صحيفة المثقف

عن حصاد كورونا البشري

كاظم الموسويصحيح ما يقال بان الأرقام شهادة اثبات ولا تخطا كثيرا في إعطاء الصورة، وتؤشر للحصاد بعد البحث والدرس والاستقراء والاستنتاج، الا ان ما حصل مع الأمراض والأوبئة والجائحات التي مرت في التاريخ القريب والبعيد يظهر حقيقة المؤسسات والسلطات المسؤولة بصدد مصداقيتها وحرصها وادائها العلمي والموضوعي والرصين، وتلك هي المسالة المهمة في معرفة الإجراءات والخطوات التي واجهت الجائحة أو الأحداث ومن ثم الحصاد منها على جميع الاصعدة، ولا سيما الحصاد البشري، الضحية الكبرى.

أظهر إحصاء لوكالة رويترز للاخبار، في صباح يوم الأحد06/28  /2020 بلوغ عدد الإصابات بفايروس كورونا  "كوفيد-19" في أنحاء العالم نحو 10 ملايين حالة، فيما يعد علامة فارقة جديدة في مسيرة انتشار المرض الذي يصيب الجهاز التنفسي. وقد أودى بعد أن روّع العالم منذ أواخر كانون الاول/ ديسمبر الماضي حتى الآن، بحياة زهاء نصف مليون شخص على مدار 6 أشهر.

يأتي ذلك في الوقت الذي بدأ فيه العديد من الدول المتضررة بشدة من الجائحة في تخفيف إجراءات العزل، والاغلاق الكامل وغيره، وتنفيذ تعديلات موسعة في نظم العمل والحياة الاجتماعية قد تستمر لعام أو أكثر، حتى ظهور لقاح، او علاج يتأكد منه في الخلاص من الأخطار والأضرار. وتبذل كل الدول المبتلية بما تستطيع للوصول إلى اكتشاف العلاج وتوفيره.

تشهد بعض الدول طفرات جديدة في انتشار عدوى كورونا دفعت السلطات لإعادة فرض قيود العزل العام جزئيا، في وضع وصفه خبراء بأنه قد يكون نمطا متكررا في الشهور المقبلة وحتى 2021. وتمثل الإصابات في أميركا الشمالية وأميركا اللاتينية وأوروبا نحو 75 بالمئة من إجمالي المصابين، وذلك بنسب متساوية تقريبا بين المناطق الثلاث. بينما تسجل آسيا و"الشرق الأوسط" زهاء 11 و9  في المئة على الترتيب، وفقا للإحصاء الذي اعتمد على تقارير حكومية. ووصل عدد الوفيات بالفيروس حتى الآن إلى أكثر من 497 ألف شخص، وهو تقريبا نفس عدد الوفيات الناجمة عن الإنفلونزا سنويا، بحسب ما نشرته "رويترز". ولكن هناك من يشكك في هذه الارقام، وله الحق في ذلك لما توارد من دروس وعبر. فذهب باحثون إلى أن عدد من توفوا في أنحاء المعمورة إثر إصابتهم بفايروس كورونا أكبر مما أعلن رسميا. والسبب أن حالات وفيات كثيرة لم تدخل ضمن الإحصاءات، وأن بعضا ممن يداهمهم الموت في بيوتهم أو في مآوي العجزة لا يتم فحصهم لتبيان إصابتهم بكورونا من عدمه. وذهب باحثون، الذين يحللون نسبة الوفيات بالإنفلونزا وغيرها من أمراض الجهاز التنفسي، إلى أن جزء ممن يموتون بأمراض تشبه أعراضها أعراض كورونا يدخل في الإحصاءات. هذا يعني أن الأرقام المنشورة بحاجة إلى تدقيق واستفهام وحسابات موضوعية لوضع الأمور في محلها والإنتباه من الدروس والعبر المعروفة. فضلا عن معرفة ما قد يختفي تحت الطاولات والصفقات في المجتمعات الرأسمالية.

لاسيما أن الأرقام المعلن عنها للوفيات من جوائح سابقة في وقت حدوثها مضللة في غالبها. مثلا في عام 2009 أحصت منظمة الصحة العالمية عدد الموتى بإنفلونزا الخنازير بـ 18631، بينما اعلن فريق من الباحثين الأميركيين في "مركز مكافحة الأمراض" الحكوميCDC  أن الارقام الحقيقية كانت أكثر بـ 15 ضعفاً. وهذا ما حصل ويحصل الان، فلا أحد يعلم بعد إلى ماذا ستؤول الأمور في الشهور المقبلة؟، ولا تزال دول متقدمة ومتطورة على الصعيد الطبي، تتعامل بطريقة التخمين مع الأدوية أو اللقاحات الواجب استعمالها، كما مع طريقة انتشار الوباء، إذ تطالعنا وسائل الإعلام يوميا بأخبار ومعلومات ثم تعود وتنفي صحتها. كما تذيع احصائيات غير مؤكدة أو دقيقة ومطابقة لواقع الحال.

مازالت دول عظمى كالولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا تتقاذف التهم والإشاعات حول صحة أرقام المصابين وأعداد الوفيات، وهي لا تزال تعيش فوضى وعشوائية بطريقة التعامل مع الفايروس، علما أنها سارعت الى تشكيل خلايا وأجهزة رقابة متخصصة مؤلفة من أطباء وعلماء، لكن بدا وكأن الفايروس يتحايل عليها بسرعة انتشاره، وتوزيع اصابته، فلم يسلم منه حاكم أو محكوم، ومن كل الأعمار والأجناس والقارات.

 لكل هذا، عقدت السبت، 2020/06/27 قمة عالمية شاركت 40 حكومة فيها، وجمعت 6.15 مليارات يورو من الولايات المتحدة والمفوضية الأوروبية والعديد من البلدان لمحاربة فيروس كورونا، مع تشديد الكثير من المشاركين على ضرورة توفير اللقاح، عند التوصل إليه، لكل من يحتاجه. وسيتم استخدام الأموال في اختبارات الكشف عن كورونا والعلاجات واللقاحات ذات الصلة، ومساعدة المتضررين الاكثر من الجائحة.

تشهد الولايات المتحدة التي تتصدر دول العالم في أعداد الإصابات والوفيات جدلا بعد الارتفاع القياسي للإصابات بفايروس كورونا بالتزامن مع رفع الحظر في عدد من الولايات. وتخطت الولايات المتحدة عتبة الـ2,5 مليون إصابة بفيروس كورونا، بحسب بيانات نشرتها جامعة جونز هوبكنز. وبحسب عداد جائحة كوفيد-19 فقد بلغ عدد المصابين بالفيروس في الولايات المتحدة 2,500,419 مصابا، بزيادة 44602 حالة عن الإحصاء السابق، مضيفة أن عدد الوفيات ارتفع 651 ليصل الإجمالي إلى 124967. وسجلت ولاية فلوريدا وحدها نحو 10 آلاف إصابة جديدة بكوفيد-19 خلال 24 ساعة، وهو رقم قياسي جديد في الولاية الأميركية التي تشهد انتشارا متسارعا للفيروس خصوصا في صفوف الشباب.

تجاوزت الهند التي تضم 1,3 مليار نسمة، عتبة 500 ألف إصابة وبلغ عدد الوفيات فيها 15 ألفا و685، بحسب السلطات. ويرى علماء الأوبئة أن الجائحة لم تبلغ بعد ذروتها المنتظرة خلال أسابيع. وينتشر الفايروس بشكل مقلق في المدن الأكثر اكتظاظا في هذا البلد الذي بدأ رفع الإغلاق.

في أوروبا، سجلت جمهورية تشيكيا نحو 300 إصابة جديدة بكوفيد-19 خلال 48 ساعة، ما يمثل أعلى زيادة منذ بداية نيسان/أبريل، وذلك بسبب ظهور عدة بؤر عدوى أبرزها في منجم شرق البلاد. بذلك، وصل العدد الإجمالي للإصابات في البلد العضو في الاتحاد الأوروبي والبالغ عدد سكانه 10,7 ملايين نسمة إلى 11164 إصابة، خلال نهاية الأسبوع الأخير من حزيران/ يونيو، بينها 349 وفاة. وهو نموذج لباقي أعضاء الاتحاد رغم الإجراءات العديدة التي تتسابق عليها دول الاتحاد وخارجه.

واخيرا هذا بعض ما حصدته جائحة الكورونا من البشر، ارقامه كبيرة ومؤلمة، ولكنها تقارب أو تشابه ارقام ضحايا الحروب والعدوان التي ترتكبها القوى الإمبريالية ومتخادميها في اركان المعمورة، فهل يدق هذا الحصاد اجراس الانذار ويدفع لاتجاهات وقف الحروب والعدوان والاهتمام في معالجة الأوبئة والجوائح والفقر والجوع وكوارث الطبيعة الاخرى؟!.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم