صحيفة المثقف

منذ مأة عام.. وأنا أحبك

معراج احمد الندويإن هناك قوة في السماء تحبني بشدة على الرغم من كفري وجحودي، وهذه القوة السامية التي تملأ على الظلمات نورا وتشعرني بأن هناك قوة تدفعني إلى الحب للناس والحياة والكون، والنفوس البشرية هي نفس واحدة من الأزل إلى الأبد، وإن ثمة وحدة في الوجود بين الإنسان والكون والحب.

الحب هو المصباح الذي تطرد ظلمة النفس. ولا يتحقق حقيقة الحب إلا امتدادا أفقيا على قمة تلال الوقت والعمر والزمن، وأن الزمن وحده يحقق أبعاد الحب التي لا يدركها العامة، ولكني من عامة أزمنة لا تعرف هؤلاء الذين ملأوا الكون بأفكارهم الهدامة وأفسدوا في الأرض.

الحب الذي يجمع الأرواح المنفصلة في عالم المادة التي تعيد الأرواح إلى الأرض لتعيش ملذات الحب، لأن الحب له أبعاد روحية. وهذا الحب يؤلد الألم، ولا يمكن أن يكون هناك حب من دون ألم وحزن، فالحب الحقيقي هوالذي يؤلم ويحزن ويجعل القلب دائم الخفقان، والقلب كتلة من الألم والحزن بينهما يسكن الحب والحقيقة الوجودية العظمى.

الحب الذي يمتد بالزمن والتواريخ والأعمار يصبح كائنا حيا يحمل جمرا مشتعلا في داخله، ولكن ما هذا الحب؟ ومن أين يأتي هذا الحب؟ هل هو حلمٌ سعى في سكينة الليل أم هو حقيقة كانت منذ الأزل وستبقى الى آخر الدهر؟ ولست أدري أيها الزمن الذي لم أحلم بك بصناعة كائن فريد يرسم له الكون.

الحب الذي أعرفه لا صيف له ولا شتاء، ولا فصول له ولا مواسم، الحب الذي أعرفه يشكل من خلاله أن يجمع بين الحكمة والجنون، ولكن اليوم تغير وجه السماء في هذه الأرض، وأنا اشعر بأن الوقت يداهمني. واليوم أصبحت وحيدا في هذا العالم، لا صديق له يحميه من رياح النهار وعواصف الزمان.

الحب يكتشف اسرار الوجود ومعنى الحياة، الحب هو صلاة الجسد ونغمات الروح، والجسد المتحرك عندما يسير بسرعة الضوء يتوقف الزمن عنده ويتجمد ويتلاشي تماما منا لمكان والزمان. الحب الذي أعلى من السماء حالة من التحقق الحسي والروحي، وهو يعكس الحقيقة التي في داخلنا ثم يتولد من فكر واحد وحاسة واحدة في هذا العالم.

إن احتكاك الجسد بالجسد مع الحب يؤلد أجمل شيء في العالم، وإن توافق الفكر والعاطفة تدفع الإنسان إلى الحصول على المعرفة والخير والجمال وتمنح القوة والإرادة وحب الحياة. الحب يقود الإنسان إلى معرفة الذات، ومن خلال هذه المعرفة يمكن أن تقوم هذه المعرفة الكلية وحدة الحياة والموت، وحدة الروح والجسد، وحدة الزمان والمكان.

تعرفت على امرأة أحبها قلبي في أيام طفولتي، فكنت أركض وراءها في الحقول والشوارع، وعرفتها في أيام الصبا، فكنت أرى خيال وجهها في وجوه الكتب وأشاهد خطوط قامتها بين غيوم الماء وأسمع نغمة صوتها متصاعدة مع خرير السواقي. وعرفتها في أيامي الرجولة، فكنت أتحدث معها في عالم الخيال وأحكي لها حكاية قلبي، ولكن دارت الأرض بها أينما دارت، وأصبحت قصة الماضي، ولم تبق لي إلا أحلامها وذكراها. هل تعرف ماهو اسم تلك المرأة؟ اسم المرأة التي أحبها قلبي فهو الحياة.

واليوم أنا أنظرها في أحلام يقظتي وأحلام نومي، عندما افتح عيني أجد صورتها في كل الصور، حينما اخاطب أسمع صوتها في كل الأصوات. أحبها لأرسم حكاية بلون الشبق والمستقبل.

أخبرك أيتها الحبيبة في عالم الخيال، أنت لي كل الكائنات، أنت لي روح وجسد، أنت لي صديق حميم، والصديق هوأجمل أختراع في هذه المجرة لتجاوز لنكبات الروح وخيبات الأمل.أخبرك أيتها الحبيبة بما لن يخبرك به أحد غيري، أخبرك أنا سليل الألم والحزن، ولكن أنا أسعد بك وأحبك، لا بدأن أكون اسعد رجل على كوكب الأرض في التاريخ لأن صوتك الملائكي يأتيني حاملا أهواء الحكايات والولادات الجديدة التي تغمرني بالحب والغرام.

الانتظار هوكل ما أملك الآن، وليس لي غيره، أنا بانتظارك وسانتظرك حتى اتنفس أنفاسي الأخيرة، وأنا لا أعرف متى يقدم على ملك الله ويقودني نحو المجهول. وأنا في هذه الساعة، لا أملك إلا الصبر والانتظار، ولوحملت به إلى الأبد، فهو أمل المستقبل. أتذكرك وتسيل الدموع من عيني، والدموع ماء الروح، والروح لا تبكي وإنما تبلل حقائق الحياة والكون كئ تزهر عشقا وحبا، الروح تتعطش للعودة إلى مصدرها وهو الحب. منذ مأة عام.. وأنا أحبك.

 

الدكتور معراج أحمد معراج الندوي

الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها

جامعة عالية ،كولكاتا - الهند

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم