صحيفة المثقف

دور الناقد الجريء الملتزم.. د. وليد العرفي نموذجاً

حسين فاعور الساعديفي بداية هذه العجالة لا بد من شكر الناقد الدكتور الشاعر وليد العرفي جزيل الشكر على تعريفنا  بشعراء يستحقون الالتفات والمتابعة. في هذا العام فقط عرفنا على الشاعر العراقي المغترب العملاق عبد الإله الياسري. وعرفنا على الشعراء الكبار جواد غلوم، يوسف الجزراوي،  نزار سرطاوي، عادل الحنظل، ماجد الغرباوي، سعد جاسم، سامي العامري، غانم العناز، زياد السامرائي، جمال مصطفى، نوري الوائلي وغيرهم.

النقد عمل مقدس في عالم اليوم الذي أصبح بحراً من الرداءة والتدني في كل المجالات ومنها المجال الثقافي غمر ساحاتنا الأدبية بفعل الدولار وعبدته من رخيصي النفوس وقصيري النفس، وفي هذا الزمن الذي أصبح النفاق سمته وميزته. لأن الناقد الموضوعي مهما فعل هذه الأيام يظل متهما لما أصاب النفوس من أنانية وشك في كل شيء، ولما يتعرض له، كسائر الأدباء الحقيقيين، من تعتيم من إمبراطوريات المال السياسي المتعفن.

في عالم اليوم الذي أصبح قرية واحدة بفعل التطور الهائل لوسائل التواصل الإلكتروني اختلط الحابل بالنابل وصار كل من يعرف أحرف اللغة شاعراً أو أديباً. وكل ذلك ليس صدفة وإنما تعبير عما تتعرض له ثقافتنا من هجمة شرسة لترويضها وإبقائها أداة في خدمة السلطة أو رهينة في يد الأحزاب والفئات لخدمة أجنداتها الضيقة.

هذا الواقع الذي خلق مئات آلاف إن لم يكن ملايين "الشعراء!" و"الأدباء!" الفارغين، جعل القارئ العادي والبسيط يضيع في بحر لا نهاية له. وبسبب التعب والإرهاق الناجم عن هذا الضياع فقد عزف الكثيرون عن القراءة واكتفوا بمتابعة الفيس أو الووتس فضاعوا أكثر.

في هذه الفوضى ظهر عدد من مرضى النفوس من المداحين الذين تخفوا بقناع النقد وأخذوا يكيلون مدائحهم لأصدقائهم وخصوصاً من النساء الهاويات للتعامل مع الأدب ورفعهم إلى مصاف الأدباء والشعراء الكبار بغرض بناء علاقة رخيصة معهن\م أو نيل إعجابهن\م. هؤلاء المرضى الذين يتناولون في كتاباتهم الشخوص وليس النصوص زادوا الطين بلة فأشاعوا الفوضى والتدني وجعلوا القارئ العادي يلعن الشعر ويلعن الأدب.

ما تتطلبه المرحلة بكل تعقيداتها وموبقاتها هو بوصلة سليمة تُعرّف القارئ العادي بالاتجاهات وترشده إلى بر الأمان. وتتركه يقرر ما يريد. المرحلة بحاجة لناقد موضوعي يقوم بالتفتيش عن النص الجيد بسراج وفتيلة بين هذا البحر من النصوص الردسئة قيقوم بإشهاره ولفت الانتباه إليه. وليس الجلوس وانتظار توجهات الكتاب الرخيصين المطالبين بكل وقاحة تناول نصوصهم.

إن ما يقوم به مختص متمكن كالدكتور وليد العرفي من تناول لأعمال شعراء لديهم ما يقدمونه، وبمبادرته الشخصية ومن منطلق تذوقه الراقي لهذا العمل ما هو إلا عمل مقدس وبطولي خصوصاً وهو مبني على النص فقط دون أدنى معرفة بالشخص صاحب النص.

هذا العمل الكبير نابع من حرص نزيه على ثقافتنا وأدبنا وليس من منطلقات شخصية أنانية ترسم لصيدٍ أو تنتظر ثمناً.

معظم النقاد حتى المختصين منهم كتبوا عن أقاربهم أو أصدقائهم أو زملائهم ولا أريد ذكر الأسماء فهي كثيرة. أشير إلى ذلك لأن ما كتبوه لم يكن موضوعياً ولم يكن مبنياً  على فحوى النصوص وإنما على أشياء أخرى لا مجال للنزول إلى مستوياتها اليوم.

أذكر ذلك لأنه هو الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه من جمود وضحالة أدت بمساندة الأحزاب والفئات إلى غياب المبدعين ومحاصرتهم. تماماً كما يريد أصحاب المليارات، موزعي الجوائز الأدبية الذين لا يريدون لهذه الأمة إلا المزيد من الجهل والمزيد من الضياع لأن ذلك يخدم جيوبهم المنتفخة بفتات أسيادهم الذئاب.

الناقد الذي ينفذ أجندة حزب أو فئة لا يمكن أن يكون ناقداً لأنه أداة ينفذ أوامر مشغليه. يمكن أن يكون مدّاحاً أو قوّاداً. فهو يرى من خلال جيبه ومن خلال غريزته التي تتحكم بما يكتب. هذا النوع من النقاد من الأنسب تسميته ب" القوّاد" لأنه يقوم بما يقوم به الرجل الذي يعمل مع العاهرات فهو يجلب الزبائن للحزب أو للفئة كما يجلب القوّاد الزبائن للعاهرة. ويحافظ على الحزب أو الفئة ويدافع عنهما تماماً كما يدافع القواد عن عاهرته مقابل حصته في نهاية يوم العمل.

الدكتور وليد العرفي من المعلومات التي استقيتها من العم غوغل هو دكتور في اللغة العربية ويعمل محاضراً ومختصاً في الجامعات السورية. وما يقوم به من متابعات قيمة لقصائد ذات شأن أو لأعمال أدبية ذات قيمة إنما يقوم به بمبادرته الشخصية المحضة وعلى حساب وقته الخاص، الثمين جداً وغير المتوفر كما أتوقع. لم يطلب منه احد القيام بما يقوم به ولم تدفع له جهة معينة ثمناً لجهوده المباركة.

هذا النوع من النقد الذي يقوم به الدكتور وليد العرفي يساهم مساهمة قيمة وفعالة في رفع معنويات الكتاب والشعراء المبدعين ويزيد من روح المنافسة لتقديم ما هو أرقى وأروع.

هذا من ناحية ومن ناحية ثانية يشكل بوصلة سليمة ونزيهة في توجيه القارئ العادي ولفت انتباهه. بعيداً عن أسلوب السوق الذي يعتمد على التكرار المتواصل الذي يؤدي إلى رواج حتى البضاعة الفاسدة.

شكراً للدكتور الشاعر وليد العرفي الذي يقدم لنا هذه الإضاءات في هذا لليل المدلهم الذي يطبق على ثقافتنا العربية. نحن بحاجة ماسة لما يقوم به مشكوراً من خلال صحيفة المثقف الغراء في هذا الزمن الذي شوهت  وتجاهلت فيه المنابر المستأجرة كل ما هو جميل وراقي في أدبنا في سبيل أن يسود الرديء والسيئ خدمة للنظام الرأسمالي المتوحش. وفي وقت غابت فيه المؤسسات النظيفة عن القيام بدورها الريادي في هذا المجال المصيري.

***

حسين فاعور الساعدي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم