صحيفة المثقف

استدعاء التراث الغربي في قصيدة جـمال مصـطـفـى:

نزار سرطاوي"حـانُ ديـكِ الـجِـن: وَرْد"

يحملنا الشاعر جمال مصطفى على متن قصيدته "حان ديك الجنّ: ورد" الفًا ومائتي عامٍ أو نحوها إلى الوراء – إلى ذلك الشاعر العربي العباسي الذي ما عبئ يومًا بالشهرة أو المجد – ولعله كان بهما أجدر وأولى من الكثيرين من شعراء عصره. لكنه نأى بنفسه عن بلاط الخلفاء والولاة ومجالسهم وترفّع عن التزلف إليهم بالمدائح، مكتفيًا بحِمْصه وورده وكأسه – الشاعرِ الذي سعى معاصرُه أبو نواس إلى ملاقاته، وأستعار أبو الطيب المتنبي شيئًا من عباراته ومعانيه الشعرية الجميلة، كما يشير بعض النُقاد، وتأثر به شعراءُ كُثر تأثّرًا يستحق أن يكرس له النقاد ومؤرخو الأدب والأكاديميون شيئًا من الجهد.

اللافت في قصيدة "ديك الجن" أنها تشتمل على إحالات تراثية ذات دلالات فنيّة تستحق الوقوف. وهذه سمة يلمسها القارئ في العديد من قصائد جمال مصطفى.  وعلى سبيل المثال، فإنّ قصيدة "سهرة مع التوحيدي والخيام"، التي جعل الشاعر قافيتها مماثلة للسجع القرآني في سورة "الرحمن"، يتكرر فيها التناص مع تلك السورة بعينها. وعلاوة على ذلك فإنّها تزخر بالإحالات التاريخية والجغرافية والفكرية والمعرفية والعلمية والفلسفية والأدبية والشعرية والفلكلورية وسواها، التي ربما أراد الشاعر من خلالها أن يعبر عن إجلاله لهذين الأديبين العالِمين الفيلسوفين اللذين ينتميان إلى حقبتين تاريخيتين مختلفتين يفصل بينهما ما يزيد على 12 عقدًا من الزمن. والأمر نفسه ينسحب على قصيدة "هاروت وماروت". فبالإضافة إلى التناصّ مع الآيات القرآنية، يستحضر النصُّ شيئًا من التراث الديني الإسلامي (البراق) واليهودي (يهوه، وبابل التي بلبل الله ألسنة شعبِها، كما هو مذكور في العهد القديم، سفر التكوين)، والأسطوري (العنقاء، والرخ)، والعلمي (الجاذبية) والطقسي (الأضاحي) وغير ذلك.

لعل من نافلة القول إن الإحالات في قصيدة "ديك الجن"، كما في القصائد الأخرى للشاعر، ترتبط في معظمها بالثقافة العربية والإسلامية – الثقافة التي تَربى جمال مصطفى في أحضانها؛ لكنها لا تخلو من فلتاتٍ فيها استدعاءٌ للثقافة الغربية، التي من الواضح أن الشاعر نال منها نصيبًا غير قليل. لكن الفرق بين هذه وتلك لا ينحصر بالكم وحسب، بل يتعداه إلى أسلوب التناول. فالإحالات المرتبطة بالموروث الثقافي العربي والإسلامي تأتي على الأغلب صريحةً ومباشرة؛ وفي وسع القارىء أن يلتقطها دون عناء يُذكر. فثمة الكثير من حالات التناص القرآني والإشارات الدينية التي تتناثر في القصيدة، ابتداء بالعبارة التي تسبق النص الشعري: "يا أيتهـا الـوردة الـمذبوحة/ اصعـدي إلى ربكِ نافـورةً قانية"، والتي تحاكي في تركيبها اللغوي الآيةَ 27 من سورة الفجر؛ مرورًا بمفردات إسلامية (الوحي، فردوسي، وضوء، نهر خمور، سلسبيل، كوثرية، السورة، الآية، وقل جاء)؛ وانتهاءً بأذان الديك (في تورية يُقصَد بها ديكُ الجن نفسه) وصلاته في ختام القصيدة. علاوة على ذلك فإن القصيدة تشير إلى طقس العمادة المسيحي، كما تستحضر الشاعرَ العباسي المتصوف الحلاج، الذي جاء بعد ديك الجن بنحو 80 عامًا، وزرقاءَ اليمامة، التي عاشت في العصر السابق للإسلام.

بالمقابل فإنّ الإشارات والإحالات التي تستدعي التراث الغربي في القصيدة تبتعد ابتعادًا بائنًا عن المباشرة. فليس ثمّة ذكرٌ لأية أسماءٍ أو شخوصٍ أو أماكن أو أحداثٍ بارزة يرشدنا إلى الأصل. بل هي لمحاتٌ عابرة تتعلق بمصدرين، أحدهما أسطوري، وهو مأساة إيكاروس الإغريقي، والثاني درامي وهو مسرحية عطيل للشاعر الإنكليزي وليام شكسبير. وما نحن بصدده هو أن نقرأ هذه اللمحات في سياقها لنقرر إن كانت قد جاءت بمحض الصدفة أم أن الشاعر أوردها بصورةٍ واعية لتأخذ مكانها في بناء القصيدة.

 * * *

تتحدث أسطورة إيكاروس، التي تعرّض لها الشاعر، عن شابٍ مغرور أفضى به طيشه إلى الهلاك. وإيكاروس هذا هو ابن المهندس والحرفي اليوناني ديدالوس، الذي كان رمزًا للحكمة والمعرفة والقوة. تقول الأسطورة إن مينوس، ملك جزيرة كريت، سجن ديدالوس وابنه إيكاروس في المتاهة التي بناها له ديدالوس. فوضع ديدالوس خطة للهرب من الجزيرة، إذ صمم لنفسه ولابنه إيكاروس جناحين من الريش جمعهما وثبتهما بالشمع ليتمكنا من الطيران. ثم أوصى ابنه أن يطير على ارتفاع معقول، فلا يبالغ في الارتفاع حتى لا يقترب من الشمس فتذيبَ جناحيه ولا في الانخفاض فتُحدِثَ رطوبةُ البحر فيهما انسدادًا يشل حركته. لكن إيكاروس تجاهل نصيحة والده وراح يعلو ويعلو إلى أن اقترب من الشمس فذاب جناحاه، وهوى في البحر ميتًا.

لم يأتِ جمال مصطفى في قصيدته على ذكر إيكاروس بصورةٍ مباشرة، بل اكتفى بإشارة سريعة إلى الشمع والريش في بداية القصيدة حيث يصف الهبوط إلى "ورد - حان":

أهـبـط الآنَ إلـيـهـا

بِـ

جَ

نـا

حَـ

يْـنِ

وقـد ذابَ فـلا شـمْـعَ يَـشـدّ الـريـشَ

يـا أرضـي الـوحـيـدهْ

وهكذا لا يلتزم جمال مصطفى بالأسطورة كما هي؛ بل إنه يعكسها على ما يبدو لتنسجم مع حكاية ديك الجن، عبد السلام بن رغبان الحمصي، وورد بنت الناعمة. ففي الأسطورة الأصلية يسعى إيكاروس إلى مغادرة جزيرة كريت، في حين أن ديك الجن، الذي يتقمص بطلُ القصيدةِ شخصيتَه، يعود إلى ورد، التي غدت بالنسبة له مكانًا ابتدع له جمال مصطفى أسمًا خاصًا: وردَ – حان، هو أقرب إلى اسم مدينة أو دولة. لكنه مكان ذو حدودٍ لا كالحدود:

حدُّهـا الـبحـرُ شمالاً

وصحارى التيهِ والوَحْيِ جنوبا

والغواياتُ التي ـ ـ ـ ـ ـ ـ غرباً

وكـانْ

شرقَها الأخضرَ غابُ الخَيزرانْ

كذلك فإن الشمع الذي ثبّت به إيكاروس جناحيه ذاب بسبب اقترابه من الشمس، بينما يذوب الشمع عن جناحيْ ديك الجن، على ما يبدو، بسبب اقترابه من ورد - حان، وكأن حرارة ذلك "المكان"، أو ربما التهاب مشاعره عند الاقتراب منه، يذيب الشمع. وقد جعل الشاعر حروفَ كلمة "بجناحين" منفصلة ورسمها بصورة عمودية بحيث تمثل الهبوط وتَبعثُرَ الريش معًا بعد ذوبان الشمع. أما المفارقة الأخيرة فهي أن إيكاروس يهوي فيلاقي حتفه، بينما "يهبط" ديك الجن بسلام عائدًا إلى أرضَه الوحيدة، معشوقته.

لقد جاء اختيار وتوظيف جمال مصطفى لأسطورة إيكاروس في "ديك الجن" فريدًا. فهو لم يستخدمها بصورة عشوائية، بل أعاد صياغتها لتتسق مع غرضه الشعري. وفي هذا شيء من الشبه – وإن بصورة جزئية، مُصغرّة، وعابرة – لما فعله برنارد شو بأسطورة بجماليون في مسرحية "بجماليون" أو "سيدتي الجميلة". ففي مسرحية شو يختفى النحات الإغريقي بجماليون لتحل محله شخصية البروفسور هنري هيجنز، كما يختفي تمثال جلاتيا الذي نحته بجماليون، لتحل محله إليزا دوليتل، بائعة الورد الفقيرة التي يتعرف إليها هيجنز، ويبرم معها يأخذها بموجبها إلى بيته حيث يقوم بتعليمها وتهذيبها، ثم يقدمها إلى أرقى طبقات المجتمع اللندني، لتبدو كأنها نشأت في ذلك الوسط. وبعبارةٍ أخرى فإن جمال مصطفى تمكن من أن يُشكّلَ من حكاية إيكاروس أسطورةً جديدة بحبكة درامية مختلفة شكلًا ومضمونًا – هي أسطورة أو مأساةَ ديك الجن.

 * * *

إذا بدت استعانة جمال مصطفى بأسطورة إيكاروس مستترة بعض الشيء، فإن تأثره بمسرحية عطيل، إن أقررنا بأن تأثرًا كهذا قد حدث بالفعل، هو أشد تخفّيًا وأبعد عن الخاطر.

تعتبر مسرحية عطيل، التي عُرضت على المسرح للمرة الأولى في أواخر عام 1604، واحدةً من أبرز الأعمال التراجيدية العالمية على مر العصور. وتدور أحداثها حول القائد العسكري المغربي الأصل، عطيل، الذي يوهمه أحد أتباعه أن زوجته ديدمونة تخونه مع رجل آخر. ويدفعه شعوره بالغيرة إلى قتلها، ثم يقتل نفسه حين يدرك أنه وقع ضحيةً لتهمةٍ ملفقة. الأمر المثير للاهتمام أن قصة عطيل وديدمونه تحمل في تفاصيلها شبهًا كبيرًا من قصة ديك الجن وورد. وربما يقودنا هذا إلى الظن بأن شكسبير اطّلع على قصة ديك الجن واستعار بعضًا من تفاصيلها. لكن الحقيقة أنه استوحاها من قصةٍ بعنوان Un Capitano Moro"" (ضابط مغربي) للكاتب الإيطالي جيرالدي سنْثِيو، كان قد نشرها ضمن مجموعةٍ من الحكايات في عام 1565، أي بعد ميلاد شكسبير نفسه ببضع سنين.

لا شكّ أن التقاط جمال مصطفى لحكاية ديك الجن مع ورد واتخاذها موضوعًا لقصيدته فيه اقتراب من نهج شكسبير، لا في استعارة حكايةً أخرى ليست من إنشائه ليبني عليها عملًا أدبيًا وحسب، بل أيضًا في اختيار قصة حبٍّ جارف تنتهي بمأساة تَدمى لها القلوب أسىً – مأساةٍ تتمثل في قتل العاشق لمعشوقته بدافع الغيرة العمياء.

والحق أن الحكايتين تتشابهان أو تتوازيان في جوانبَ عدّة بصورة تثير الدهشة. أحد هذه الجوانب هو أن نشوء علاقةٍ بين البطل والبطلة في كلتيهما كان مرفوضًا اجتماعيًا. ففي حالة ديك الجن وورد ثمّة حاجزٌ ديني يجعل من الزواج مطلبًا عسير المنال؛ إذ هو مسلم وهي مسيحية. أما عطيل وديدمونه، فيحول بينهما حاجز عرقي. فعطيل رجل مغربي ذو بشرة داكنة، بينما ديدمونه فتاة بيضاء تنتمي إلى الطبقة الأرستقراطية، حيث أن أباها عضو في مجلس شيوخ مدينة البندقية في إيطاليا. وثمّةَ وجهٌ آخرُ للشبه، هو أن كلتا العلاقتين تنتهيان بالزواج على الرغم من هذا التباين، حيث تعتنق وردُ الإسلام، أما ديدمونه فإنها تعاند أباها وتتزوج من عطيل بمباركةٍ من دوق البندقية، الذي يُعين عطيلًا قائدًا عامًّا لقواته ويوجهه إلى قبرص لدرء خطر العثمانيين. لكن التشابه الأكثر أهمية يكمن في تطور الأحداث. إذ يتعرض كلٌّ من البطلين لخيانة شخص قريب منه. فديك الجن، كما تقول المصادر، تعرض لخيانة ابن عمه أبي الطيب، الذي حاول التقرب من ورد فلم تُلقِ إليه بالًا، فدبر لها ولديك الجن مكيدة تقوم على زرع بذور الشك في صدر ديك الجن بوجود علاقةٍ بينها وبين صديقه بكر. وبالمثل فإن ياغو، أحد جنود عطيل، يُدخِل في روع سيده أن ديدمونة تعشق صديقه كاسيو. الطريف أن هذا الشعور بالغيرة قد دفع كلّا من البطلين إلى قتل زوجته. إذ أقدم عطيل على خنق ديدمونه، وغرز ديك الجن السيفَ في جسد ورد. ثم إن كليهما أحس بندم وحزن شديدين حين أدرك الحقيقة. فأقدَمُ عطيلُ على الانتحار، فيما ملأت الحسرة قلبَ ديك الجن وعاش حياةً ملؤها البؤس والشقاء.

لكن هذا التماثل المذهل بين الحكايتين الأصليتين لا ينعكس من حيث الشكل على قصيدة جمال مصطفى. فشكسبير أخذ حكاية عطيل من مصدرها وحولها إلى مسرحية من خمسة فصول تروي القصة بكاملها. أما جمال فقد اكتفى بالمشهد الأخير من حكاية ديك الجن مع ورد، وقدمّه بصورة مونولوغ، أو مناجاةٍ للبطل مع نفسه، لأن عمله قصيدةٌ قصيرةٌ نسبيًا، لا تتسع للأحداث الدرامية التي تتضمنها الحكاية بكامل تفاصيلها. وفضلًا عن ذلك فلا يبدو أن جمال وجد في "عطيل" ما يمكن أن يضيفه إلى قصيدته. 

على ضوء ذلك نتساءل: هل تأثر جمال بمسرحية عطيل؟ ربما لا نعثر في قصيدة "ديك الجن" على ما يؤكد مثل هذه الفرضية. فليس ثمّة ذكرٌ لمسرحية شكسبير أو أحد من شخوصها. ورغم ذلك فقد نتفاجأ ونحن نقرأ قول الشاعر على لسان ديك الجن: "أنـا كـنـتُ أراهـا: الـزانـيـهْ" إذا علمنا أن عطيلًا هو الآخر يستخدم هذا الوصف في الفصلين الأخيرين من المسرحية في معرض اتهامه لديدمونة، فيدعوها “whore” (عاهرة)، و“strumpet”  (مومس). لكن الأمر الأشد إثارةً للاهتمام هو ما تنطوي عليه الكلمات الأخيرة من قصيدة "ديك الجن": "لَـم تَـكـنْ ]ورد[ تَـحـسـبُ إنـي فـي الـسَـحَـر/ ديـكُـهـا: أذّنَ، صـلّـى،/ وانـتَـحَـرْ". هذه الخاتمة مخالفة تمامًا لما حدث  مع ديك الجن. فهو لم ينتحر، لا بَعد أن قتل وردًا مباشرةً وهو في ذروة الشكّ، ولا بعد أن عرف أنه قتلها ظلمًا، إثرَ اعتراف ابن عمه أبي الطيب بتدبير المشهد الذي يوحي بأن وردًا كانت تخونه مع صديقه. لكن هذا ما حدث مع عُطيل، الذي لم يتردد في الانتحار حين اكتشف أن ديدمونة لم تخنه. فلماذا ارتأى جمال مصطفى أن يضيف هذا الانتحار الرمزي في قصيدته؟ هل أراد أن ينقل إلينا الحالة النفسية للعاشق، الذي أمست الحياة والموت عنده سيّان؟ أم قصد أن يحقق العدالة الشعرية في خاتمة القصيدة؟ ربما! فديك الجن يستحق الموت كما استحقه عطيل، ليس لأنه قتل زوجته فحسب، بل لأنه سمح للريبة والغيرة أن تتسربا إلى نفسه. لذلك ذيّل جمال قصيدته بموته.

هل تمثّل جمال مصطفى مشهدَ الانتحار في مسرحية عطيل وهو يكتب قصيدة "حان ديك الجن"؟ ربما لن نعرف الجواب إبدًا ما لم يُصَرّحِ الشاعر نفسه بذلك. لكن من حقًنا أن نفترض حدوث مثل هذا التمثُّل، خصوصًا أننا نقرأ قصيدةً لشاعر مثقف واسع الاطلاع لا يمكن أن تفوته قراءة عملٍ هامٍّ كـعطيل، ولا أن يغفل عمّا بين الحكايتين من تشابه. لذا يمكننا أن نفترض أنّ هذا التأثر قد حدث فعلًا، متراوحًا بين الفعل الواعي الذي يتعمده الشاعر والإشارة العفوية التي تغترف من كهف اللاوعي. لكنه في نهاية المطاف يشكّل إضافةً هامة إلى القصيدة، إذ يحولها إلى مأساة حقيقية تتوازى مع المشاهد الختامية للأعمال التراجيدية الكبرى لشكسبير مثل "عطيل" و"روميو وجولييت" و "أنطونيو وكليوبترا".

 * * *

لقد نجح جمال مصطفى في إثراء قصيدته "حان ديك الجن: ورد" من خلال توظيفه للتراث العربي والعالمي بصورة سلسة لا تكلف فيها ولا اصطناع، فأضفى عليها بانورامية نادرة رفعت من شأنها.

كذلك فقد استطاع الشاعر أن يبرز قصةً فريدةً لا يمكن زجّها بين سائر قصص الحب المعروفة في التراث العربي مثل "قيس وليلى" و "قيس ولبنى" و "جميل وبثينة" و "كُثيّر وعزة" و"عروة وعفراء"، تلك القصص التي داعبت الخيال العربي عبر التاريخ، ربما لأنها تشترك في تقديسِ وتمجيد فكرة الحب العذري، رغم أن هذا الحب يتسبب على الأرجح في أزمة عاطفية غير مبررة كثيرًا ما تؤدي إلى موت أحد العاشقَيْن أو كليهما. فالجانب المأساوي في هذه القصص يستند في العادة إلى فكرة أحادية تتمثل في مقاومة أهل الفتاة لتزويجها ممن أحبها وملأ البيداء بالأشعار التي تتغزل بها. لذلك فإنها تبدو ساذجة وسطحية، إذ تفتقر إلى المقومات التراجيدية الحقيقية. بالمقابل فإن قصة ديك الجن التي يقدمها جمال مصطفى في قصيدته، هي قصة حبّ جادة، مركبة، متكاملة الأركان ومتعددة المضامين، تنطوي على حبكة درامية ربما لا نجد لها نظيرًا بين قصص الحب العربية التراثية المعروفة.  

 

نزار سرطاوي

..........................

يمكن الاطلاع على قصيدة "حان ديك الجنّ: ورد" للشاعر جمال مصطفى على الرابط التالي:

http://www.almothaqaf.com/b/nesos2019/946999

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم