صحيفة المثقف

محاولة لترشيد الخيال

حسين فاعور الساعديلعينيك اكتبُ كلَّ القصائدِ،

أغمضُ عينيَّ،

أستنشقُ الأوكسجينَ ثلاثاً،

بعمقٍ،

أغادرُ أوردتي ألداخليةِ،

أو كبدي،

ربما لا أغادرُ،

ابحثُ عن قدميَّ،

أحسُّ يديَّ،

رؤوسَ ألأصابعِ،

أطرافها.

جسدي سالماً لا يزال ُ،

يبللهُ النفط ُ،

أو ربما الدّم ُ،

شكراً لجامعةِ الدولِ العربيةِ !

أبحثُ بين الضلوع ِعن القلب ِ،

لا قلبَ بين الضلوعِ،

تذكّرتُ:

ظلَّ هناكَ – على بعد عمرٍ،

على صخرةٍ في الشغور،

على موجةٍ في الجليلِ،

على زهرة ٍ في دمشقَ،

وقد لا يكون هناكَ !

ألم تأخذيهِ ؟

أحس بساقيّ مبتورتينِ،

أحسُّ يديَّ وحقلَ ورودٍ،

أنا في ظلام ٍشديد أمام الحريق ِ،

وبعض التفاصيلِ،

أستحضرُ العقلَ لا عقلَ،

لا شيء يشبهُ هذا الجنونِ،

أحاولُ في ساحةٍ للرحيلِ .....

-2-

دمشق البلادُ،

وكل البلادِ دمشقُ،

جميع المحطاتِ،

بعض النقاطِ،

الفواصلِ،

بعض العباراتِ :

عيناكِ أجملُ ما في الوجودِ

وتحتهما  وردتانِ

أرى جسدي غارقا لا يزال،

يبلله النفطُ أو ربما الدّمُ،

يرحلُ بعضُ الطغاة ِ ،

ويأتي طغاةٌ .

أرى بلدي مثل كل البلادِ،

ولست أنا مثل كل العبادِ!

وأرقبُ من فتحةٍ في الجدارِ،

أو السقف ِ،

أرقبُ أشلاءَ جدي،

وألعابَ أختي،

وأبصر أنقاضَ بيتي،

ودفترَ رسمٍ،

وخارطة ً للتمني !

وبعض التلاوين منعوفة ٌعند كوم الرمادِ ....

انفجار هنا،

وانفجار هناك َ،

وبينهما جثتي .....

أو محاولةٌ للحياةِ

تناثرت بين العناوين :

قاهرة ٌ أم دمشقُ ؟

طرابلسَ تنأى،

وصنعاءُ حبلى

المنامة يا غصة في الضميرِ

تقطّعتُ بين العواصمِ

بغدادُ نحن الذين قتلناك ِ،

نهربُ بين التفاصيل،

في غمرة الموتِ،

بين الحرائق ِ،

في كل عاصمةٍ ساحة ٌ للبقاءِ ،

وصومعة للبغاءِ ،

قبائل كنا ونبقى !!

أحاولُ،

لا موعداً للرجوع ِ،

ولا حلماً في الرحيلِ،

وفي كل عاصمة كربلاءُ !

وعيناك ِأجملُ ما في الوجودِ ...

-3-

أسافرُ،

اتركُ ما ظلَّ في الجسم ِمن ألمٍ

لا أريدُ سوى قبلتينِ :

على ومضةِ الصبحِ فوق الجفون ِ،

على عبق المستحيلِ...

تظلين أنت الحبيبة ُ،

قد يطلقون الرصاصَ على قبلة ٍ في الجبين ِ ....

وتبقين أنت الحبيبة ُ

يعطون كل الفتاوى لعاهرةٍ في الطريقِ،

حفاظا على اسم العشيرة ِ،

أنت الحبيبة ُمهما تمادوا !!

أتبكين أن حملتني الرياحُ إلى وطنٍ،

أو تلاشيتُ في ومضةِ الانفجارِ؟

أتبكينَ إن سقطَ السقفُ،

أو مالت الشمسُ نحو طرابلسَ؟

شُلّت ذراعي ....

وبيعتْ خيولي

دمشقُ ألا ليتني أستطيعُ البكاءَ،

لتبقينَ أنت الرجاءُ

طرابلس َ يا ليتني لم أعكرْ رمالَكِ باسم الشبابِ وبالعهرِ والشعرِ،

يا ليتني أستطيع البكاءَ

على نعجة ٍ تحتمي بالذئاب ِ

أتبكينَ إن لم تدبّ بيَ الروحُ؟

في الحالتينِ

تظلين أنت الحبيبة ُ،

أو رعشةُ الروحِ ...

ما أهونَ الحلمُ لولا العواصم ِ

ما أهون الحلمُ لولا الكراسي

وما أهونَ الحلمُ لو لم تكوني.

أما اشتدَّ هذا المساءُ لنبكي

.....سنبكي قليلاً،

لأسكنَ حضنك

ألا يُفرج العاشقينَ البكاءُ ؟

أو الموت من شدةِ القهرِ،

من كثرة ِالذلِّ،

في غمرة النفطِ،

ما أكثر الفاسدينَ \ العباءات ِ،

ما أكثر المفسدينَ !

أثور فيذبحني الفقراءُ

-4-

نسيتك حيناً،

لأغمض عينيَّ،

أترك للجسم ِأن يترهلَ،

أو يترجّلَ،

استنشق الأكسجينَ،

الهواءَ،

....بعمقٍ !

أُعيدُ إلى قدمي المسافاتِ !

يا عاهةَ النفطِ

بالأمس ِسرّحتُ خيلي،

وأحرقت ُ كلَّ القصائد ِ،

عذرا أبا الطيب المتنبي،

نسيناكَ،

أغرقنا النفط ُ،

والجوع ُ،

والذلُ،

والقهرُ،

والعهرُ،

والفقرُ ....

كل الأمور طبيعيةٌ

كل شيء على ما يرامُ :

جيوش تحاصرُ أغنيةً

أو تطارد حلماً !

رصاصٌ يصوّبُ نحو الرؤوس ِ

على اللافتاتِ

جيوش تحاربُ شعباً

تطارد حلما ً....!!

نجوعُ ونعرى،

ونبني القصورَ وراءَ البحار ِ

نموّلُ دورَ الدعارةِ

كل عواصمُنا كربلاَءُ،

قبائلُ كنا ونبقى !!

وأبصر من فتحة ٍ في الجدارِ،

أو السقفِ،

أبصر كل الذين يموتون عند انفجار الصواريخِ،

أو بعد موت العصافيرِ،

أو قبل حفل انتخاب الرئيسِ

وأبصر بغداد حافية القدمينِ

(ستنتعل ُ المجد عما قريب ٍ)،

طرابلسَ عارية تحتمي بالغريبِ،

وصنعاء ذاهبة ٌ في الطريق ِ

عواصمُنا كربلاءُ !

وأبصر من فتحة في الجدار أو السقفِ ،

أبصر عاصمة ً للعواصم ِ

لن يسقط السقفُ

أجمّعُ نفسي

وأبصرُ بعض القذائف أو حاملات الجنودِ

وأبصرُ بعض نساء طرابلسَ يحملن أشلاء أطفالهنَّ،

ولا ينتبهن كثيراً،

يمارسنَ بعض التقاليدِ،

لا ينتبهنَ كثيراً،

يُثرن امتعاض الصواريخ،

يبحثن بين الركام ِ،

يفتشن عن لعبةٍ،

أو يفتشن عن دمعةٍ \ طفلةٍ،

ربما طحنتها الجنازير ُ،

مريولها المدرسي هناكَ،

وبعض الدفاترِ....

يا أيها الحالمون بقرب القيامة ِ،

لم يحن الوقت بعدُ،

جميع العروش مدوزنة ٌ،

والكراسي مثبتة ٌبانتباهِ

وحرصِ ذوي الأمرِ والنهيِ خلفَ البحارِ .....

-5-

على ألفقراءِ التزام الهدوء أو الصمتَ،

لا نفط َ،

لم يحن الوقتُ بعدُ،

فنحن المصيبة ُنحن الضحية،

لم يحن الوقتُ ما دام نفط ٌ

نصلي،

ونكفرُ،

نبحث ُعن لغةٍ كالعصافير ِ،

نبحث عن زهرة ٍ كالفراشات ِ،

عما تبقى من الأفقِ ِ،

أو ما تبقى من الجسم ِ ....!

نخشى التفوّقَ

نبحث عن لغة للتفرّق ِ،

عن سبب للتمزّق ِ

نبحث عن وطنٍ بالتفاوضِ !

عن سبب ٍ للتناقض ِ،

نبحثُ عن موقعٍ للخيالِ،

وعن بئر نفطٍ لنزني.

أضعنا وضعنا

نغني،

فنقتل ُمثل الذباب ِ ....

جنازاتنا لا تثير الضجيجَ،

نودّعُ أبنائنا بهدوءٍ

نفتّشُ عن موقعٍ للخيال ِ

وعن فرصة للنجاة ِ ......

وزاوية ٍ للبقاءِ !!

نصلي ولا ننبذُ القاتلينَ،

نصومُ ونزني

ونحفظ عرض القبيلة ِ !

عصفورة فوق غصن المساء ِ،

وفي الأفق حلم ٌ .....

نمزقه ُ وندافعُ عنهُ !

فقدتُ أبي،

وابن عمي،

وعمي !

فقدت ذراعي اليمينَ

وأمي !

فقدت الصباحَ،

فقدت ذراعي الشمالَ،

وعتبة بيتي !

قُتلت ُ لتبقى القبيلة ُ

ظلي على الرملِ مال َ

تئن الطفولة تحت الجنازير ِ،

تصرخً،

والعصرُ مالَ،

ليختلطَ الرملُ بالعصرِ،

يختلطَ الرملُ بالدمِّ، بالنفط ِ،

يمتزج الدمُّ بالوردِ

لا لحظة ً للتخيُّل ِ،

لا فرصة ً للبقاءِ،

ولا أفُقاً للتمني،

قبائل نحن ونبقى قبائلَ،

نَقتل ُ باسم القبيلةِ،

نَنهبُ باسم القبيلة ِ،

نَحمي المزابلَ،

نحرقُ كلَّ الورودِ لتبقى القبيلة ُ !

................................

ما زلت أغمضُ عينيَّ .....

استنشق الأوكسجينَ

 

-6-

أغادرُ جسمي إلى ساحة ٍ في دمشق

إلى طفلةٍ في طرابلسَ

تقصفها الطائراتُ

أما زلتِ صنعاءَ بين النشيد وبيني ؟

مررتُ على شاطئ الأمنيات ِ

أظلَّ لنا حُلُماً ؟

كي نعودَ إلى الذاتِ،

أو نستقرَّ على الأرضِ،

دارت بنا الأرض ُ،

أين هيَ الأرضِ

مرَّت بنا قبل عرس الرحيلِ،

مررنا بها بعد موعدها،

من تضاريسها،

من ملامحها، من تفاصيلها،

ربما غادَرَتْ في زمان الترهُّلِ ِ،

في غمرة الكلماتِ،

تلاشتْ ونحن نُعدُّ الكراسي،

وندفع نفطا

ونبحث عما يفرقنا ........

أنا لم أكن ذات يوم أنا

-7-

وأفتح عينيَّ،

أستنشق الأكسجينَ،

أعدُّ الأصابعَ،

أحصي الضلوعَ،

أعود إلى النيل ِقطرةَ ماءٍ

أعود إلى ساحةٍ في دمشقَ،

إلى موقع ٍ في طرابلسَ،

لا حزنَ،

لا دمعَ،

هذا زمانٌ جديدٌ :

سننفضُ كل الغبار ِ

وكل الهوان ِ،

السقوط َ،

التردي.

سيصبح للفرد شأنٌ

وللأرض شأنٌ

سنكتب تاريخنا من جديد ٍ

سنزرع قمحا كثيراً

سَنَحيى كما الآخرونَ

سنكتبُ كلَّ القراراتِ في البيتِ

لن يسقط السقفُ

...أكتبُ من اجل ِعينيكِ كل القصائدْ.

***

حسين فاعور الساعدي

.........................

* من ديواني "عفو كل هؤلاء" - 2014

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم