صحيفة المثقف

الشروگیة والمعدان

طارق الكنانيالشروكية: لقد اختلف كثيرا في معنى كلمة الشروكي وتناولها عدة باحثين لما لهذه التسمية من دلالات اجتماعية مهمة تخص النسبة الاكبر من سكان العراق. ينسب البعض هذه التسمية الى الشروباك وهي كلمة سومرية تعني السكان الاصليين، ويقول بعض الباحثين انهم يقصدون بهذه التسمية اولاد شيروكين الملك العادل، ويقول البعض ان المقصود بها الشرقيون حيث جاءت كلمة الشروك من الشرق وتعني ابناء الشمس أي ابن الالهة لأنهم كانوا يعبدون الكواكب،وهناك من يقول انهم جاؤا من الهند مع جاموسهم وهذا رأي حديث حاول اصحابه النيل من فئة معينة خلال فترة محددة قاد بها هؤلاء السكان تمردا قويا ضد السلطة، هناك رأي اخر وهو ان السكان الذين سكنوا شرق الفرات اطلق عليهم الشروكية وتعني الشرقية وعلى عكسها يطلق لفظ الغربية على سكان مناطق غرب الفرات

لقد اثارت انتباهي هذه التسمية في عقد السبعينات عندما كنت طالبا في بغداد وجدت تسمية الشروكية منتشرة بشكل كبير وكانت تطلق على الناس الوافدين من المناطق الجنوبية الى العاصمة والذين تم توطينهم في مناطق معينة من العاصمة بعد ان منحهم الزعيم عبد الكريم قاسم اراضي سكنية في منطقة الثورة بالرصافة والشعلة بالكرخ ومما تجدر الاشارة اليه ان هؤلاء هم من سكان الجنوب ولم تطلق هذا التسمية على النازحين من المناطق الغربية والاعتقاد الغالب ان من اطلق هذه الصفة واستخدمها هم سكان المناطق الغربية النازحين الى بغداد للتمييز بينهم ولكن مع مرور الوقت اتخذت هذه التسمية صفة غير مرغوبة بها.

ان الامتداد الجغرافي لهؤلاء السكان الوافدين الى بغداد هو الجنوب فهم من المحافظات الجنوبية مثل ميسان والبصرة وذي قار وهذا الامتداد اكسبهم طبائع ومواهب عديدة فهم يمثلون الرئة الثقافية والفكرية والرياضية والفنية لبغداد في الوقت الحاضر وهم يمثلون الحراك الشعبي والثقافي حيث اصبحوا بمرور الزمن الاغلبية المطلقة حيث يشكلون اكثر من 50% من سكان العاصمة وضواحيها.

المعدان:

تسمية قديمة جدا وقد وردت على لسان المنذر بن المنذر في عدة مناسبات وعلى عدة روايات نورد احداها وهي الاقرب للحقيقة:

كان ضمرة بن ضمرة يغير على مسالح، جمع مسلحة – وهي الحامية العسكرية للمناذرة ملوك العرب في ذلك الوقت – وكان أحيانا ينقض على أطراف مملكة المناذرة وينهب منها ما ينهب، لذا ارسل المنذر بن المنذر بن أبي النعمان سرايا عسكرية لقتل ضمرة بن ضمرة أو القبض عليه، ولكنها عجزت عن ذلك فقد كان يتحصن بمجاهل الصحراء بحكم خبرته بمسالك الصحراء وبموارد المياه، فهو فارس شجاع لا يقعقع له بالشنان. وأخيراً أضطر المنذر ملك العرب أن يهب ضمرة بن ضمرة ألف من هجائن النعمان المشهورة، وقد جاءت القصة في كتاب أنساب الأشراف كما يلي:

وضمرة هو شقة بن ضمرة بن جابر، كان شاعراً. حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن المفضل وغيره قالوا: كان ضمرة بن ضمرة يسمى شقة بن ضمرة، وكان ذا رأي، فبلغ المنذر بن المنذر أبي النعمان بن المنذر قال له: من أنت؟ قال: شقة بن ضمرة. قال: تسمع بالمعيدي لا أن تراه. يقول: يعجبك أن تسمع بالمعيدي لا أن تراه، ويقال إنه قال: لأن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فقال شقة: أبيت اللعن، إن القوم ليسوا بجزر أي بغنم تجزر، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا نطق نطق ببيان، وإذا قاتل قاتل بجنان، والرجال لا تكال بالقفزان، فأعجب المنذر بما سمع من منطقه، فسماه ضمرة باسم أبيه، وكان أبوه أثيراً عنده، وكان من رجالات بني تميم. وهذا مختصر جدا لخبر المعيدي .

وقد ورد ايضا عن عمر بن الخطاب (رض) حين وفد عليه وفد العراقيين قيل له يا امير المؤمنين ان وفد (المعدان) قد وصل فعند ذهابه للقاء هذا الوفد وجدهم يتكلمون بصوت عال ولا يهابون شيء ولم يخاطبوه بأمرة المؤمنين انما خاطبوه باسمه فردد قول المنذر بن المنذر واضاف اليه (ان تسمع بالمعيدي خير من ان تره وان تراه خير من ان تكلمه).

ما هو معنى كلمة 'معدان'؟

المعدان ومفردها معيدي وهو الاسم الذي يعرفون به في اللهجة العراقية وكذلك يسمون باللغة الإنكليزية (Marsh Arabs) والتي تعني عرب الأهوار هم مجموعة سكانية عراقية موطنها الأصلي منطقة أهوار جنوب العراق.

اعتاد العراقيون ان يطلقوا كلمة معيدي على سكنة الاهوار كما اعتادوا ان يقصدوا بها معنى سلبيا وللتصغير من قيمة هذا الشخص والتقليل من شانه .. وقد قال البعض ان اصل كلمة معيدي اتت من كون الناس في هذه المناطق كانت على الدوام معادية للدولة والحكومات وتختبئ في قتالها للدولة بغابات القصب الكثيفة حيث يصعب تعقبهم .. ولكن بالبحث والتحري اتضح انه هناك رأي آخر في اصل كلمة معيدي والتي غالبا ما يقصد بها الاساءة الى هؤلاء الناس المبتلين بهذه التسمية .. هنالك مرادف لهذه الكلمة في اللهجة المصرية وهي كلمة المعدي (بفتح الميم والعين) وهي تعني الشخص الذي يستخدم قاربا او زورقا كوسيلة للتنقل في الانهار والبحيرات والمسطحات المائية.. ولان سكان الاهوار يعيشون على مناطق من مسطحات مائية واسعة ويبنون بيوتهم بشكل فني فوق هذه المسطحات المائية المسماة بالأهوار.. فكان لابد لهم من استعمال القوارب والزوارق كوسيلة للتنقل وقد اشتهروا باستعمال المشحوف كوسيلة تنقل بين تجمعاتهم السكنية المقامة على هذه المسطحات المائية الشاسعة وكلمة معيدي بالأصل هي نفس الكلمة بالدارجة المصرية اي المعدي او المعداوي .. ولكن بما ان العراقيين مولعون ومغرمون بالتصغير فقد انقلب المعدي الى المعيدي والمعداوي الى المعيداوي .. اي مستخدمي الزوارق للتنقل.

وهناك رأي آخر لتسمية المعيدي حيث اطلق على مربيّ الجاموس حصرا فهؤلاء يمتازون بقوة جسمانية فريدة وجمال الشكل،وطباع مختلفة عن بقية افراد المجتمع وهم غير محصورين بمنطقة معينة حيث نجدهم في الوسط والجنوب على حد سواء ويطلق عليهم اسم المعدان, وبما انهم امتهنوا تربية الجاموس فقد امتازوا بصناعة خاصة وهي صناعة مشتقات الحليب مثل القيمر والجبن والحليب وقد وردت كلمة المعدان في التراث الغنائي العراقي حيث غنّت المطربة وحيدة خليل رحمها الله (لحزن حزن معدان وارچی العصّابه واتنخی بالعباس من هالطلابه).

المعدان ومفردها معيدي وهو الاسم الذي يعرفون به في اللهجة العراقية وكذلك يسمون باللغة الإنكليزية (Marsh Arabs) والتي تعني عرب الأهوار، وهم مجموعة سكانية عراقية موطنها الأصلي منطقة الأهوار في جنوب العراق . حيث يشكل المعدان الغالبية من سكان الأهوار لكنهم ليسوا كل سكان الأهوار، ونسبتهم في الأهوار الشرقية أكبر من الأهوار الغربية، إذ أنتقل المعدان في السنوات الأخيرة وبفعل عدة عوامل من بينها عمليات الاعدامات لسكان الاهوار وعملية تجفيف الأهوار بعد عام 1991م إلى مدن مجاورة وإلى خارج العراق. ويتميز المعدان بتربيتهم للجواميس واعتمادهم على صيد الأسماك كمصادر للمعيشة. كما يتميزون ببناء صرائف من القصب ذات طراز معين تسمى المضيف وهو عبارة من بيت مصنوع تمامأ من القصب والحصير الذي يصنع من القصب وقد يتكون من صالة رئيسيه ويجلسون الضيوف متكئين متقابلين علي اعمده من القصب وعادة يكون الموقد في وسط المضيف إضافة إلى قوارب مصنوعة من القصب تساعدهم في صيد السمك تسمى المشحوف، رغم أن الميزتان الأخيرتان يشترك فيها المعدان مع فئات أخرى من سكان جنوب العراق.

وورد ايضا عن الباحث العراقي عباس العزاوي يقول في كتابه عشائر العراق أن المعدان أو المعادي هم مجموعة تمتهن تربية الجواميس كما أنه يقول أنه لا يرى أثراً للهنود أو الإيرانيين فيهم ويعتقد أن الزعم بوجود أصل عراقي قديم فيهم مثل الأصل السومري لا يتجاوز حدود التخرصات "و الكلام للعزاوي". حيث يذكر أن الكل متفقون على أنهم عرب, وأن تربية الجاموس لا تحقق أصلاً غريباً. وإنما تعين حاجة اقتضتها الحالة ولا يبعد أن يكون الجاموس موجوداً قبل الفتح (الفتح الإسلامي للعراق) فاستمر وتدرب العرب على تربيته أو أن الذين تعهدوه قد اندمجوا فلم نعد نفرق بينهم وبين السكان الأصليين.

وقام مجموعة من الباحثين منهم نادية الظاهري، وماريا بالا، وفينتشينزا باتّايا، وفيولا غرونغي، ومحمد الحمود واخرين على عينات من الكروموسوم واي والحمض النووي الميتوكندري mtDNA في 143 شخص من عرب الأهوار وكشفت التحليلات للمجموعات الوراثية Haplogroups والمجموعات الوراثية الفرعية sub-haplogroups التي تمت ملاحظتها في عرب الأهوار عناصر أصيلة منتشرة في الشرق الأوسط في المجموعات الجينية الذكرية والأنثوية على حدٍ سواء، يوحي الأصل الشرق أوسطي الشائع للسكان الحاليين لأهوار جنوب العراق بأنه إذا ما كان عرب الأهوار من نسل السومريين القدماء، فمن المرجّح أن يكون السومريون أيضاً من السكان الأصليين .في عام 2011 اثبتت دراسة علمية ان معظم المعدان لديهم نسبة مرتفعة 88.1%من السلالة الذكورية J1 وهي سلالة منتشرة بین غالبية العرب خاصة اليمنيون وبالشرق الأوسط وشمال أفريقية وجد 41% من المسيحين في سوريا لبنان والعراق هم من هذه السلالة اما السلالات الانثوية المكتشفة لديهم فهي السلالات J,H, T,U.

كذلك قد تكون (معدا) مصدرها من مجموع كلمتين (مو) ماء بالسومرية و(دا) وتعني ثقل أو كتلة أو جسم يتخذ شكلا خاصاً . أو لؤلؤة الماء حسب قاموس المعاني ومنها جاءت تسمية (دان) اي قذيف المدفع القديمة، وبالتالي فمعدان قد تعني (لؤلؤة الماء أو كتلة الماء) وذلك لارتباطهم بالماء في الأهوار وسرعة تحركهم فيه بواسطة الزوارق أو السباحة التي يتعلمونها أطفالاً ويبرعون فيها.

يذكر ان المعدان كانوا يسمون في العصر العباسي بقبائل المعادي. ويوجد قول جاهلي يقول: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. القول الجاهلي ينطبق على طائر ذو صوت جميل وشكل بشع ومن هنا جاءت التسمية على ما يظن المؤرخون.

خلاصة القول:

لقد ارتبطت او اختلطت تسمية الشروكي مع تسمية المعيدي. كونهم يمثلون طبقة سكانية واحدة واصول عشائرية واحدة يسكنون نفس المنطقة وتجمعهم صفات واحدة فهم يختلفون بثقافتهم ونزعاتهم عن بقية سكان العراق فهناك حيث بدأت اولى الحضارات في الكون لابد لها ان تضفى صفات ومميزات خاصة لأصحابها،حيث يمتاز سكان هذه المناطق بغزارة الانتاج الثقافي والفكري والفني. وهذا الانتاج لا يقف عند عصر معين دون غيره فـ (الشروكي) والمعيدي هو اصل كل الفنون،لقد حاول الكثير الانتقاص من المعدان و الشروكية لا لشيء الا لأنهم مختلفون في نمط التفكير والتقاليد الاجتماعية وهذا لكونهم من الامم العريقة التي تجذرت فيها العادات والتقاليد وليس من السهل عليهم مغادرة هذه الطباع حيث اصبحت مغروسة في الجينات الوراثية لديهم حتى قيل في شخصيته الكثير،(لما كانت البيئة في الأهوار معزولة نسبياً عن ضجيج المدن حيث تعقدّ الحياة وتوفر التعليم والوظيفة الحكومية والتجارة وسواها من المهن على اختلافها ينشأ (المعيدي) صادق القول صريح اللسان لا يجيد الاحتيال، سليم الطوية على ذكاء فطري، في العصور الحديثة، وبعد قيام الدولة العراقية في عشرينات القرن الماضي، استخدم مصطلحي المعيدي و الشروكَي بقصدية هدف منها الطعن بعشائر الجنوب خاصة لأسباب طائفية / سياسية، فقد قاموا بسلسلة من الانتفاضات والثورات ضد الحكومات المتعاقبة، استمراراً لانتفاضاتهم ضد الاحتلال العثماني) وكانت الأهوار توفر لهم البيئة المناسبة لاتخاذها كقواعد انطلاق وحماية وتجمّع وأمداد وتخزين للسلاح والعتاد والتموين وما شابه.

وذا اردت ان تعرف المعيدي فهناك ثلاث اشياء: (اذا اكل دمر هدومه واذا اشتم ريحة الدواء يزوع (يتقيأ) وما يصدك الا تحلفله بالعباس).

وللدكتور محمد المندلاوي رأي مغاير لما اوردناه يعارض فيه صاحب كتاب المفصل في تاريخ العرب . فيه الكثير من الغرابة حيث يقول ان المعدان هم الاكراد وان اللغة الكردية هي اللغة السومرية .

 

طارق الكناني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم