صحيفة المثقف

وزارة الثقافة.. هل ستكون بمستوى التحديات؟ (2)

قاسم حسين صالحتناولت الحلقة الأولى عرضا تاريخيا مركزا للثقافة في العراق، وكيف كانت بغداد قبلة العالم في العلم والثقافة، وكيف اصبحت الثقافة فيها بعد التغيير. ونبدأ هذه الحلقة بتنويه، خلاصته ان السياسيين يعدون وزارة الثقافة غير سيادية فيما نعدّها نحن المعنيين بعلم النفس والاجتماع اهم من وزارات سيادية لأنها هي المسؤولة عن بناء الانسان وتشكيله فكريا واخلاقيا وسلوكيا وسياسيا، وهي أداة التنوير والمحرّك غير المنظور(داينمو) لتقدم المجتمع، ولأن دور المثقفين في توجهات المجتمع اقوى من دور السياسيين،  غير انهم لن يستطيعوا تحقيق ذلك ما لم تكن حاضنتهم.. وزارة الثقافة.. قد نظّفت نفسها من ثقافات متخلفة وارتقت لمستوى طموحهم.

ثقافات ما بعد التغيير.. تشريح سيكولوجي

تعاني وزارة الثقافة من عقد نفسية ، نحدد أخطرها بالآتي:

1- الحول العقلي:

(الحول العقلي) مصطلح جديد نحتناه في علم النفس العربي ليصف واقع الحال الذي عاشه ويعيشه العراقيون بعد 2003.. ونقصد به تحديدا، ان المصاب بهذا الحول يرى الايجابيات في جماعته ويغمض عينه عن سلبياتها، ويضخّم سلبيات الجماعة الأخرى ويغمض عينه عن ايجابياتها.. وكما يرى احول العين الواحد أثنين ولا يمكنك ان تقنعه انه واحد، كذلك احول العقل يرى ان جماعته على حق والأخرى على باطل ، وان هذه الأخرى هي سبب الأزمات مع ان جماعته شريك فيها.

وكنت تابعت الاحداث من (2003) فوجدت ان العقل السياسي العراقي منتج للأزمات وغير قادر على حل المشكلات، لأن الادمان على الازمات كالادمان على المخدرات.. ففي الحالتين يحدث للعمليات العقلية في الدماغ برمجة ثابتة تجعله يعتاد على تفكير نمطي محدد يجبره على تكراره، وأنه مصاب بالدوغماتية Dogmatism التي تعني الجمود العقائدي او الانغلاق الفكري الذي يعدّ احد أهم وأخطر اسباب الأزمات السياسية والثقافية، و(مرض) خالقي الأزمات من القادة السياسيين.

كان هذا الحول العقلي مقتصرا على الغالبية المطلقة من الحكّام الذين استلموا السلطة بعد 2003، لدرجة ان من  كانوا يسمون انفسهم (المعارضة) يرون ان العراق من حقهم فقط، والآخرون لا حق لهم فيه!.وبدءا من عام 2008 انتشرت عدوى هذا الحول لتصاب به كتل سياسية وفصائل مسلحة، كل واحدة ترى ان فكرها.. عقيدتها.. رؤيتها للأمور هي الصح والأخرى زندقة او ضلالة او غباء.. واشتد هذا الحول في 2019 ليوصل الجميع بأن الحكم للسيف لا للعقل.. فحصد السيف رقاب المئات بينهم قادة قوم وشباب فكر وابرياء وصبايا واحداث.. وامهات وحبيبات مفجوعات.

وباستثناء ثلاث مكونات اجتماعية: المرجعية الدينية، والتقدميين الذين يمتلكون منظورا انسانيا، والمحبون للعراق وطنا للجميع،  فأن  غالبية العراقيين مصابون بالحول العقلي اخطرهم اولئك الذين توزعوا على مسميات وعناوين وسلطات لا تخضع لسلطة الدولة،  كل واحدة ترى انها هي الحق وهي الأصلح لحكم البلد مع انها كلها لا تصلح،  لأن من يتحكم به الحول العقلي لا يستمع لنصائح علماء الدين المخلصين لدينهم ولا يأخذ بمشورة حكماء القوم، بل يتفاهم معك بالسيف ان خطّأت فكرته.

وشيوع الحول العقلي يؤدي بالسياسيين الى ان تتحكم بهم عقدة الشك المرضي بالآخر(البرنويا) وتفسير أفعال الآخرين على انها تآمر، فيما تؤدي بالعراقيينن، ومعظمهم مصاب بـ"سيكولوجيا التبحوش"، الى التفتيش عن عيوب الاخر، فضائحه،  قضم السمعة،  التشهير.. واشاعة الهوس والهستيريا، والشعور بالكراهية الذي يؤدي سيكولوجيا الى الحقد وتفعيل دافع الانتقام ، فيما يشيع عند آخرين موسيقى وأغان ومحبه فيختلط (الحابل بالنابل) في مشاهد لو رآها عاقل لوصفها بأنها أغرب من مسرحيات ما بعد اللامعقول!

والمشكلة، ان الأصابة به لو كانت مقتصرة على جماعة محدودة لكان العلاج ممكنا، لكن ان يصيب ملايين الناس في مجتمع تتعدد فيه السلطات وتضعف فيه سلطة الدولة فان العلاج غير ممكن الآن، ما يعني ان العراقيين سيبقون يدفعون ثمن هذا الحول العقلي خيبات وفواجع الى ان تنجح القوى السليمة المنفتحة عقليا والمتنورة ثقافيا المجيء بحكومة تكون فيها السلطة للدولة فقط وليس لقادة سلطات مصابين بالحول العقل،  والتنويه بان السياسي (الأحول عقل).. يتحول الى طاغية او مستبد ان تمكن من الحكم.. وتك واحدة من اهم التحديات التي تواجهها وزارة الثقافة.

(يتبع- الحلقة الثالثة)

 

أ.د.قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

أمين عام تجمع عقول

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم