صحيفة المثقف

المدينة التي تنام داخلنا

انور بن حسينيكبر الشوق في الأزقة والشوارع

 الأرصفة الجريحة تعرف صوتي

  المدينة التي لم تطأها قدماي يوما

كأني على أسفلتها ضريحا

و كأنها إيقاع ناي على جناح أشرعتي

رقصة ترتعش في نبض وردة

أسطورة تفلت من سحر السطور

تولد لغة من العبث والشتات

تسمو شمسا بين مشرقين

شهابا بين ضفتين

حلما ينبت بين الأخضر واليابس

كشجرة زيتون يسقي زيتها جراح السنين

يضمد الطعنات والخيانات

الطريق ليل لا نراه

 الوصول أبعد من مرمى البصر

ماذا لو ضاع الطريق

بين كابوس وشجرة زقوم ذابلة

**

تلك التفاصيل التي نجهلها

رتق على قماش الحضارة المنكوبة

خوف يحبس أنفاسه بمخدع الخديعة

يفلت من سطو الخناجر والحناجر

يتشكل شفرة عبور بين اللحم والأظافر

أقلام تجدف في الرماد

الأقداح تسكب أسرارها على كف الرغيف الأخير

الطين يرمم شقوق الانكسارات التي لا تنتهي

يلون التراب برائحة البرتقال

يروي جفاف النبع والأنهار

يترك للبحر متسعا ليبتلع زيف الخرافة

يقذف بها يما على سواحل المجازر

ويضع الغزاة في شراك الانتحار الاضطراري

الذاكرة تتمرغ على الجمر والرماد

يا قدس يا قبس الفاكهة الخالدة

يا نشيدا يبعث من نبض الرفوف والحروف

يا عروسا تتحلى بكحل الأحجار العتيقة

يا رسما فاضت على ضفافه الأقمار

يا طيفا يطفو مجازا بين شقوق الجدران

يقيم ناسكا بين فصول الشوق والاشتياق

يتمنى لو يكون رائحة برتقال في ثنايا الحقول

أو غصن زيتون يملأ كف الفراغ

**

نموت ونحيا...

نعود من تحت التراب نسيما يعبق بالحنين 

أو حروفا صلبة  تولد في الغيب أغنية

تمطر صهيل الرصاص

نؤجل المصير إلى النفخة الأولى

لنا الأتي ...لنا الغيب

لنا رب يحمينا

اقرؤوا تعاليم السماء

اقرؤوا وعد بلفور مرة أخرى

اقرؤوا إنجيلكم, توراتكم, وتعاويذكم

وأخرجوا لنا جملة تعيدكم إلى تاريخنا

** 

أجسادنا صفحات بيضاء

البياض يحاصر بقايا السواد  

ينسف كل الألوان التي تنسلخ من الفراغ

يترك الحبر يتمرغ على نزيف الصدى

يباغت القادمين من الصفحة الأخيرة للأزل

فيكون المعنى آخر من ينتصر

لنا الأزل ...لنا الخواتيم

على اكفنا تستقر الحكاية

 أشيائكم نزق على البياض

 خرافة طويناها مع آخر جندي

استسلم لأساطيرنا الأولى

 في النهاية تهرب الأمنيات من الظلال

 تحفر صمتها على جسد البياض 

صوتا معتقا بالصهيل

**

السماء تحمينا

و ما تحت النديم ينادينا

لكم أشيائكم وصواريخكم

فاخرجوا من أشيائنا وعطرنا 

من صلصال رفاتنا الموغل في القدم 

نرنو إليكم من الأزل

نجمع  رصاصكم في هواء أهوائنا

نرسم به قدسا نراها ولا ترونها

هي المدينة التي تنام داخلنا

رائحة الياسمين تغسل أجسادنا عند الفراق

أنظروا في الصباح

هل ترون القدس في مراياكم

نحن نراها كما نراكم

تتجلى لنا قصيدة في أجمل الأوقات

نحضنها عند الفجر طيفا

نمسي نجوما تضيئها مساء

القدس نعشقها وتعشقنا

قصة حب ...

كل يوم نلتقي بها

مرة في بيتنا

مرة في السماء

مرة تضمنا تحت أعطافها نتدثر بأنفاسها

ومرة تواري أجسادنا بمسكها

**

غزة برد يطوف حوله أوار من حطب الفجيعة

سحابة تخمد خيفا ينفخ سموم الغابرين

 الطريق جلي كما نراه

والسراب يفضح عيون العابرين

فما سلككم إلى أسوار مينودا؟

تتوسلون بحرها والقوافل

عناقيد العنب على بلاط هيلاريون

شقف الفخار على التل القديم

والصليب المعقوف في المقام المقدس

غزة أبواب موصدة

لا يدخلها من يدنو خلسة من أبوابها

هل أفشي لكم سرا من أسرار المدينة ؟

غين : غالب ومغلوب وغيث غزير

زاد : زفرات من زبور الأولين

تاء : تاب على أعتابها من حاباها وتاه من عداها

يسري الأحرار للمدينة نهارا

تعرج بهم ليلا في سمائها

فتبدو كالعراجين المضيئة تتدلى وتلتف حولها

كأنها الأطياف تشيد من القصائد سورا منيعا

لا تجوز الاستعارات في وصف الزيتون والياسمين

ويحتار المجاز على الشرفات

***

شعر : أنور بن حسين

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم