صحيفة المثقف

حسن الخلق والخيارات المفقودة

عبد الخالق الفلاحخسارة الانسان‏ ليس بالامر الهين والفقدان الم ووجع يصيب الافراد المتبقين منهم ويُولد ابن ادم ليجد نفسهُ في عالم يتوقع منه الكثير ويفرض عليه الكثير، يجدُ نفسهُ ضمن جماعة لها عاداتها وتقاليدها ويتربى كل مولود وفق تلك القواعد الإجتماعية الخاصة... وتختلف الأُسر في تنشئة ابنائهم، وهنا لاشك فيه مهما يكون التمايز والإختلاف الثانوي بين الأفراد حتمي لا محال، اوثمة شكلٌ عام يتشابه به الجميع، ،ولكل فرد ذاته المُتميزة، والخسارة الحقيقية تكمن في سماتها التي تتمثل في  : خُلفُ الوعد، ونقضُ العهد، وإبطالُ الميثاق، والإفسادُ في الأرض ببثِّ الشُّبُهات، وإثارة الشهوات ورعايتِها هي أكثر للنفس شيوعًا، تضاف لها فقدان الإنسان لذاته بسبب زيادة الملذات التي تسيطر على خلقه ، وبحوزته ما قد حفظه وفهمه من تجارب شخصية ودروس نظرية تعلمها من التجارب اليومية السيئة ومن شتّى المصادر، تتدفعه في عيش الحاضر ومُحاولة العيش قدر المُستطاع ليوكب" العصر" كما يشاع ، بشكلًا خارجيًا مجبراً علية مع مقتضيات الوضع الاجتماعي الذي بات أمرًا غالباً ومألوفًا في حياة البعض وبرغبة مُلحة في نيل رضى وقبول ومحبة الآخرين فقط ، والإنصهار الخاطئ بالمجموع وفُقدان الثقة بالخيارات الشخصية..قد قال سبحانه وتعالى-: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) البقرة: 27].ولكن ليست خسارة المال والمنصِب أو الوظيفة أو التجارة، الخسارة الحقيقية انما هي خسارة باقية الآجِل، ومتاعُ الدنيا ليس مِقياسًا للرِّبح والخسارة؛ فكم من رابحٍ في الدنيا وهو خاسرٌ في الاخرة ، وفي القران يقول سبحانه وتعالى : (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الزمر15: ،

"المعطي" من أسماء الله الحسنى، ويبقى حاملا أثره الطيب في حياة أناس يعرفهم صاحبه، وهذه ربما أجمل أشكال العطاء،والمعطي سبحانه هو الذي أعطى كل شيء خلقه وتولى أمره ورزقه في الدنيا والآخرة، وقد قال الله تعالى عن موسى عليه السلام وهو يصف عطاء الربوبية: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (طه: 50). وقال تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى}(سورة الضحى 5)، ويعتبر العطاء واحداً من أجمل الصفات التي تتواجد عند الإنسان والعطاء من دون مقابل سلوك إنساني كبير، وبقدر ما يمارسه الفرد منا بقدر ما ترتقي مكانته الإيمانية، ولكن طبيعة العصر الذي نعيش فيه ومتطلباته المتناثرة بكل الاتجاهات تجعل الصمود في التمسك بتلك الممارسة الفاضلة أمرا شديد الصعوبة، لكن المسألة تبقى نسبية بين الأفراد كل حسب قناعاته ودرجة إيمانه ،الشخص السوي الذي يعطي لوجه الله دون النظر للمقابل ولردود الأفعال فإن نفسه تكون هادئة لا تتأثر ولا تتعب لتغير ردود الأفعال هو يُساعد على زيادة المحبة والآلفة بين الناس وعلى التخلص من مشاعر البغض والكراهيّة.فعندما نستشعر معنى أسم الله المعطي ومعاني الآيات وإن كان لها سبب نزول إلا أنها تتواصل مع كل إنسان فيشعر بها بقلبه وجوارحه، ولابِد في ذلك.

لقد خص الله الانسان وزوده بالقوة العقلية الحكيمة التي توصله بربه وله أخلاقيات وصفات طاهرة ، يمكن من خلالها أن يسمو على أشرف الملائكة او خبيثة ينحطّ إلي مرتبة أدنيٰ من الحيوانات، وليست إلاّ بطاعته لربّه الّتـي تكون ضابطاً وملاكاً مستوياً وبالجملة فهو مخلوق منه بأفضل صورة وأحسن خلقة مما يجعله الأفضل من بين سائر المخلوقات التي تؤهله لعمارة الأرض وسكنتها وقضاء الله بتكريم جنس البشر لحظة إيجادهم، تكريمًا من حيث الصورة والمعنى، وقضى لهم بأسباب الرفعة والفضل بشكل مبرم: (وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء: 70)،والتفضيل كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف، وبه يعرف الإنسان ربه ويفهم كلامه، ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله وخصّ الله الإنسان في خلقته دون سائر خلقه؛ فقد خص الملائكة بالقوة الروحية العقلية الحكيمة دون الشهوة، وخص البهائم بالشهوة دون القوة الروحية العقلية، ولم يخص الجمادات والنباتات بشيء من ذلك. والانسان له " نفس مطمئنة، وأخريٰ أمّارة بالسوء. وهو مختار غير مكره فـي القيام بأعماله وعباداته، وهذه ميزة لم تتوفّر عليها سائر مخلوقات العالم، لقد خلق الله الإنسان من طين، ونفخ فيه من روحه، وصوره أحسن صورة، وعلّمه الأسماء كلّها، ثم باهي به كأفضل مخلوق. وبلوغ الإنسان أعلي رتبة المخلوقات الإلهية جعله مؤهّلا ـ من بين كلّ المخلوقات ـ لتحمّل أعباء الخلافة الربانية علي الأرض، وحمله الأمانة الإلهية، الأمانة الّتـي بقبولها وتحمّلها يمنح الإنسان الولاية علي الكون كلّه. إنّ الانسان بقبوله للولاية الإلهية، وبعيشه فـي ظلّها، وبتطبيقه للتعاليم الربانية ـ سيصل إلي أسميٰ المراتب الّتـي لم يبلغها أيّ مخلوق من المخلوقات، وفـيها بيان لأهمّية الإنسان وقيمته ومحلّه من الوجود"ا وأرق النفس وأنبلها هي تلك التى تقدم الخير إلى الجميع بلا تمييز أو شروط أو مقابل! فكل ما يجب ان تهتم به هو رسم السعادة فى حياة الآخرين؛ وللعالم اجمع فمن يرحم الآخرين يُرحم، الله  ومن يُفرِّح القلوب هو أيضاً يغمر الفرح قلبه. قبل ان تأتي سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ، والاية الكريمة (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ  (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ  (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ  (16) (المؤمنون...صدق الله العلي العظيم.

 

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم