صحيفة المثقف

ثنائية المجتمع والنظرية (1)

احمد الكنانيوقد توصف بالصراع بين المجتمع والنظرية فيما اذا صيغت النظرية على مقاسات المجتمع او أًريد منها إخضاع المجتمع لتقبل مواصفات النظرية .

اما النظرية بوصفها حلاً لاشكاليات المجتمع، قد تطابقه فتؤثر ايجاباً وهو المطلوب . 

وقد تخالفه فتؤثر سلبا، وهنا لابد من اصلاحها وتغييرها بما يناسب ومتطلبات المجتمع .

وقد يصار الى تغيير المجتمع في بعض مفرداته ليطابق النظرية وهنا تكمن المشكلة .

المتعارف في النظريات ايّاً كان منشأها تتعرض للتغيير والتبدل نتيجةً للخلل الحاصل  في التطبيق وهذه هي الحالة الطبيعية .

لكن الامر غير المتعارف هو القول بعصمة النظرية وعلى المجتمع ان يغيّر من سلوكياته ليطابق النظرية .

هنا تتشكل ثنائية غاية في التعقيد

ولعل تفكك المجتمعات وتشظّيّها بل وسقوطها نتيجة حتمية لهذه الثنائية .

ظهور التيارات المتطرفة وآخرها تنظيم داعش وما تبعه من سقوط الموصل وما نتج عنه من الرجوع الى مفهوم الخلافة هو نتيجة لصراع المجتمع والنظرية .

بروز الظاهرة الخمينية وقيام ثورة ايران على مبدأ ولاية الفقية هو نتيجة لتلكم الثنائية .

ظهور جماعة الاخوان واستنادها الى افكار سيد قطب المتشددة كذلك مردها ومنشأها صراع المجتمع والنظرية .

 المجتمعات الشرقية ليست الوحيدة في صراعها مع الايدلوجيات، وانما الغرب كذلك ومن المانيا بالتحديد حيث انطلقت مدرسة فرانكفورت وارادت اخضاع المجتمع لنظيراتها، في ردود افعال على الفلسفة الماركسية وصراعها مع طبقات المجتمع .

اذن صراع المجتمع والنظرية يقوم على ثلاثة انماط :

نظرية تغيرّ من ذاتها لتصبح اكثر انسجاماً مع المجتمع

نظرية ثابتة لا تتغير معصومة من الخطأ تريد تغيير المجتمع بما يناسبها .

نظرية تحاول التوفيق بين المجتمع والنظرية .

وهذه التوافقية فهي جهد اصلاحي يبقى في دائرة الاصلاح لا اتوقف عنده كثيراً .

ما يهمني التركيز عليه تلك المعصومة من الخطأ في جانبها الديني وخصوصاً الاسلامي لانها تدعي وصلاً بالاله .

وما رآه العالم من فجائع دولة الخلافة في ولاية نينوى من استرقاق الناس واستعبادهم هي مفردات من تلكم النظرية .

وفي الذكرى السادسة لسقوط الموصل سأُركز على المباني الفكرية لتلك التجمعات، اما الاسباب الاخرى العسكرية والسياسية وحتى الاجتماعية متروكة لذوي الشأن .

والحديث هو روئ فكرية بحته تلامس اقوال منظّريها، وليس بحثا استقصائيا، اما ان هذه التنظيمات ارهابية ولا تنتمي الى الدين، وانها صناعة امريكية او اسرائيلية  والنقاش عن اسسها الفكرية بلا جدوى، اقول هي تستمد نظرياتها من مفردات الدين لتطويع المجتمع وهذا هو موضوع المقال، والمجتمعات التي أُريد نثر البذور فيها  كانت ارض خصبة كأرض العراق والشام .

نظريات الإسلام السياسي كلها تقوم على اساس تعبيد المجتمع واخضاعه للنظرية، ولعل الابرز ما تضمنته ادبيات سيد قطب التنظيرية والتي قامت على اساسها جماعة الاخوان المسلمين .

سيد قطب كان وفياً للفكر الديني عندما اعترف بمبدأ القوة في نشر الدعوة، والمهادنة والمجادلة بالتي هي احسن ولكم دينكم ولي دينِ هي مرحلة انتقالية ريثما تتوافر نقاط القوة، هكذا قالها بصراحة ومن دون اللف والدوران .

اما عدم قبول المجتمع للفكر الديني فلابتعاده عن روح الدين وعودته الى الجاهلية،  وعليه لابد من اخضاعه ورجوعه الى حضن الدين، هكذا شخّص سيد قطب الداء .

سأقف قليلا عند سيد قطب الملهِم لأجيال التشدد .

الوقوف امام افكار سيد قطب تحتاج الى تمهيد بعض المقدمات :

هناك مصطلح عند مفسري القرآن يتداولونه عند حالة التضاد او قد يُسشعَر بين الآيات اسمه النسخ، مثاله الواضح والمثير هو آيات المجادلة بالتي هي احسن والصفح وما الى ذلك من الآيات النازلة في مكة الداعية الى الحوار السلمي مع الآخر .

تقابلها آيات واعدوا لهم ما استطعتم، وآيات التهديد والوعيد، وسورة التوبة على الاجمال، حالة التضاد هذه جعلت المفسرين يقولون بالنسخ، فآيات المدينة الآمرة بالقتال مبطلة لمفعول آيات مكة الآمرة  بالصلح والمهادنة .

وموضوع النسخ هذا طويل عريض استغرقوا في بحثه كثيراً، ما يهمّنا ان المفسرين انقسموا فيه الى طائفتين مثبتين للنسخ ونافين له.

يصنف سيد قطب في زمرة النافين للنسخ بين ايات الحرب والسلام، بمعنى ان الايات الامرة بقتال المشركين غير ناظرة ولا ناسخة لايات العفو والصفح وكذلك الايات الناهية عن قتال من لم يقاتل، بل والايات الداعية الى السلم بقول مطلق، مع التأكيد على ان ما ورد في سورة التوبة يمثل احكاما نهائية وقطعية لما يسميه سيد قطب "بالمنهج الحركي للاسلام ".ونفي النسخ الظاهر من كلمات سيد قطب لا يعني ان ايات السلام نافذة المفعول وكذلك ايات الحرب والعمل بكلاهما وفق مقتضيات الحال كما هو الواضح من معنى نفي النسخ، وانما القصد هو حاكمية شريعة الاسلام بكل ما اوتي المسلمون من قوة، لكن هنالك معوقات قد تعرقل تحقيق ذلك القصد لابد فيه من المهادنة والمصالحة الى حين العودة الى الهدف الاسمى .فهناك ايات تدعو الى السلم لكنها احكاما مقطعية جاءت لتعالج ظرفا معينا.وهناك ايات تدعو الى الحرب وتحكيم شريعة الله على عموم البشر، وهي احكام نهائية تمثل سياسة الاسلام المعلنة في التعامل مع الغير.فالاصل في المنهج الاسلامي هو الحرب ولاخيار غيره، السلام والمهادنة تكتيك مرحلي تفرضه موازين القوة والضعف، ولابد من التعايش معه.

 

 احمد الكناني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم