صحيفة المثقف

بنيامين ستورا وصراع القوميات

علجية عيشفي ظل التواجد اليهودي بالجزائر أنجبت مدينة قسنطينة من رحمها أبناءً هم من أصل يهودي وبحكم مولدهم فهم يُحْسَبُون على مدينتهم "الأم" التي أنجبتهم وعلمتهم في مدارسها، ومن الذين ولدوا في مدينة قسنطينة  اليهودي إيلي غزلان الذي تتلمذ على يد رئيس الحكومة المؤقتة فرحات عباس، والفنان أنريكو ماسياس، وبنيامين ستورا الذي درس تاريخ المغرب العربي وتاريخ الاستعمار الفرنسي، وغلبت كتاباته في الحركة الوطنية الجزائرية

لطالما أدار المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا المختص في بحوث الحركة الوطنية الجزائرية  ما يسمى بـ: "صراع القوميات"، باعتبارها أمر طبيعي في السياسات الدولية، وصلت إلى حد اشتعال حروب طاحنة بين الدول، كما هو الشان بين المانيا وفرنسا، وبين فرنسا والجزائر، ولعل اهتمام بنيامين ستورا بالقوميتين الفرنسية والجزائرية يعود لكونه جزائري فرنسي،  فبالرغم من أنه ينتمي إلى الطائفة اليهودية، فهو من حيث المولد والمنشأ يعد واحدا من أبناء مدينة قسنطينة، ولد فيها عام 1951 أي قبل ثلاث سنوات من اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954، ورغم صغر سنه كان كثير التساءل حول ما يحدث بين الجزائر وفرنسا، فكانت جل بحوثه حول الحركة الوطنية الجزائرية والتعمق في جذورها ومن هم أبرز  القادة والزعماء الجزائريين، كما كان اهتمامه بالظاهرة "المصالية" من خلال كتاب أصدره حول مصالي الحاج، كتب مقدمة الكتاب كل من  الرئيس السابق أحمد بن بلة والمؤرخ محمد حربي.

عمل المؤرخ بنيامين ستورا  كباحث بمعهد المغرب العربي أوروبا بجامعة باريس 08، وكان جدّ متأثرا لما يحدث للشعب الجزائري من عمليات تعذيب وقمع من طرف الإستعمار الفرنسي، وكانت مواقفه تثير غضب السلطات الفرنسية شأنه شأن باقي المثقفين الفرنسيين الذين تعرضوا للحصار من أجل القضايا العادلة، وما كان يعرف بالعالم الثالث كجون بول سارتر، أندريه مندور الذي رفع تحية المقاومة الجزائرية، هنري علاق وجاك فرجاس صاحب كتاب "من أجل جميلة بوحيرد" ومثقفون آخرون اجتمعوا من أجل السلم في الجزائر  وشكلوا "حربا كتابية" من أجل وضع حد للقمع، لم  يكن  بنيامين ستورا يتصور ان العلاقات بين الجزائر وفرنسا ستصل في يوم من الأيام إلى التخلص من أعباء وأثقال التاريخ، وهذا بالنسبة له صعب تحقيقه، لأن هناك صدمات وجراحات عميقة لم تندمل بعد.

فمن وجهة نظره هو، ورغم اعترافه بأن  أول نوفمبر يعتبر تاريخ القطيعة مع العهد الكولونيالي، إلا أن المشاكل المرتبطة بالذاكرة كما يقول لا يكفي عمل المؤرخين لحلها، إنما تندمل الجراح بتعاقب الزمن والأجيال، وهذا موقف لا أحد يدري إن كان يحسب له أو يحسب عليه، خاصة ما تعلق بمسألة اليهود وملف الحركى الذين وقفوا إلى جانب الجيش الفرنسي كان متحفظ جدا عندما وجه له سؤال في هذا الشأن وقال لا يمكن اتهامهم بالخيانة، لأن هذا يحدث أثناء الحروب، وهو بالتالي يسير على نهج ألبير كاموا الذي قال: "لو خيرت بين العدالة وأمّي لأخترت أمّي"، ولبنيامين ستورة مواقف أيضا حول موجات الهجرة الجزائرية إلى فرنسا، وقد ذكر  أربع موجات، حيث قال: كانت لدينا عدة موجات من الهجرة إلى فرنسا: الأولى من الطبقة العاملة الكلاسيكية، خاصة من منطقة القبائل في ثلاثينيات القرن الماضي، ثم موجة ثانية خلال الحرب الجزائرية، وموجة ثالثة خلال إنهاء الاستعمار، وأخيراً موجة رابعة غير معروفة، لكنها موثقة قليلاً في التسعينيات، بعد ظهور الإسلاميين، في إشارة منه إلى الحرب الأهلية التي دارت بين جماعة الفيس والنظام .

وإن كان بنيامين ستورا غلب عليه التحيز الظاهر لليهود ورسم لهم صورة مثالية، فإن المغني اليهودي أنريكو ماسياس أخطرهم بحكم أنه من المدعمين لكل ما هو صهيوني، وكانت له مشاركات قوية في حرب أكتوبر 1963 و1973 بغنائه في صفوف الجنود الصهاينة لرفع معنوياتهم بعد تكوين "إسرائيل الكبرى" من موريتانيا إلى العراق..، وبالعودة إلى موقف بنيامين ستورا القاضي بصعوبة التخلص من أعباء وأثقال التاريخ، لأن هناك صدمات وجراحات عميقة لم تندمل بعد، ما زال الشعب الجزائري يتذكر الحادثتين التي آلمته  كثيرا وجرحته في العمق، الأولى تتعلق بالزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى الجزائر في سنة 2003 واصطحابه معه واحدا من المرفوضين والمغضوب عليهم في الجزائر وهو وزير قدماء المحاربين الفرنسيين، الحركي حملاوي مكاشرة، غير أن هذا الحلم لم يتحقق، حيث لقي هذا الخبر استنكارا شعبيا لدى سكان مدينة قسنطينة، مما دفع بهم إلى تشكيل لجنة مناهضة للتطبيع مع اليهود..

والثانية  في عهد الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة إثر  دعوته  الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لزيارته الجزائر ومن ثمة إلى مدينة قسنطينة  في 06 ديسمبر 2005 وقاما الاثنان بزيارة فيلاج اليهود بحي سيدي مبروك الأعلى والمناطق التي يسكن بها اليهود، وقبل الزيارة كان المغني اليهودي أنريكو ماسياس قد خرج عن صمته ليعلن بشأن اصطحابه من قبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ويحقق حلمه الذي راوده في زيارة مسقط رأسه، بعدما وجه له رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة دعوة لزيارة الجزائر في إطار العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وباريس.

الملاحظ أن هذه العلاقات الدبلوماسية التي تربط بين البلدين، مهدت الطريق  للسلطات الفرنسية لإستعادة بعض ما فقدته من قوة، من خلال تكليف المؤرخ بنيامين ستورا بملف الذاكرة من طرف الرئيس  الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل تعزيز "المصالحة بين الشعبين الفرنسي والجزائري"  أي إمكانية تجاوز الجزائريين مطلبهم بتقديم فرنسا اعتذارها عن الجرائم التي ارتكبتها طيلة 132 سنة، في الوقت الذي كلف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عبد المجيد شيخي مستشار لدى رئاسة الجمهورية المكلّف بالأرشيف الوطني والذاكرة الوطنية،  لكن وكما يقال للصراع حدود، وخطوط حمراء، تقبل بتنازل هذا الطرف أو ذاك، ويبقى السؤال حول من يدير هذه اللعبة ويتحكم في محاور صراعاتها؟ أمام مطالب الحق في العودة واستعادة الأقدام السوداء ممتلكاتهم التي تركوها عشية الإستقلال، أم أن قوميات أخرى ستظهر وبظهورها تتكسر كل الحواجز؟

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم