صحيفة المثقف

شئ عن الجمعية الجغرافية الروسية وعن الجغرافيا

ضياء نافعاحتفلت روسيا هذا العام 2020 بالذكرى (175) للجمعية الجغرافية الروسية، التي تأسست عام 1845 في الامبراطورية الروسية، وهي واحدة من اوائل الجمعيات الجغرافية عالميا في سلسلة هذه الجمعيات العلمية، اذ تأسست في اوربا الجمعية الجغرافية الفرنسية في باريس عام 1821 وتلتها الجمعية الجغرافية الالمانية في برلين عام 1828، ثم جاءت الجمعية الجغرافية الانكليزية في لندن عام 1830 . هناك في الوقت الحاضر طبعا العشرات من هذه الجمعيات الجغرافية وفي العديد من بلدان العالم، بما فيها بعض البلدان العربية، الا ان الروس يعتبرون جمعيتهم رائدة وطليعية في هذا المجال، ويعتزون ويتفاخرون بها كواحدة من امجادهم العلمية، والتي حملت كل السمات التاريخية للدولة الروسية، اذ كانت في بدايتها تسمى الجمعية الامبراطورية، ثم تحولت الى الجمعية السوفيتية، ثم اصبحت الان الجمعية الروسية . كانت احتفالات روسيا كبيرة ومتميّزة بذكرى تأسيس هذه الجمعية (رغم جائحة كورونا التي اجتاحت العالم وعرقلت مسيرة الحياة بشكل عام)، علما ان رئيس الجمعية الجغرافية في الوقت الحاضر هو شايغو – وزير الدفاع الروسي حاليا، والشخصية القريبة جدا من الرئيس الروسي بوتين، ومن الواضح جدا المعنى (الكامن!) باختيار هذه الشخصية العسكرية على رأس الجمعية الجغرافية الروسية، وفي هذا الوقت العصيب بالذات، وماذا تريد روسيا ان تقول للعالم عبر هذا الاختيار الرمزي الدقيق لرئيس جمعيتها الجغرافية .

الحديث عن تاريخ هذه الجمعية كان يشمل كل الجوانب المتعددة المرتبطة بعلم الجغرافيا، فهناك الجغرافيا السياسية، ولا اريد ان استخدم مصطلح (الجيوبوليتيك) الذي اصبح شائعا بلغتنا العربية، اذ ان تعبير (الجغرافيا السياسية) يشير بوضوح الى تأثير الجغرافيا على السياسة وانعكاساتها (تذكرت منطقة الحياد، التي كانت في خارطة العراق عندما كنّا ندرس الجغرافيا بالمدرسة الابتدائية في الايام الخوالي، والتي كنّا نسميّها بلهجتنا العراقية ضاحكين – (البقلاواية !)، وكيف اختفت هذه (البقلاواية) من خارطة العراق في الثلث الاخير من القرن العشرين، اي الفترة البعثية طبعا، والحليم تكفيه الاشارة)، وهناك الجغرافيا الاقتصادية، والجغرافيا الاجتماعية، والجغرافيا الزراعية، والجغرافيا الثقافية، والجغرافيا التاريخية، والجغرافيا الجيولوجية، والجغرافيا الفيزياوية، وجغرافيا المحيطات والبحار وغيرها، وهناك تفرعات تفصيلية كثيرة ومتشعبة لكل هذه الانواع والاشكال في علم الجغرافيا الواسع جدا، وهو الشئ الذي اصتدم به احد زملائي المترجمين عندما تمّ تكليفه بترجمة دليل كليّة الجغرافيا في جامعة موسكو، اذ لم يستطع ايجاد المصطلحات العربية اللازمة لترجمة حتى تسميات بعض الاقسام العلمية في تلك الكليّة، ناهيك عن تسميات مفردات المناهج وتفصيلاتها في تلك الاقسام العلمية، وقد اضطر هذا الزميل ان يعتذر – في نهاية المطاف - عن الاستمرار بذلك العمل الترجمي آنذاك، واقترح تكليف لجنة متخصصة لتنفيذ هذا العمل العلمي .

وانا اتابع احتفالات روسيا بجمعيتها الجغرافية، تذكرت واقع علم الجغرافيا في العراق، الذي لازال العراقيون يدرسونه في كلية الاداب ضمن قسم الجغرافيا، وهذا يعني، ان علم الجغرافيا في مفاهيمنا التربوية هو جزء من العلوم الانسانية البحتة ليس الا، وتذكرت، عندما شاركت مرة (عندما كنت مقررا لقسم اللغات الاوربية) في اجتماع مجلس كلية الاداب، كيف ان ممثل قسم الجغرافيا في تلك الكلية عرض على المجلس الخلاف الذي حصل في مجلس قسم الجغرافيا بشأن مادة (قاع البحار)، اذ وافق بعض اعضاء مجلس القسم – وبحماس - على ادخال هذه المادة ضمن مفردات المناهج التدريسية، وعارض بعض اعضاء المجلس – وبحماس ايضا – هذا المقترح، و لم يصلوا الى حلّ في القسم لهذه المعضلة العلمية، وبناء على ذلك قرروا عرض الموضوع على مجلس الكلية من اجل حسمه، باعتبار هذا المجلس هو أعلى سلطة في الكلية، وأذكر ايضا ردود الفعل المتنوعة جدا لاعضاء مجلس كلية الاداب بجامعة بغداد حول هذه الفقرة، والتعليقات الطريفة بشأنها، والتي كانت تبيّن و تؤكد كم كنّا بعيدين (ونحن اساتذة نحمل الالقاب العلمية الرنانة من استاذ الى استاذ مساعد) عن فهم واستيعاب علم الجغرافيا وخصائصه الدقيقة، هذا العلم الكبير والمتشابك، و بعد التي واللتيا، أرجع مجلس الكلية هذه الفقرة الى اللجنة العلمية في قسم الجغرافيا لايجاد القرار العلمي الملائم بالنسبة لمادة (قاع البحار !) هذه، معترفا بفشله، ولكن بشكل دبلوماسي وغير مباشر طبعا وتحت ذريعة (الاختصاص الدقيق !) وضرورته في ايجاد الحلول بهذا الشأن.

علم الجغرافيا ينتظر جهود الجغرافيين العرب، كي يشغل هذا العلم مكانه الحقيقي والجدير به في مسيرة حياتنا، فنحن احفاد الادريسي.

 

أ. د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم