صحيفة المثقف

الشعر كمتغير حضاري

لقد  تشعب وتعدد أوجه الحياة في عصرنا الرقمي وبدوره لم يعد تعريف الاشياء  كما كان في السابق، فهل تغير الاشياء في المضامين؟ أم تم تجديد مفاهيم الناس وفقا للتغيرات الحاصلة علی أشكال الحياة ومستجدات الحضارة البشرية ووفقا لدوامة التأثيرات الخارجية التي تفرض نفسها علی الافراد؟

 نعم ان الانسان بدوره ککائن اجتماعي يتلائم مع الاجواء الجديدة بسرعة متفاوتة، وخاصة عندما نتكلم علی المتغيرات الحياتية بدلا من الثوابت، فأن الثوابت لا تتغير بتغير الزمان والمكان وهذا ما أتفق عليه معظم طوابع الناس قديما وحديثا كثنائيات الصدق والكذب، الامانة والخيانة، الحب والبغض...الخ.

 فاما اذا تحدثنا عن الادب وفروعه فلا زيادة ولا نقصان تهيمن نفسها علی الاطر العامة للأنواع الادبية، فهناك تعاريف مختلفة ومتقاربة لكل نوع من الانواع الادبية کالشعر والقصة والنثر والرواية والمسرح ونحو ذلك، لكن مفاهيم الناس سيطرأ عليه تغيرات وفقا للحركة الحضارية الی الأمام غالبا وأحيان أخری الی الوراء  بسبب الكوارث والحروب والاوبئة الخ... فلو  أخذنا في الحسبان وعلی سبيل المثال نوع محدد من الأدب كالشعر وقارناه بالازمنة الغابرة فهل نستطيع مقارنتها وتشبيهها بالواقع الشعري الحالي؟ ربما سيكون الجواب صعبا شيئا ما للغاية، لكن في النهاية سنصل الی النتيجة السالفة ذكرها بأن الخطوط العريضة ستبقی کما هي، لكن التفاصيل تختلف اختلافا تاما ومتباعدة ، خاصة اذا نظرنا الی الادب وتعاملنا معه کنتاج لسلوك وعقل بشري بلغة العصر وكل ما يتضمنه الواقع الحياتي السائد، صحيح ان الحضارة البشرية لا تنفي الآخر بل تبني علی ما مضی، حتی ولو ماتت وآندثرت حضارة ما کالدورة الحياتية للأنسان كما يسميه الفيلسوف اليوناني أرسطو، لکنه سينتهي ببداية حقبة أخری ودورة جديدة مستعينا بالتجارب السابقة والاختراعات التي اکتشفوها اسلافهم، فستضاف اليها لاحقا حصيلة قطوف ثمار  تقدم الزمكاني للبشرية في مرحلة أخری لمسيرة الحياة بما يتضمنها من الايجابيات والمستجدات العصرية، مثل الاختراعات الشتی کضرورة  حياتية في المجالات المختلفة كالعلوم الطبية والفيزيكية والاجهزة التكنلوجية الحديثة للاتصالات وجعلها العالم بمثابة قرية صغيرة  تربطها بالبعض عن طريق الشبكة العنكبوتية وسيٶدي هذا  التطور بدوره في تقارب الامم والشعوب من البعض  ويعتبر هذا من ثمار العولمة، ولو ان البعض يراها کنقطة سلبية نحو ذوبان البعض في البعض، أي بما معناه سيطرة الاقوی علی الضعيف في مقومات الحياة وقد استخدم هربرت سبنسر (١) هذه العبارة لأول مرة  بعد قراءة تشارلز داروين عن أصل الأنواع  في مبادئه للبيولوجيا (1864) ، حيث قارن نظرياته الاقتصادية، بالنظريات البيولوجية لداروين، لكن السٶال الجوهري الذي يطرح نفسه في هذا السياق : أين نحن في هذه المعادلة الكونية ومقومات البقاء للأنسب؟ ما دورنا وأين تکمن تأثيره علينا؟ هل نستطيع انكار مبدأ الاخذ والعطاء علی نطاق الافراد والمجتمعات؟ وتری من سيتحكم بهذه التفاعلات، هل هو شخص ما أم الحركة الحضارية مجتمعة؟ 

فلو رجعنا الی الشعر مرة اخری لکونه لغة خاصة  لروح الانسان  في کل العصور، ممتزجة بموجات الحياة الخارجية ومشاعر وقناعات الشاعر الداخلي واخذنا علی سبيل المثال  شکله ومضمونه في منطقة ما في اقصی الشرق مع جهة معاکسة لها تماما في اقصی الغرب، وقمنا بمقارنة بينهما لمعرفة النقاط التشابه والتفاوت بينهما، ثم لو قارننا هذه الموجة العارمة ککل، بأشکال ومضامين الاشعار للعصور السابقة، فسنصل في النهاية الی التعرف وتحديد الثوابت والمتغيرات في هذا النوع من الادب علی سبيل المثال، فکل متغير يعتبر فرعا وکل ثابت يعتبر أصلا، لکن في النهاية  وكما يراها أصحاب النظرية الانطباعية (٢) فأن النص لکونه ينبع من داخل النفس البشري معتمدا علی جزء من الواقع والطبيعة الخارجة فأن المشاهد أو القاريء هو من يتحكم عليه بالقبول أو الرفض و‌هذا ما ذهب اليه دريدا (٣) والحرکة المابعد البنوية بالاشارة الی دور القاريء المنتج کحلقة وصل بين النص والمٶلف، ويعطي القارئ دوره الفعال بوصفه استراتيجية حاسمة في توليد الدلالة، وكونه منتجاً للنص ثم  قدرته على استعادة ذاكرة النص اختلافاً  ليصل إلى تبيان التباعد بين النصوص الذي يخلقه مفهوم الفضاء النصيّ . اذا بقدر جودة الشعر يأتي دور القاريء المتفاعل مع النص حسب مستواه وفهمه للشعر، يكفيني ان أذكر في هذا الصدد ما قاله ناقد يوما ما حينما أشار الی امكانية کتابة صفحات من النقد الأدبي حول نص ضعيف ما، بأن يستعرض ويناقش فيه أسباب ضعفه علی سبيل المثال، لأن هنالك عناصر عدة يتداخل في البعض ويولد في النهاية نصا ادبيا.

 

بقلم: سوران محمد

...................

الهوامش:

1- البقاء للأصلح. (Survival of the fittest)‏

Impressionism -2  

3- اسم الحركة مستمد من عنوان لوحة کلود مونية الفرنسي انطباع شروق الشمس ١٨٧٢

(٣)   جاك دريدا (١٥ يوليو ١٩٣٠ ، ولد في مدينة البيار، الجزائر - ٩ أكتوبر ٢٠٠٤ باريس، فرنسا) فيلسوف فرنسي وناقد أدبي، يعد دريدا أول من استخدم مفهوم التفكيك بمعناه الجديد في الفلسفة.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم