صحيفة المثقف

غروب

سمية العبيديتنتمي للشمس كل أزمنة النهار وترتدي ظلالها وطناً وتغرف من ضياء الله خصلاً كاملة البهاء أو دون ذلك، والغروب مبذل يرتديه النهار عند استرخائه، وموجة كسلى يركبها الجهد لتعبر به رواق الراحة الى جهاد يوم آخر . عند الغروب ترتخي معاصم الصحو عن قبضاتها وترتد المواسم متعبات من عمل بغير إجازة وبلا فتور . هو نقطة في آخر السطر وربما فارزة فقط . والغروب وشاح شفاف من صنع الله يشي بما وراءه من هدوء ملزم ومسبق ومخطط له لا بيد الإنسان العجول نفسه . ترتخي فيه المباهج وترقد الأحزان في ثواني الانتظار حتى يوردها الليل الى واد مختلف آخر، يكون الحلم فيه هو مغسلة الوجع ورافعة التعب عن كتف المعنى عن عينه التي ثقبت النهار وثقبها الونى وعن قدميه التي قاست طول الدروب بلا مسطرة وعن يديه اللتين ما كفتا عن الثرثرة بألفاظ العمل المتنوعة الأبعاد والبوح بما بين السطور وعن رأسه الذي تتصارع فيه الأفكار مثل رأس نخلة تتشابك سعفاتها وهي ترقص للعواصف سواء أكانت مبتهجة بها أو عكس ذلك . مثل صماء تفتعل الطرب لتجاري الآخرين كي لا تكون نشازاً في حلبة رقص أو موكب عزاء . وأنا أحب الغروب مهداً وعرشاً لأفكـــار أُوشك أن أعانقها ولمسات من حزن شفيف يفترع قلبي ليطهره من أخطاء لم أرتكبها ويزرع في صدري نوايا حسنة ما عدت أقدر على تنفيذها وسياحة في أرض الله التي لم أشاهد وإن كنت أنوي زيارتها، وموجات هادئة تحملني ما عادت تهدهدني مثل طفلة تحلم بالغيث الذي لم يقترب من سوح لعبها وبالدمية التي لم تحتضنها قط . وبلوحة الرسم التي سقطت من بين يديها في دروب الحياة ومنعطفاتها وتحلم بألوانها العديدة البهية التي استعارتها من " قوس قزح " فتبعثرت من بين قبضات الزمان المتعجرفة فما عادت تسعفها وقت الحاجة، هي تحلم بصديقة -موصلية - غامضة في عمق الطفولة ما عادت تذكر حتى اسمها وإن احتفظت بلقبها ومكان لعبهما "  المسبح المنزلي الجاف " مثل إيقونة من سراب . الغروب عندي شبكة بين نخلتين أجدني مستلقية فوقها أسيرة عقدها الهشة ترسل لي أمواج ذكرى لما لم أفعل بل لما تمنيت وخططت بلا يد من ذوات العزم تطيق تحقيق أمنيات الطفولة وأحلام الشباب . الغروب مقدمة مشوقة لليل طويل لا صحو من أحلامه التي لا نخطط لها ولا نستدعيها بغفواتنا بل هي التي تهتبل فرصة ركودنا وضعفنا لتغزونا بأطيافها الحلوة أو المرعبة كما تشاء وتريد دون أن نملك مقوداً طيعاً نعطفه حيث نشاء  ومتى نشاء . فالليل لعبة القمر ونحن بيده لعبة، أما الغروب فهو لنا ساحة نخلع فيها عن أكتافنا عباءات التعب ونقطف الأماني العزيزة باقات من نرجس أو إضمامات من بنفسج لنصنع عطورنا الخاصة بأيدٍ من أقاح .

***

سمية العبيدي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم