صحيفة المثقف

حسين نعمة ومعلمو المدرسة المركزية.. أرث مدينتنا الحاضرة

عقيل العبودتلك الأغاني، أنفاسٌ بقيت تنبض في أرواحنا، كما شلال يتدفق ماؤه، لينعش جفاف صيف قائظ. محبتنا، مملكة عشق جنوبي لنافذة نطل عليها بين حين، وحين، تأخذنا لغة الإنصات الى أحداثها، دروبها، نتأملها ربما لأنها الإرث، هذا الذي يختصرُ الحاضرَ مع الماضي، وفقا لأبجديات ذلك التراث، الذي ما زال يتنفس معنا رائحة الحياة.

قبل ان يكون مطربا، كان مُعَلِّمَاً للنشيد.

المركزية النموذجية الإبتدائية المختلطة، مدرسة بها يرتقي العلماء، والمبدعون، ومنها أثواب العلم والمعرفة تحتفي بأوسمةِ أصحابها، أولئك الذين آثارهم لم تمت.

انذاك، <يا شادي الألحان> كلمات يرددها برفقة العود الذي كان يحمله، لنستمع إليه دون أن نفهم في معنى الأوتار.

الستينيات، نهاياتها، باقية في القلب، تبحث عن أجوبة لها علاقة بتفاصيل، أصداؤها، ما انفكت تطوف في فضاءات هذا العالم الفسيح، أجنحةٌ تُحَلِّقُ بعيداً، تدور بنا صوب أمكنة فسيحة.

أيام تسودها الألفة، والوئام. والحكاية لا تعدو ان تكون محطات من الزمان ، تأبى المشاعر أن تفارقها خجلاً ربما، أووقار.

محطاتٌ، المكان يجمعها، أحداثٌ تزورنا، تعيش بيننا، تلتصقُ في أذهاننا، كما فراشات تبحث عن رحيق عند ضفاف تلك الحدائق.

مشاهدات، تتصف نصوصها بقصص لها علاقة بما تعنيه لغة الناس، وتصوراتهم، وطيبتهم، وطبائعهم، تلك الألفة المعهودة لدى البسطاء من الناس.

السيناريوهات نفسها تلك المشاهد، أطياف تتوزع في القلب، تبحث عن موضوعات لها إيقاع.

لذلك بعيدا عن المقارنات، الأشياء تمشي، وكأنها كائنات تم توظيفها بناء على أنباء حقيقة، أَرَادَ المخرج لها أن تعيشَ في بيتٍ واحدٍ، ووطنٍ واحدٍ، وقلبٍ واحدٍ.

المدرسةُ، كأنها منارة شاهقة، الساحة، يوم الخميس، ونشيد العَلَم، الصفوف بشعبها، الف، وباء، قاعات تم تشييدها بطريقة هندسية متقنة، بينما أرصفة المحلة بشوارعها الهادئة، مع تلك الحقائب، والكتب، ودفاتر الدروس، والأقلام تحملُ أحلامنا، لتعودُ بنا لبيوتات هي الأخرى تجاورت، لتبقى عامرة بالمحبة.

المعلمون، أسماء، في ذهن المخرج حاضرةً، مثلما شخصيات تم إنتخابها على شاكلة طاقم وزاري، لقانون يسود فقراته النظام.

المسؤولية التربوية، لغة اليمين نفسها، تلك التي يتلوها ذاك الوزير، وذاك، إشعاراً لقدسية الشرف الدستوري.

المادة المدرسية، معلم يتقن التدريس، وصفحات من الورق المنقوش بألوان العِلم، ومفردات معانيه.

وهكذا حيث لكل مادةٍ معلم، ولكل معلم مادة يجيد التعامل معها، بطريقة لائقة ومتميزة.

فمعلم العربية يجيد تدريس اللغة الأم وفقا لمعادلات تفاصيلها الحرفية، والنحوية، ناهيك عن إتقانه لفنون الشعر، وقواعد القرآن.

ومدرس العلوم يفهم في فيزياء التبخر، وكيمياء الحركة، وظاهرة التركيب الضوئي، وألوان قوس قزح، وتأثير البكتيريا على الصحة العامة، وغيرها.

وعلى غرار ذلك، معلم الحساب، كما اولئك الذين سبقوه، فهو ذو قدرة، وقابلية تفوق إمكانيات معلمي هذا الزمان في ترتيب الأرقام، وفهم اسرار التعامل مع العمليات الحسابية، ورسم الأشكال والخطوط.

أما درسهُ فقد بقي في القلب عامراً، مُعَلِّمُنَا الذي صورته ما زالت عالقة في أذهاننا، مثل نخلة رسمتها دموع الفرات.

هي بصمات بقيت محمولة، مع ذلك الإصرار على التَّفَقه بعلم الآثار، ورائحة الطيب، وأغاني حضيري، وداخل حسن، ودواوين الشعر، تلك التي نكهتها في عيون العاشقين، مع أنس تلك المضايف، والدواوين حاضرة.

أسباب اجتمعت مفرداتها، لتصنع مطرباً، وفناناً، وملحناً وعالماً، ومؤرخاً، وكاتباً، ومعلِّمَاً، وإنساناً.

هي حكايات تلك المدينة التي بقي حضور أبنائها معطراً بأمجاد المواهب.

لذلك ذات يوم من شتاءات أمنيات تفيض بالمحبة، سمعنا ان معلِّمَ النشيد، صار مطرباً في الإذاعة، ودوي الإذاعة أيام زمان، كان له صدى بين صفوف الناس، وفي نفوسهم، حتى ان المدرسة صار فيها صندوق لطلبات المستمعين، وإذاعة نسمع فيها أسماءَنَا، التي نكتبها في قصاصات ورقية، بحثاً عن كلمات نتغنى بها.

يا نجمة، غريبة الروح، ورديت، ونخل السماوة، قصائد تأسرُ القلوب، تطربها تصنع منها أوديةً للعطاء، تأخذها بعيداً مثل أشرعة، ملؤها الأمل.

هنا إمتثالاً، بقيت أنفاسه مع اللحن، سفينة تطوف بنا، لنشد الرحال مجدداً صوبها، شوقاً لرحلة أخرى، لِمُعَلِّمٍ بقي صوته مذ كنا صغارا يعلِّمُنا روعةَ الإنشاد.

 

عقيل العبود

ماجستير فلسفة وعلم الأديان

باحث اجتماعي: سان دييغو

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم