صحيفة المثقف

يا أوَّلَ النِّساءِ، ويا آخرَ الوطن

عاطف الدرابسةقالَ لها:

أحملُ قلباً لا يُجيدُ الكراهية في زمن الكُره، أُحاولُ أن أزرعَ أزهارَ الفَرحِ، والجمالِ في كلِّ مكانٍ تصلُ إليهِ أفكاري، كم يؤلمني أن أرى شجراً يطرحُ ثمراً يابساً، كم يؤلمني أن أرى الماءَ العذب يشربُ الملح، يُقلقني أن أرى العواصفَ بلا رياحٍ، أو مطر .

كم مرَّةٍ استعرتُ عينيكِ، لأرى النَّهارَ يُقاومُ هذا العتمَ الكئيبَ، كم مرَّةٍ استعرتُ قلبكِ، لأشعرَ بالجياعِ، وأبناءِ الرَّصيف، كم مرَّةٍ استعرتُ عقلكِ، لأقرأَ أفكارهَم، وأتنبأ بكوارثهم، وأعرفُ أوكارَ الفسادِ، وأفهم كيف تولدُ المؤامرة من رحمِ عقولهم، الذي لا يحملُ بينَ خلاياه إلَّا أفكاراً عفنة خالية من الضَّمير .

يا حبيبةُ:

 نحنُ نقفُ على أرضٍ واحدة، تحتَ سماءٍ واحدة، لا تعترفُ بالعدل، ولا تعترفُ بالمساواة، هُناك من يموتُ قهراً، ومن يموت ظُلماً، ومن يموتُ جوعاً، ومن يموتُ غرقاً، وهناك من يشربُ النَّبيذَ بأواني الذَّهب، ويتناولُ التُّفاحَ بأطباقِ الذَّهب، يرفُل بثيابِ الحرير، وغيرهُ يمشي عارياً، لا يملكُ ثمنَ ثوبٍ من قشٍّ، أو قميصٍ من بقايا أوراقِ الشَّجر .

 أبحثُ عن صورةٍ جميلةٍ للوطنِ، لتعلقَ بعيونِ أطفالي ؛ فلم أجد إلّا صورتكِ .

 أخجلُ من كلماتي، وجُملي، من استعاراتي، وكناياتي التي تستمدُّ جمالها من صفاءِ روحكِ، وبهاءِ عينيكِ .

كم يبدو معجمي فقيراً أمامَ خصوبةِ جمالكِ، ونضارةِ عينيكِ، كم يبدو معجمي فقيراً، حينما أحاولُ أن أنتزعكِ من قبضة هذا الزَّمنِ العاقرِ لأزرعكِ في عينِ التَّاريخ، كم تبدو لُغتي قاصرةً، وأنا أُمارسُ طقوسَ التَّأويل، لأُفكِّكَ أسرارَ جمالكِ، وأسبُرَ أعماقَ أفكاركِ، ورؤاكِ، إنّي أخجلُ من لُغتي حينَ أرحلُ عن هذهِ الدُّنيا، وأنا أشعرُ أنَّكِ جعلتِ لغتي خالدةً حينَ أقمتِ فيها ؛ فأنتِ يا حبيبةُ تختلفينَ عن كلِّ النِّساءِ، لأنَّكِ وهبتِ لغتي أسبابَ الخلودِ، وأسبابَ البقاء .

 

د.عاطف الداربسة

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم