صحيفة المثقف

وفي نفوس البشر لا يمتنع اجتماع متناقضين!

منى زيتونلعل أفضل ما توصف به النفس البشرية أنها معقدة، ويصعب فهمها، حتى أنه يجب التعامل مع كل نفس وكل موقف كحالة بذاتها، وهناك انفعالات متعاكسة قد توجد داخل النفس الواحدة تجاه الشخص أو الشيء ذاته! وفي نفوس البشر لا يمتنع اجتماع متناقضين!

من ذلك أنه كثيرًا ما تقابلني حالات يأتي فيها أحد الطرفين الرئيسيين في المشكلة المطروحة بسلوكيات من الواضح تمامًا أنها تضر بالطرف الآخر رغم حبه له، ورغم قرابته اللصيقة به.

قد يُفسر الأمر في البداية على أنه قلة وعي وإدراك، وأن هذا الطرف كالدُبة التي قتلت صاحبها –كما يُقال في الأمثال-، ولكن تتكرر السلوكيات ذاتها منه مهما تم تنبيهه إليها أو تحدث منه سلوكيات أخرى في مواقف غيرها تؤكد أنه وإن كان هناك حب فهناك بغض أيضًا ورغبة في إلحاق الأذى.

وقد يكون الإنسان واعيًا برغبة إلحاق الأذى هذه داخله، وقد تكون دفينة في عقله اللاواعي.

وفي أغلب الحالات قد يكون السبب في تلك الرغبة الحقد والحسد من الطرف المؤذي للطرف الآخر، أو قد يكون رغبة منه في الانتقام لأجل أذى سابق يرى الطرف المؤذي أن الطرف الأول قد ألحقه به، وقد لا تكون حقيقة الأمر على هذا النحو أو ربما آذاه الأول بالفعل دون أن يشعر!

ويتضح الأمر دائمًا بذكر المثال، فعندما يكون السبب هو الحقد والحسد قد نجد أخًا يؤذي أخاه الذي يحبه ويحاول الحط من شأنه أمام الناس لأنه نال من التعليم حظًا أوفر منه أو لأنه جنى من المال ما أغناه وكفاه ورفع شأنه في المجتمع، أو لأنه تبوأ منصبًا رفيعًا في الدولة، وقد يحدث هذا رغم أن الأخ الذي استغنى يترفق بأخيه ويساعده ما أمكنه، كما أنه لا دخل له بقلة حظ أخيه الحاسد من الدنيا.

وقد يكون الدافع لإلحاق الأذى هو الرغبة في الانتقام؛ من ذلك أن نجد أختًا –رغم حبها لأخيها- تلدغه كالعقربة من وقت لآخر وتفسد عليه شئونه وتكاد تتسبب في خراب بيته، لأنها لا زالت ناقمة عليه لأنه منذ حوالي نصف قرن تسبب في حرمانها من استكمال تعليمها والذي كان منتهى أملها، وذلك كعادة الأهل في التعامل مع البنات في ذلك العصر؛ حيث كان يتم التعجيل بزواجهن، ويُسفه من يسمح لبناته وأخواته بالخروج يوميًا للدراسة، ولمّا تغير الزمان صار هذا الأخ أحرص الناس على تعليم بناته، حتى أنه سمح لإحداهن بالاغتراب في محافظة أخرى لدخول إحدى كليات القمة. ورغم تطاول السنين تبدو الغصة باقية في نفس أخته حتى الساعة.

وقد نجد ابنة رغم إدعاء حبها لأبيها وحرصها على مصالحه تفسد عليه نجاحاته وعلاقاته بالآخرين، وتتلاعب بعقله لحد قد يفقده ثقته في كل البشر عداها، والسبب أنه كان السبب في طلاقها وحرمانها من هنائها مع زوجها، بسبب خلافات نشبت بينه وبين طليقها، لرفض الأب استغلال نفوذه لأجل تمكين طليقها من تحقيق مكاسب مالية كبيرة، فبقيت الابنة ناقمة على أبيها، وتسبب له المتاعب المتلاحقة، وكأنها أقسمت منذ لحظة طلاقها ألا تذيقه الراحة.

وهناك أسباب أخرى غير هذين السببين الرئيسيين، منها التوحد مع من تحب ورؤية نفسك فيه، إلى الدرجة التي تريده ألا يخرج من جلبابك، حتى ولو إلى جلباب أفضل. مرت علي حالة كانت الأم فيها تحاول قدر المستطاع إفساد العلاقة بين ابنتها العروس وزوجها، ولم يكن التفسير صعبًا لأنها أغنتني عن عياء البحث، وقالت بلسانها إن أمها قد طلقتها من زوجها الأول وهي عروس، وهي تعلم أن حظ ابنتها لا شك سيكون مماثلًا لحظها! وكان العلاج في فصم هذا التطابق والتناسخ المتوهم في عقلها.

وفي بعض الأحيان تتكون الرغبة في إلحاق الأذى في نفس الشخص السيء فقط عندما تتعارض مصلحته مع مصلحة من يدعي حبه، وهذا من وجهة نظري هو أكبر اختبار للحب، فالمحب الحقيقي لا يُقدم مصلحته على مصلحة من يحبه.

فهل توافق على أن يسعد أبوك أو أمك بزواج من شخص مناسب أم ترفض وتعمل على إحداث الوقيعة والإفساد بين الطرفين لأنك تنظر للمستقبل، وتخشى على نقص نصيبك من مال ميراث تتوقعه بعد سنوات، ولا يعلم الغيب إلا الله، والله أعلم من سيدفن من؟ وكم مات من صغيرٍ وكم عُمِّر من مُعمِّر!

والنصيحة التي تصلح لأي إنسان أن لا تثق فيمن لا يستحق الثقة، وأسس ثقتك في الناس على أساس عقلي وليس على أساس انفعالي عاطفي، وحاول فهم دوافعهم. راجع تقييمك للناس من حولك على أساس ما يظهرونه من سلوكيات نحوك، فالمواقف وما تظهره أصدق مما يقولونه بألسنتهم؛ وبعض الناس يظهرون المودة بينما هم يسعون لتدمير نجاحك وتدمير سمعتك وتدمير أسرتك وربما تدميرك صحيًا!

 

د. منى زيتون

الخميس 9 يوليو 2020

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم