صحيفة المثقف

اعدام ميت

طارق الكنانيقد تصلح هذه المقالة حكاية طريفة تتداولها معاجم الطرائف والغرائب لأن فيها من الغرابة والطرافة الشيء الكثير، ولو حدثت هذه الحادثة بين اوساط الجهلاء لكان الأمر فيه بعض العذر ولا يخرج عن مفهوم التخلف وعقدة الشعور بالاضطهاد .والا ماذا يعني اصدار حكم بإعدام شخص قد مات قبل 1313 سنة لجريمة اقترفها قبل وفاته بعامين او ثلاثة...اتساءل واوجه سؤالي لهؤلاء الحمقى اين كان اجدادكم حين ارتكب المجرم جريمته، واخشى ان يكون من ارتكب الجريمة احد اجدادكم واجزم انكم احفاد الجيش الذي قاتل زيد بن علي، هذا اذا حسبنا الاستشهاد بالمعركة على جرائم القتل، فالمعركة التي تدور بين الجيوش ويقتل القادة فيها لا تسمى هذه جريمة قتل، ولكن هناك حوادث تحدث لبعض الناس من غير المشتركين بالمعركة أي المدنيين والاطفال هذه تسمى جرائم حرب وهناك عمليات تقوم بها الجيوش المنتصرة منها قتل المدنيين وقطع الاشجار وحرق المنازل وتحطيم الاثار والارث الحضاري وهذه تطلق عليها جرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية ..

لندخل الى اجواء المحاكمة ونرى ماذا حدث في هذه المحكمة المهزلة:

 أقامت نقابة المحامين العراقيين فرع النجف الاشرف أول محكمة تاريخية لمحاكمة قتلة الشهيد زيد بن الإمام زين العابدين بن الإمام الحسين (عليهم السلام) والتي حدث قبل 1313عام عندما ارتكبت بحقه جريمة مأساوية يندى لها جبين الإنسانية .

المحكمة التي أجريت في قاعة جامعة الكوفة والتي تألفت من ثلاث قضاة ومدعي عام ومحاميي الدفاع والمجني عليه ,حيث استمعت رئاسة المحكمة إلى شهادة الشهود وهم كل من الباحث والمؤرخ الأستاذ الدكتور حسن عيسى الحكيم ورجل الدين والباحث مهدي الحكيم والصحفي حيدر حسين الجنابي .

وبعد استماع المحكمة إلى ما أدلى به الشهود من معلومات وحقائق وملابسات الجريمة التي ابتدأت بالقتل وانتهت بالصلب على مدى أربع سنوات وبعدها حرق الجسد الطاهر بالنار ودق عظامه بالهواوين وذر بعضه في حوض الفرات ,والتي تم فيها أثبات العمل الإجرامي الذي أرتكب بحق الشهيد السعيد بن الإمام زين العابدين بن الإمام الحسين (عليهم السلام),إبان حكم هشام بن عبد الملك وبعدها أبن أخيه الوليد بن يزيد في عصر الدولة الأموية سنة 121هـ .

وبعد انتهاء المرافعات وسماع محامي المتهمين أصدرت المحكمة حكمها النهائي بالإعدام شنقاً حتى الموت بحق المدانين ,المجرم (هشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد بن عبد الملك ويوسف بن عمر والي العراق والحكم بن الصلت أحد القادة العسكريين في الجيش الأموي).

حيث جاءت المحكمة لتبيان جرائم النظام الأموي بحق الرأي العام الإسلامي وبالخصوص أهل البيت (عليهم السلام) ومنهم زيد بن علي (ع) لما كان له من مكانة علمية واجتماعية في ذلك الوقت .

وقد جاءت في إفادة الشهود الثلاثة العديد من الحقائق والمعلومات التي على أساسها أدانت المحكمة المجرمين المذكور أسمائهم أنفاً.

حيث بين الشاهد الأول الباحث والمؤرخ الأستاذ الدكتور حسن عيسى الحكيم ما جرى على الشهيد زيد من جريمة مأساوية منذ قتله وإخراج جسده الطاهر بعد ما دفنه أصحابه في نهر وأجراء الماء عليه خوفاً من عثور بني أمية على جسده الطاهر وبعدها حرقه بالنار ودق عظامه بالهواوين وذر بعضه في حوض الفرات وبعدها إرسال رأسه الشريف إلى الشام ثم نصبه على باب دمشق إظهارا للجبروت والبطش بأبناء النبي (ص) وبعدها إرساله إلى المدينة ومصر .

إما الشاهد الثاني رجل الدين والباحث مهدي الحكيم تحدث عن مكانة الشهيد زيد وتأثير ثورته في المجتمع الإسلامي ومنه تلميذه أبو حنيفة حيث تبرع بمبلغ من المال ليستعين به على حرب عدوه لعدم تمكنه من القتال معه لأنه كان مريضاً.

فيما أوضح الشاهد الثالث الصحفي حيدر حسين الجنابي إبعاد الجريمة التي ارتكبت بحق زيد بن علي باعتبارها ليس لها مثيل في التاريخ القديم والمعاصر التي استمرت أربع سنوات وأشترك فيها حاكمان أمويان ظالمان والتي لم يتطرق لها حتى المؤلفون في رواياتهم الخيالية التي تمثل في الأفلام والمسلسلات ,معتبراً قتل زيد بن علي هو قتل للرأي العام لأنه لم يكن شخصية اعتيادية ,فضلاً عن أن إعلام الحكام الأمويين كان يستخدم الترهيب والترغيب مع المجتمع أنا ذاك .

يذكر أن عقد هذه المحكمة من قبل نقابة المحامين في النجف جاءت على أثر التحقيق الصحفي الذي أجراه الصحفي حيدر حسين الجنابي والذي كان أحد الشهود في المحكمة.

هكذا جرت المحاكمة ولنتعرف على بعض الشخصيات كما تعرفنا على الشهيد زيد بن علي عليه السلام.

 زيد بن علي:(ع)

 بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبي الحسين الهاشمي العلوي المدني أخو أبي جعفر الباقر، وعبد الله، وعمر، وعلي، وحسين، وأمه أم ولد . روى عن أبيه زين العابدين، وأخيه الباقر، وخرج، فاستشهد. وفد على متولي العراق يوسف بن عمر، فأحسن جائزته، ثم رده، فأتاه قوم من الكوفة، فقالوا: ارجع نبايعك، فما يوسف بشيء، فأصغى إليهم وعسكر، فبرز لحربه عسكر يوسف، فقتل في المعركة، ثم صلب أربع سنين .

وُلد زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بالمدينة بعد طلوع الفجر سنة ست وستين أو سبع وستين من الهجرة . وأمه أم ولد من السند، وهي أم إخوته عمر الأشرف وعليّ وخديجة، اشتراها المختار بن عبيد الثقفي أيّام ظهوره بالكوفة بثلاثين ألفاً وبعث بها إلى الإمام زين العابدين: يقول عمر الجعفري: "كنت أدمن الحج فأمرّ على علي بن الحسين عليه السّلام فأسلّم عليه، وفي بعض حججي غدا علينا علي بن الحسين عليه السّلام ووجهه مشرق فقال: جاءني رسول الله في ليلتي هذه حتّى أخذ بيدي وأدخلني الجنة وزوّجني حوراءَ، فواقعتها، فعَلقَت؛ فصاح بي رسول الله: يا علي بن الحسين، سمِّ المولود منها زيداً. فما قمنا من مجلس علي بن الحسين رحمه الله ذلك اليوم وعليّ يقصّ الرؤيا؛ حتّى أرسل المختار بن أبي عبيد بأمّ زيد هدية إلى علي بن الحسين اشتراها بثلاثين ألفاً؛ فلما رأينا إشفاقه بها تفرّقنا من المجلس؛ ولما كان من قابل حججت ومررت على علي بن الحسين لأسلّم عليه، فأخرج زيداً على كتفه الأيسر وله ثلاثة أشهر وهو يتلو هذه الآية ويؤمئ بيده إلى زيد: ﴿هذا تأويلُ رؤيايَ مِن قَبلُ قد جعلَها ربّي حقاً)" . ويشهد لما تضمّنته هذه الرواية من قصة الرؤيا رواية أبي حمزة الثمالي المرويّة في مجالس الصدوق مسنداً إليه، وفي (فرحة الغري) للسيد ابن طاوس بحذف الاسناد.

 هشام بن عبد الملك الأموي القرشي:(71-125 هـ) (691 م - 743 م):

كان عاشر خلفاء بني أمية (حكم: 105-125 هـ/724-743 م)، في عهده بلغت الإمبراطورية الإسلامية أقصى اتساعها، حارب البيزنطيين واستولت جيوشه على ناربونه وبلغت أبواب بواتيه (فرنسا) حيث وقعت معركة بلاط الشهداء.

 مناطق حكمها الأمويون قبل عام 750 م

شهدت الفتوحات الإسلامية في عهد هشام بن عبد الملك تقدماً كبيراً.

ولد في دمشق. بويع للخلافة بعد وفاة أخيه يزيد عام 723 م. وتزايدت في عهده العصبية القبلية بين المضرية واليمانية، واشتعلت فتن وثورات عديدة في أنحاء الدولة: ثورة الخوارج والشيعة في الكوفة (بقيادة زيد بن علي بن الحسين)، والبربر في المغرب؛ وكذلك اضطربت الفتن في بلاد ما وراء النهر.

في عهده صار للدولة الأموية، إضافة للعاصمة الدائمة ومقر الخلافة دمشق، عاصمة صيفية وهي مدينة الرصافة على نهر الفرات بسوريا تسمى رصافة هشام عرفت بأنها جنات وبساتين مصغرة عن بساتين دمشق. اهتم هشام بن عبد الملك بتنظيم الدواوين، وعمل على رعاية العلم والثقافة، وترجمت في عهده الكثير من المؤلفات. عمل على إصلاح الزراعة فجفف المستنقعات وزاد مساحة الأراضي المزروعة على ضفاف الأنهار وفي أرجاء الدولة. واهتم بالتوسعات، وحقق العديد من الانتصارات على الروم وفي جنوبي بحر الخزر. تميز عهده بسيادة الأمان في بلاد الشام وأرجاء البلاد الإسلامية. توفي بالرصافة، ويعتبر آخر الخلفاء الأمويين الأقوياء . (انتهى)

في الدولة الاموية والعباسية حدث الكثير من هذه الثورات وكان القمع فيها كبيرا فثورة الحسين كانت اعظم واكبر شأناً ولكن احدا لم يحاكم يزيد لأن حكم يزيد لم يكن مؤثرا في التاريخ العربي الاسلامي وقضاها بالصراعات الداخلية ولم يؤثر في الوسط العالمي من حيث الفتوحات، وكذلك واقعة فخ في عهد موسى الهادي كانت شبيهة بواقعة كربلاء الى حد قريب بل القتل فيها كان اكثر بكثير ولكن احدا لم يحاكم موسى الهادي لأن فترة حكمه لم تكن سوى اشهر معدودة ولا ننسى امه اسمها الخيزران وهذه بحد ذاتها تعتبر من الحسنات عندهم .

- ان شخصية هشام بن عبد الملك وهو ثاني اقوى خلفاء العهد الاموي الثاني بعد ابيه عبد الملك بن مروان كانت تمثل نظام الدولة العربية الاسلامية واراد من خلالها هؤلاء محاكمة عهد بأكمله ولم يكن الموضوع صادرا عن رأيهم بل كان مدعوما من جهات خارجية ومجتمعات غير عربية مازالت تختزن ذاكرتها حجم الالم والفجيعة لزوال ملكها، وهي لم تستطع اخفاء هذا الحقد .

- عملية الهاء الشارع العراقي وتكثيف حجم الخرافات وتعميق الهوة بين اطراف المجتمع ومكوناته هدف استراتيجي للأطراف الخارجية التي دخلت العراق بعد الاحتلال الامريكي .

- عملية احراج المؤسسة الدينية في النجف والتي بدورها بادرت الى البراءة من هذه المحاكمة .حيث تعتبر هذه المؤسسة هي الاقوى والاكثر مقبولية في الشارع العراقي من غيرها من المرجعيات الدينية التي تتخذ من ولاية الفقيه منهجا لها .

- احراج المؤسسة القضائية العراقية حيث قامت الاخيرة بالبراءة من هذه المحاكمة ولكنها لم تستطع اتخاذ الاجراءات القانونية ضد القضاة لانتحالهم صفة القضاء دون مسوغ قانوني ورسمي خوفا من الاصطدام بمرجعياتهم السياسية.

- ان تقام هذه المحاكمة بإحدى قاعات جامعة الكوفة وهي جامعة حكومية معروفة برصانتها العلمية هو بمثابة ارسال رسالة لجميع الاطراف الداخلية والخارجية  عن تدني المنظومة الفكرية والثقافية في الجامعات العراقية التي لم تعد تصلح لمنح اية شهادة اكاديمية .

- تكريس الخلافات الطائفية بين مكونات الشعب العراقي واشعال روح الفتنة من خلال اذكاء روح المظلومية لدى بعض الاطراف العراقية وهذا يأتي ضمن مسلسل دأبت على تنفيذه جهات خارجية معروفة .

- اظهار المكون الاكبر في المجتمع العراقي بمظهر الموتور والحاقد وانه لا يمكنه تجاوز مخلفات الماضي السحيق في ادارة دفة الحكم بعيدا عن الاحقاد والثارات والترويج لمثل هذه الشعارات في كل مناسبة، وهذا ما يحفز بقية الاطراف في اتخاذ اجراءات وقائية للحيلولة من حالات الانتقام المتوقعة التي قد يلجأ اليها قادة هذا المكون .وهذا وحده يجعل من الوحدة الوطنية شيء صعب اذا لم نقل مستحيل في ظل هكذا ظروف .

نحن اذ نتعرض الى مثل هذه الحوادث التي تعتبر في نظر البعض تافهة وبسيطة بالتحليل والدراسة لأننا نرى فيها عظيم الخطر والاثر على مجريات الاحداث في بلدنا لنلفت عناية القارئ الكريم الى ما يراد بنا من امور في ظل غياب الوعي الجمعي الوطني وتفعيل الانساق الفكرية الطائفية المضمرة .

نحن لسنا مع الظلم بل ضد قتل المناضلين من اجل الحرية وزيد الشهيد علامة مضيئة في تاريخنا العربي الاسلامي وهم من نقتدي بهم في كل مراحل حياتنا، ولكن لا يمكننا ان نحاكم مرحلة تاريخية معقدة من تاريخنا العربي الاسلامي في ظل هكذا ظروف وبدون نظرة موضوعية للأحداث، فنحن لدينا شكوك كثيرة حول ما نقله التاريخ لنا من احداث ووقائع بسبب عدم وجود التدوين في حينها والاعتماد على الروايات الشفهية حيث جاء تاريخنا على شكل قصص وحكايات يتضارب بعضها مع البعض الآخر وهكذا درج مدونو التاريخ في عصرنا على نقل المتناقض والمشكوك فيه دون تحقيق علمي رصين، فجاء تاريخنا مشوه تشوبه الكثير من الاخطاء والخرافات التي ما انزل الله بها من سلطان .

لقد صدر الحكم بعد هذه المحاكمة المهزلة بإعدام (هشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد بن عبد الملك ويوسف بن عمر والي العراق والحكم بن الصلت أحد القادة العسكريين في الجيش الأموي ).

ولا نعرف من سينفذ الحكم ففي هذا القرار كان يراد ان يتم الحصول على التأييد الشعبي باقتلاع صفحات التاريخ التي ذكرت الحقبة الاموية الثانية فهم لم يكتفوا بإغداق الصفات القبيحة على هذان الخليفتان فهشام (الاحول) واما الوليد بن يزيد فمثالبه التي عددها التاريخ اكثر مما يسعها المجال رأينا الاعراض عنها واذا صدقت هذه المزاعم التاريخية فالأولى برب العالمين ان يعاقبه عليها لا على احراق جثة ميت مضت اربع سنوات على موتها .فهو الحكم الفصل بيننا واليه ترجع الامور.

انما هي امم قد خلت من قبلنا لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، دعونا ننظر الى الجانب المشرق من التاريخ اذا كانت هناك اطلالة حقيقية يمكننا من خلالها النظر بإيجابية تجاه ما نقله الرواة لنا . 

 

 طارق الكناني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم