية، اضافة الى الموروثات وكتب التأريخ، وبما ان العلوم متحركة ومتطورة، فهي مادة متجددة، اي ان المعرفة الانسانية هي في تطور دائم، مما يستدعي ان تتطور معها ادوات البحث والاستنتاجات العقلية بأستمرار، اذ لايمكن اعتماد مبدأ ان الماضي اكثر علما ووعيا من الحاضر، وبالتالي يتطلب ان يفهم الناس ان الصور الذهنية المتوارثة تصبح بمرور الزمن صور مبالغ بها وغير واقعية...

اما بخصوص تعريف المجتمعات البدائية فهي تختلف ايضا بين ما كان يعرف سابقا اي الحياة اليدوية والحرفية، وبين التعريفات الحديثة وفقا لتصنيف العوالم (دول العالم الثالث)، نعتقد ان الدولة المتخلفة تكنولوجيا والغارقة في صراعات الهويات الاثنية والطائفية والعرقية هي المجتمعات البدائية، وان تغيرت انماط الحياة عندها نسبيا، واصبحت تدار في بعض جوابنها الكترونيا (نطلق عليها دول العالم الرابع)،

هذه الامم والشعوب تبدأ عندها صناعة الصور الذهنية (المقدسة وغير المقدسة) من البيت ومحيط الاسرة والقبيلة او العشيرة الى محيط المجتمع، اي ان المجتمع عبارة عن تجمع لمجتمعات ومكونات وجماعات وعشائر وقبائل وانتماءات متنوعة ومتعددة (صغيرة او كبيرة)، ومفككة فيما بينها، ولهذا بمجردغياب سلطة الدولة او القانون عندهم تظهر السلطات الاجتماعية المختلفة (مليشيات او مافيات وعصابات الجريمة المنظمة، اوسلطة القبائل والعشائر والمكونات، الخ.)، بما فيها عصابات المناطق والحارات والفتوات او الشقاوات والزعران على لغة اهل الشام الشعبية،

مع التأكيد على ظاهرة التداخل في المجتمعات، اي ان المجتمعات الغربية وحتى في المجتمع الامريكي هناك مجتمعات بدائية محددة بعيدة عن ثقافة الحي الغربي، تنعدم فيها سبل وعوامل التطور الحضاري تماما، بل ان الاحياء الشعبية هناك هي اكثر بشاعة وحرمانا ووحشية من العشوائيات المنتشرة في بعض البلدان العربية، ولكن تؤخذ الامور والحسابات دائما وفق الاعتبارات والتقديرات النسبية العامة....

هل يمكن لاي مثقف عبقري او ذكي اومتابع جيد للمعرفة، ان يتحدث في فلسفة علم الاجتماع، وجهة نظري تقول نعم،

 اذا كان التحليل العلمي الرياضي للعلوم الاجتماعية او الطبيعية يستند الى قواعد واسس عقلية منطقية صحيحة، بالطبع هذا مايجب ان تثبت ذلك الايام والوقائع، فالذكاء والعبقرية، والتأمل والتحليل والاستنتاج الفكري ليست ثقافة عامة، يمكن ان يمتلكها اي انسان، انما هي جزء مما يسمى بالالهام او الهبة الالهية الخاصة، التي يتصف بها بعض الناس بدرجات متفاوتة،

وهذا يشرح مسألة قلة عدد المفكرين والفلاسفة والعباقرة والعلماء والادباء في العالم، يبقى غربال المعرفة والتمييز بين فكر او عقلية واخرى هي معيار الوعي لدى النخبة او المتلقي، ومصداقية التطابق الفعلي بين الفكرة او الطرح الفلسفي مع المنتج المعرفي...

نرجع الى موضوع البحث المختصر اي الصور الذهنية :لماذا نبحث في هذا الموضوع؟

ماهي الاسباب والموجبات والحاجات او الضرورات والاستنتاجات؟

نعتقد ان احد اهم اسباب تخلف المجتمعات العربية او حتى الاسلامية، هي ثقافة الصور الذهنية المتوارثة، كصورة خلفاء بني امية او بنو العباس، فالناس كانت حينها تقبل بالحكم الصوري مادام قمة هرم السلطة امويا او عباسيا (اي سواء في العهد الاموي او العباسي)، وسنطرح على ذلك امثلة بسيطة، عاشتها الامة العربية حديثا، كصورة قائد الامة او الضرورة بين عبد الناصر وصدام حسين، هذه الصور التي اصبحت اقرب الى الموروث المقدس،

ومن ان الامة لن تنجب مثلهم، هي صور متوارثة عن قصص البطولات العربية القديمة، التي جاءت عبر حكايات واساطير وقصص الاولين، الموثق بعضها بالقصائد والاشعار، عندما كان السيف والقوة البدنية والكثرة العددية حينها هو معيار التفوق بين الامم،

قبل ان تأتي قوة الحروب الدينية المقدسة، مع ان المصريين يقولون ان نابليون فتح مصر بالقوة العسكرية الجديدة (القرن الثامن عشر تقريبا)، ولكنه ادخل لها الحضارة الغربية او الفرنسية، اي بداية انطلاق مرحلة تفوق العقل على القوة الجسدية او الدينية، فتكون عملية التحول اوالحلول الذهني بين ماهو دارج شعبيا عن تاريخ طغاة العرب وبين من يمثلهم حديثا، وهم لايخفون ذلك، حتى في خطابات المديح والتعظيم والثناء تربط هذه الزعامات بتاريخ بعض الخلفاء الاقويا (عبارات حفيد الامام علي، اوعمر الفاروق، او هارون الرشيد، او صلاح الدين الايوبي، او القعقاع، او محمد الفاتح، الخ.)

ففي الدراسات الحضارية يقال ان الحضارات المتصارعة لاتلغي احداهما الاخرى، انما تندمجان بجسد واحد بعد انتصار احداهما، ولكن الحضارة التكنولوجية الحديثة حضارة عقلية علمية مادية، اي ان البطل فيها ليس القائد الشجاع، بل السلاح التكنولوجي التقني الفتاك، والقوة الاقتصادية والمالية الكبيرة، والقدرات الصناعية الالكترونية والفضائية، وبقية العلوم المختلفة، الخ.

هناك اختلاف واضح بين طريقة حكم عبد الناصر، وبين صدام (الذي كان يعتمد في توزيع الصور الذهنية لدكتاتوريته بين المحافظات والمدن عبر الاكثار من نصب الجداريات الشخصية له، وقد كان في الجانب الاخر تم رصد وصرف الاموال الطائلة لبناء مرقد السيد الخميني الواسع زعيم الثورة الايرانية ووضع نص للزيارة، وهو الذي مات فقيرا متواضعا نزيها، لاستخدامها فيما بعد كرمز للصور الذهنية الثورية المراد ضخها بشكل دائم في المجتمع)،

الا ان الاثنين كانت تثار حولهما الكثير من علامات الاستفهام، فجرائم الاجهزة القمعية في كلا النظامين، ومسألة كبت الحريات والقمع المنظم والفشل كانت متقاربة نسبيا، مع ان نظام صدام تقدم بدمويته ووحشيته وحماقاته كثيرا على ماحدث في عهد عبد الناصر (لان الظروف والبيئة والحروب وتبعات احتلال الكويت وطول فترة الحكم لعبت دورا في هذا التفاوت)،

الا ان الغريب ان زراعة الصور المضخمة في الاذهان الشعبية، وحتى الاوساط النخبوية، ابقت على ثقافة انهما قادة لايتكررون، تماما كما حصل في الصور الذهنية المتوارثة كما قلنا سابقا، عن عمر ابن الخطاب، وخالد ابن الوليد، او معاوية (كسرى العرب)، وهارون الرشيد، وصلاح الدين الايوبي، والشخصية الجدلية الحجاج الثقفي، الخ.

عندما تراجع مايقوله على سبيل المثال اعضاء حزب البعث في العراق عن صدام، بمن فيهم ممن كان معتقلا في عهده في السجون البشعة، تجد التناقض في كلامهم رهيبا وغير معقول، احدهم يذكر تفاصيل مرعبة عن ايام الاعتقال بعد استلام صدام الحكم1979، والبدء بتصفية رفاق الحزب على طريقة ستالين، تحت ذريعة وجود مؤامرة كبيرة مرتبطة بنظام حافظ الاسد في سوريا، تراه يبكي على السجناء والمعتقلين والمعذبين والمحكومين بالاعدام والظلم، ومن ثم ينقلب للدفاع عن صدام باعتباره قائدا وزعيما للامة،

ومن انه بعثي حقيقي، ويتكلم عنه كرمز قومي، وهذه الامور تبدوا جلية بمواقف اتباعه بعد انهيار نظامه وخروجه من الحفرة على يد الجنود الامريكان، حتى ان احد رموز نظامه المعروفين (صاحب بيانات العلوج) يعرب عن صدمته مما فعله صدام ( اي التخفي في الحفرة خلف اطالة شعر الرأس واللحية الكثة)، وهو الذي ترك اوضاع البلاد مشلولة خاوية بائسة ينخرها الجهل والتخلف والفقر والعوز والبنى التحتية المحطمة، وفي كل بيت تقريبا نكبة ومأساة او فاجعة!

هذه الصور تنتقل الى الموروثات الشعبية، لتضيف صور اخرى الى قصص الزعماء المقدسين والخلفاء وامراء تجار الحروب الدينية والعرقية والقبلية، مثلما ارادت الادارة الامريكية تحميل الصين مسؤولية انتشار فيروس كورونا في العالم، او على غرار العنصرية الهندوسية في الهند بألقاء اللوم وتبعات انتشار الفيروس في الهند على احتفال المسلمين بمناسبة محلية معينة....

الصوت والكلمة وطريقة الخطابة او الكلام او العبارة او الاشاعة او التعبير المجازي، قد تصبح مادة لصناعة صور ذهنية مختلفة، بمعنى اخر سماع صوت معين دون رؤية المتكلم تعطي صور ذهنية تختلف عنها بعد رؤية صاحب الصوت، وهكذا حتى في المرويات والقصص والاحداث الشعبية، ايضا تعطي انطباعات ذهنية متفاوتة (ثقافة الروزخون عند الشيعة، او ثقافة الترويج لمايسمى السلف الصالح عند السنة، او الحكواتي)، هذا الامر يعتمده عادة اصحاب مهنة الاخراج الفني، حيث تعد من اولويات نجاح عملهم هو تطابق الصورة في ذهن المخرج مع روح النص، اي اخراج الصور الذهنية من النص الورقي ثم نقلها بهيئة وصيغة صورية اخرى الى الواقع، بتوزيع الادوار بين النص وصور المكان والديكور والشكل والهيئة والشخصيات المناسبة لكل دور (ولهذا تتباين رؤية الاخراج الفني من مخرج لاخر، كما يحصل في تكرار اخراج نفس المسرحيات او افلام القصص العالمية المشهورة ولكن برؤية فنية مختلفة)، الخ.

الصور الذهنية هي في بعض الاحيان تصنع معتقد ديني او ايديولوجي او فكر وثقافة معنية غير واقعية، كمن يعتقد انه مجاهد او مناضل حقيقي يعمل في الاحزاب السياسية او الدينية طويلا، ويتبنى صور نمطية خاصة عن المبادئ والاهداف والطموحات المثالية، ثم سرعان ماينهدم هذا البناء الخيالي فيرجع الى نقطة الفراغ، اي صورة الحقيقة الشخصية والواقع، معتبرا لاشيء يستحق التضحيات، ولهذا يكون فساده وضرره وشراهته للتخريب والتدمير والنهب سادية مفرطة، يرى الفقراء جراثيم، والوطنية كذبة، والاخلاق مجرد كلام استهلاكي، والغنيمة حق ولعبة حظ شرعية،

لان الصور الذهنية مشوشة في عقله، كالامواج المتلاطمة، صور متتناقضة ومتصادمة بين الدين والمكون والطائفة والانتماءات الاثنية والقبلية والعشائرية والمناطقية والموروثات الاجتماعية، والحاجات الشخصية والغرائزية، فهي لا تعبر حدود الثرثرة والهوس والتفكير السطحي، والهواجس والاعتبارات والمثاليات او الغيبيات الطوباوية...

المجتمعات السلبية هي نتاج الصور الذهنية الخاطئة، ترى غير المقدس مقدس، وترفع المنافق والانتهازي وتحارب المفكر والمثقف والعالم والانسان النزيه، اي ترى وتعمل وتفعل وتمارس الثقافة بالمقلوب، بمعنى اخر هي تحارب الايجابيات عن جهل ودون الشعوراحيانا، من هنا يمكننا فهم ثقافة توريث التسلط في الدين والسياسة والاجتماع (الامام او رجل الدين وابن الامام، الحاكم وابن الحاكم، شيخ القبيلة وابنه، الخ.)،

الابن يأخذ دورالاب (تسمى احيانا بالثقافة الابوية، بينما هي ثقافة صناعة الصور الذهنية السلطوية، عدا بعض الحالات الخاصة حيث تكون الحاجة اليها ضرورة ملحة)، مما يعرقل عملية بناء شخصية الفرد المستقلة داخل المجتمع الواحد، مع ان الحضارة الالكترونية الحديثة هي السلاح المناسب لتدمير هياكل الصور الذهنية في المجتمعات البدائية، فالربيع العربي جاء كنتيجة اولية لاثار الصدمة التي احدثتهاهذه المواجهات او الصراعات المباشرة بين التراث والحضارة،

حتى فيما يتعلق بالاحتجاجات العالمية الاخيرة ضد العنصرية الموجهة ضد المهاجرين او الملونين (في امريكا واوربا وبقية دول العالم، بعد حادثة مقتل جورج فلويد خنقا على يد اربع من رجال الشرطة الامريكية)،

هي الصحوة المتأخرة ضد الصور الذهنية التي ركزتها الثقافات الطبقية الفوقية والاستبدادية والعنصرية السابقة، حيث وجد المضطهدين والرافضين لهذه الثقافة فرصة تحطيم التماثيل الخاصة بزعماء تجارة الرقيق والحروب الاستعمارية، وسيلة لكسر نمطية الثقافة السائدة المعتمدة رسميا في بلدانهم (التفوق العرقي او الطبقي الرأسمالي) ...

الانطباعات الشخصية العرضية او العميقة تعطي احيانا صور ذهنية لمستويات مختلفة، مؤقتة او متغيرة او دائمة، كما تفعل الاعمال الفنية من تأثيرات معينة عند المتابعين، فالدراما لديها قوة الجذب الذهني عبر التأثير المرئي المصطنع، حيث يمكنها ان تنقل عقل المشاهد من حالة التمثيل، الذي يجسده المشهد المرئي الى مرحلة التفاعل والشد النفسي والعاطفي معه،

ومن الملاحظ ان الثقافة الفنية الغربية عند مغادرتها الانماط الدرامية الاجتماعية الدارجة حاليا في بلداننا العربية، جاءت على خلفية ضعف قوة الجذب السابقة لهذه الاعمال الفنية المستهلكة في المجتمعات الغربية،

كما يحصل الان في مجتمعاتنا العربية من تراجع ملحوظ في المتابعة والاهتمام، لاسباب كثيرة منها زيادة استخدام الوسائل الالكترونية الحديثة، التي تقدم متعة اكثر وسهولة في التعاطي والتفاعل والاستخدام، بدلا من البقاء طويلا في البيت لمتابعة احداث المسلسلات او المواضيع المملة المكررة، ففي الغرب اتجهت عقول صناعة المتعة الفنية الى الافكار السينمائية العالمية،

واعتماد الخيال العلمي والتنظير الافتراضي المستقبلي للاحداث، والافكار الغريبة غير المطروقة سابقا، كاساس مهم لصناعة الصور الذهنية المتباينة بين مجتمع او شخص واخر، الا انها تتطرق الى مواضيع شيقة تشد اليها الجمهور (صناعة الخوف من المستقبل المجهول، والماورائيات، وسكان الكواكب او العالم الاخر، الخ.) ..

هناك صور ذهنية عميقة مهمة تتولد عند الفلاسفة والمفكرين، جزء منها يطلق عليه فلسفة التأمل والتحليل، اوالاستغراق الفكري في الاشياء، الا انها بالطبع هي اساس البناء الفكري او الفلسفي لاية اطروحات علمية او معرفية، على بناء القاعدة او النظرية التي نروج لها دائما بأن"كل مايفكر به الانسان علميا يمكن ان يتحقق عمليا"، اي ان البشرية منذ بداية التكوين وصولا الى ماهي عليه الان،

كانت تسير تدريجيا مع مايخطر او مايحصل للعقل البشري من تقدم، هكذا كانت مسيرة البشرية الحضارية تتصاعد مع تطور مسيرة الفلاسفة والمفكرين وعلماء الطبيعة، هذه الامكانيات والعبقريات الخاصة (التي تسمى احيانا بالمعجزة)

 تبقى داخل اطارها المحدود، ليس كل مثقف او اديب او باحث او اكاديمي هو عالم او مفكر، يمكن ان تكون لديه ملكة الالهام (الالهي او الارضي)، التي تمتلك القدرة على قراءة ودراسة واستحضار وتجميع الصور الذهنية الكونية، حيث يمكنها ان تتبنى او تعطي استنتاجات عقلانية علمية منطقية صحيحة انية او مستقبلية، معتمدة كما ذكرنا على مبدأ الصور الذهنية الفلسفية العميقة للكون او لصيرورة الخلق والحياة والطبيعة، اذ يعد من المستحيل ان يتنبأ الانسان بحدث معين دون مقدمات ذهنية اولية تأملية.....

لابد من الاشارة الى ان الصور الذهنية تنقسم وفق بقية معايير التقييم الاخلاقية والحاجات الانسانية الى ايجابي وسلبي، اذا يمكننا القول ان الصور الذهنية الايجابية هي المتعلقة بضرورات التأمل والمراجعة والبحث والتفكير والفهم والادراك والتساؤل المعرفي، في مجالات الفكر والفلسفة والتاريخ والاديان والاداب وعلوم الاجتماع والانسانيات والثقافات التراثية والحضارية

 (ففي الاديان مثلا يمكن ان يراجع الانسان ويبحث نقاط وثوابت الالتقاء او التناقض بين المنطق العقلي والمعرفي، وبين مايراه او يتعايش معه يوميا من ثقافة دينية عامة، فالجانب الايجابي فيه ان الانسان قد يرى الحقيقة مختلفة تماما عن تلك التي ولد وتربى عليها، فالعقل العلمي السليم لايمكن ان يرى الخطأ صواب، او يرى الخرافة او الاسطورة او المغالاة او الغيبيات حقيقة، الخ.)

اما الجوانب السلبية المتوقعة هي المتبعة غالبا في الايمان والاعتقاد والقناعات والاعتبارات النفسية المسبقة او المتوارثة، فالايمان بأن طريق الارهاب والتوحش سيأخذ بيد اصحابه الى الجنة، عبر ضخ الصور الذهنية المختلقة عن حور العين والغداء او العشاء مع الانبياء والرسل، يعد في قمة الصور السلبية المتوارثة، او القناعات الخاطئة المنتشرة في بلادنا المأخوذة بالشكل والمظهر والكلام المعسول كما يقال، كلها دلائل على انحطاط الحضارة او ضحالة وهمجية اسس وادوات العقل الجمعي...

الصور الذهنية للمفكر غذاء روحي، واساس متين للابداع الفكري، اما للمجتمعات البدائية فهي تحطيم معنوي ونفسي لشخصية الفرد المتشبثة بشخصية الاخرين الفوقية...

 

مهدي الصافي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم