صحيفة المثقف

الستينيون: أجناس ادبية وأساليب جديدة في الكتابة

حين كتبت عن مجموعة محمد خضير "المملكة السوداء" في جريدة القدس العربي اللندنية في منتصف التسعينيات، أو في تاريخ مقارب كنت في عشرينيات العمر، سألني أكثر من صديق من الصحفيين والكتاب العرب، في المهجر على الأخص، بدافع الفضول أو معرفة المزيد عنه، فأخبرتهم بأنه ليست لدي أي معرفة سابقة به، ولكنه من أبرز كتاب القصة العراقيين والعرب، لا أدعي انه كان مجهولا لدى الاكثرية، ولكن كان المقال بمثابة اعادة لمجموعته المذكورة الى الواجهة من جديد، على الاخص في المؤسسات الصحفية والاعلامية العربية والقراء في المهجر الذي يكاد أن يكون عالما منفصلا عن الاعلام العربي الرسمي الروتيني والممل، ويتمتع بهامش كبير من الحرية، ولا بد من اعادة تسليط الأضواء على الأعمال الابداعية المتفردة أو المميزة.

تناولت في نفس المقال قصته المعنونة :"بصرياثا"، فقد كانت حقا قصة جديدة بعوالمها وبنائها الشبيه بالبناء الهندسي المنظم، ولكن بالكلمات وليس بمواد البناء التقليدية.

 قصص محمد خضير، اضافة الى لغتها المتفردة تمتاز بعوالم مثيولوجيا وشعبية تكون واضحة وأحيانا خفية، اضافة الى بنائها الهندسي المتفرد، ولكن الطبيعي أو غير المفتعل، سواء مخطط له بعناية او بشكل عفوي، وحين تبدأ بقراءة المجموعة تستحوذ عليك لدرجة تنسى العالم الخارجي المحيط بك وتنغمس في عوالم القصص.. وعند توقفك عن القراءة تحتاج الى وقت اضافي للتخلص من تأثير القراءة، لأن كل قصة عالم بذاته تحتاج الى استكشافه بعيدا عما يحيط بك من عوالم مختلفة مقاربة معها او متوازية او متناقضة او بعيدة عنها .

ووردت لدي فكرة اعتبرها غريبة ان "المملكة السوداء" ممكن أن تكون رواية على درجة عالية من التفرد، لأن شخصيات المجموعة أكثرها تنتمي إلى الوسط الشعبي إن جاز التعبير، فأجواؤها مشحونة ومميزة تختلط بعوالم ميثولوجيه بشكل عفوي او منظم احيانا سواء في السلوك أو المقتنيات أو الأفكار أو حتى في الأماكن والبيوت التي تقيم فيها وتدور احداث القصص فيها .

وعادت لي تلك الفكرة  بعد ان قرأت قصة "بصرياثا"، كان معمارها او بنائها عملا متفردا هو الآخر، يصلح لعمل روائي على درجة عالية من الاتقان، اخذت منه المشاهد الوصفية والخيال وهندسة المكان مساحة كبيرة من القصة بحيث اصبح دور الشخوص احيانا ثانويا في القصة.

حين نطالع الان ما هو سائد من رثاثة وتراجع في ثقافتنا نشعر باننا بحاجة الى التوقف ولو قليلا عند الاعمال الأدبية المميزة التي تركت أثرا كبيرا في الحياة الادبية العراقية والعربية واساليب الكتابة والتقنيات الجديدة في الكتابة التي ادخلت فيها منذ الستينيات حتى الان رغم اتساع رقعة النشر والتسويق سواء للكتب او المجلات اوالجرائد، وظهور ما يعرف بمواقع التواصل على الانترنيت لانها لعبت دورا سلبيا وايجابيا في نفس الوقت لسهولة النشر والانتشار من خلال هذه المواقع والتسويق لاعمال هابطة وليست بالمستوى المطلوب واحيانا لا تستحق القراءة .

 

قيس العذاري

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم