صحيفة المثقف

التفكير في سياق الفلسفة

علي رسول الربيعيهناك حاجة مستمرة للتفكير في الفلسفة أوإعادة التفكير فيها، اي التفكير في السياق التماثلي (الداخلي) في الفكر الفلسفي مثلما هي تفكر في سياقات لامتماثلة وتدوس أرض جديدة فستحضر للتفكير ما لامفكر فيه، ولكن لماذا إعادة التفكير في الفلسفة؟ إنه يفترض مسبقاً الوعي بوجود مشكلة، أي أن هناك تعارضات تؤدي إلى الاستفسار وإلى معرفة جديدة غالبًا. ما هي المشاكل التي تجعل من الضروري إعادة التفكير في الفلسفة، في السياق التماثلي ؟ يمكننا من ذكر مجموعة متنوعة من المشكلات النظرية والعملية.

أريد أن اشير ابتداء الى مقال كنت كتبته منذ زمن طويل (كورقة قدمت في مؤتمر عن الاسلام والسياسة والحداثة ثم نشر في صحيفة الشاهد الصادرة في لندن في التسعينيات لاحقاً)1، وهو يتعلق بـ "الحداثة" و "ما بعد الحداثة"، وقد قمت بصياغة هذه الحاجة على النحو التالي ربما لا نحتاج إلى الدفاع عن الحداثة أو رفضها بأي معنى وبايً حال من الأحوال، ولا للدفاع عن التحديث أو رفضه، وبأيً حال من الأحوال أيضًا؛ نحتاج إلى معرفة فلسفية جديدة: إبستيمولوجيا تتجاوز المعرفة التي رسمت حدودها الوضعية المنطقية، التي لا تميز أو تفصل بين العلم والميتافيزيقيا فقط، ولكن تميًز بين المعرفة والمنتجات الأخرى للعقل البشري؛ الأنطولوجيا التي تغلبت على "الأختزال الكبير" للوجود في أحد أنواعه أو اجناسه- أنطولوجيا تتجاوز ثنائية المادية والميتافيزيقية؛ أنثروبولوجيا لا تتعامل مع صور أو مفاهيم للإنسان، ولكن مع خصائصه التي تشمل إمكانياته أيضًا؛ والأخلاق التي ليست معيارية ولا ميتا-أخلاقية فقط، تتجاوز هذه المقاربات وهذا النهج تبرر وتعرف فينومينولوجيا الإنسان الأخلاقية المجردة بشكل ملموس....

من أجل أن يكون للمعرفة الفلسفية تأثير إنساني على الحياة، ومن أجل التعامل مع المشاكل العالمية دون إغفال جوانبها الأخلاقية، علينا التفكير وإعادة التفكير في المقاربات السائدة في جميع مجالات الفلسفة هذه.

سأقصر نفسي هنا على أن أقدم نتيجة إعادة تفكيري - خلال السنوات الماضية - لبعض المسائل الفلسفية- المعرفية، والتي كان عليً أن أعيد التفكير فيها أثناء البحث والتعامل مع المشكلات في الفلسفة السياسية والأخلاقية والحقوقية. نرى، في جذر كل هذه القضايا والمسائل، مشاكل تتعلق بما أسميه "فقدان هدف المعرفة". "يرتبط عدد من هذه القضايا المعرفية بطبيعة التشخيص الصحيح وتفسير المواقف والأوضاع المطلوب. إنها المشكلات التي نواجهها في تسمية أووصف وضع اجتماعي أو سياسي وتلك التي نواجهها في محاولات تفسيرها. نلاحظ نقاط انطلاق نظرية أو عملية مختلفة: افتراضات أو مقاربات مختلفة، فعن سبيل المثال، تؤدي النظريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة، ولا عجب، إلى "تشخيصات" مختلفة، أي تسميات مختلفة للموقف نفسه، وكذلك لتفسير مختلف، أي تعزى أسباب مختلفة الى الموقف الموضوعي نفسه.

يدرك المجتمع الدولي هذا المأزق بما فيه الكفاية الآن. ومع ذلك، أخشى أنه ليس على دراية كافية بالمشاكل المعرفية الكامنة وراء هذا المأزق. عن سبيل المثال، يستدعون تلك التسميات أوالأوصاف بشكل علامات مختلفة وتفسيرات متعددة للمواقف نفسها، ايً "النظر من وجهات نظر مختلفة" والترويج لها، على افتراض أنه يمكن من تجنب الدوغمائية.

من الغريب أن يكون ذلك، على الرغم من أن الانضباط الفلسفي الأكثر تطوراً في القرن الواحد والعشرين، في حقل الأبستيمولوجيا (نظرية المعرفة)، وأن الأدوات المعرفية التي توفرها وجهات النظر التي كانت سائد في القرن العشرين السائدة، (لو أن هناك أفتتاحات مهمة مؤخرا في البستيمولوجيا الإجتماعية) لا تساعدنا كثيرًا في مواجهة الصعوبات التي نواجهها فيما يتعلق بتشخيص وتفسير الحالات التي يتعين علينا مواجهتها راهناً.

 

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

..............................

ورقة قدمت الى مؤتمر حول الفكر الاسلامي والحداثة عقد برعاية مؤسسة الخوئي الخيرية في لندن، نظم المؤتمر وأداره ليث كبه في عام 1997

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم