صحيفة المثقف

النظر الى المستقبل

عمار حميدبعد عاصفة الصخب بشتى انواعه التي مرِّ بها العراق (والى الآن) ظهر لدينا ميل واضح بالحنين للعودة الى الأيام السالفة والسنوات الهادئة نسبيا  يمكن ان يترجم الى رد فعل نفسي لاشعوري بالبحث عن ملجأ معنوي نحافظ به على نوع من التوازن  امام ما نشهده من أوضاع واحباطات عديدة في حاضرنا وتهدئ مخاوفنا وتنسينا يأسنا من مستقبل هو بحكم المجهول بسبب متاهة الظلام التي نعيشها  ولذلك حملنا معاولنا وبدأنا النبش في ارض الماضي، مستخرجين منها ما يبكينا احيانا وما يشعل العداوة والمشاحنات احيانا كثيرة، نقوم باجترار ماضينا بحلوه ومرّه  مرارا وتكرارا ونبحث فيه ونتناقش حوله وندعو للعودة الى سلوكياته والحفاظ على ماكان يحمله من مبادئ وفخر وبالرغم من كل ذلك فأننا لم نكن جادين في هذا المجال، فنحن لم نحافظ على الجانب المادي من هذا الماضي، فالدور القديمة والتراثية مثلا  لم تحميها جهة او مؤسسة او حكومة وانما تم بيعها وشراءها وتزوير سنداتها واستغلال مواقعها المميزة في وسط العاصمة وسحقت تحت سرف ومعاول آلات الهدم، والمناطق الأثرية تعاني اركانها من لصوص النهب والسرقة الذين يقدمون الحجج التي شرعها لهم فكرهم واعتقادهم في أغلب الأحيان ، واما الجانب الفكري لماضينا فنحن نقوم بتشريحه حسب الأهواء والرغبات وانعدام الموضوعية والمنطقية فيه حتى بات اساطير تحكى او قصصا ينتهي مفعولها بعد فضّ المجالس ومغادرة روادها، لذلك فحنينا للماضي يبقى شفاهيا لا فعل فيه وتصنّعا لا نفع منه سوى البكاء والخيبات.

تحافظ الشعوب المتقدمة على تراثها الفكري والمعماري من خلال النظر الى المستقبل والتركيز عليه ولذلك فهي تحمل معاولها في ارض المستقبل والاستثمار فيه، ترتكز الى قاعدتها التي ورثتها عن الماضي لتأخذ منها انطلاقها نحو المستقبل، تعلّم اجيالها على صنع مستقبلهم واحترام ومواجهة ماضي أممهم وثقافات شعوبهم فتزرع فيهم روح الاحترام والتقدير لما هو جامع لكلمتهم ووطنهم وتنمي فيهم العقلية الناقدة الواعية للنظر في الحوادث محل الجدل وتحيله الى نقاش علمي موضوعي تبنى عليه دروس وعبر تتلافى فيها اخطاء وكوارث قد تحصل ان بقي الماضي في خانة التخوين والاختلاف.

الامر الطبيعي في ماضي المجتمعات البشرية انها امتداد لصنع المستقبل عبر حاضر يسود فيه الوعي والارادة والمنهجية  ولكن الامر مختلف لدينا، فطرقنا واساليبنا أضرَّت بماضينا اكثر مما نفعته  واصبحت هناك حاجة الى تغييرها واعادة تفكير فيها ان وجدت الارادة الحقيقية لذلك، يجب ان تكون القاعدة في هذا الهدف "ان احترام الماضي مرتبط بالتفكير الجاد في مستقبلنا"، المستقبل الذي اهملناه طويلا ولم يعد يأخذ الكثير من احاديثنا او افكارنا او كتاباتنا، تكلموا في المستقبل اكثر، فهو الوحيد الذي سيجعل الماضي في عيوننا جميلا نشعر بالحنين له وليس الحنين بالعودة اليه.

 

عمار حميد مهدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم