صحيفة المثقف

الحب سيبقى والصداقة سترسخ ياكوفيد/19

جواد غلوم"من إحداثيات الكورونا"

لفت نظري أثناء فترة الحظر الصحي الذي فُرض علينا الشهور الماضية وما زال حتى الان  بسبب فيروس / كوفيد 19 خبرٌ أذاعته أكثر من قناة تلفزيونية ألمانية قبل بضعة أيام في نشرة أخبارها تحت عنوان: "الكورونا لا تقف في وجه الحب" .

 أوردت فيه تلك القنوات خبرا مصوّرا عن سيدة ألمانية كبيرة بالسن، تلتقي بحبيبها السويسري، المريض والطاعن في السن أيضا عند نقطة الحدود التي أغلقت بين البلدين بسورٍ هو عبارة عن شبكة معدنية عالية ؛ إذ تجلس السيدة عند آخر خطوة من حدود بلادها ويجلس الرجل عند آخر نقطة من حدود بلاده أيضا، يضع كل منهما طاولة صغيرة متحركة أمامه، فوقها كأس زجاجية، كما شاهدت كأسا أخرى ممتلئة ؛ أظنها جعةً أو نوعا من العصائر على طاولة الرجل، وقليلا من المقرمشات والأطعمة البسيطة .. يبقيان هناك على هذه الحال طوال بعد الظهر ولا يهتمان بالأجواء بردت ام سخنت ولا الرياح هبّت ام سكنت يتقابلان في العراء حتى تغيب الشمس، يرويان القصص والأخبار ويتسليان معاً في أحاديث تبدو شيقة أحسستها من خلال طلعتهما المبتسمة وإشراقة وجهيهما والسعادة الظاهرة عليهما في اللقاء .

الخبر بحدّ ذاته لطيف وطريف وملفت حقاً فقد تحديا الحجر وعزما ان يلتقيا مهما كلّف الامر حياتهما، ولم يعبآ بالمخاطر التي أحدثها هذا الكوفيد الأحمق .

المتحابان تجاوزا الثمانين من عمرهما، ومع هذا بقيت شعلة الحب متقدة لا تخبو في قلبيهما، ولم تمنعهما الحدود المغلقة من اللقاء اذ خاطرا بحياتهما ليلتئم شملهما حديثاً ورؤيا بلا اقتران جسدي مع وجود الحاجز .

 ففي دراسة ألمانية حديثة قرأتها منذ فترة تؤكد أن الحب لا يعرف عمرا طال أم قصر، انه يتحدّى مراحل الانسان الزمنية ؛ ليس هذا  فحسب، وإنما ثبت أيضا أن الحب مرتبط ارتباطا وثيقا بالصداقة، وإلاّ فأنه محال ان يدوم بلا علاقات صداقية ترمم المحبة وتبلسمها لو توعكت قليلا .وبدون الصداقة الصدوقة في العلاقة بين اثنين لن يدوم الحب أكثر من بضع سنوات، إذ يجب على المُحّب أن يكون قادرا على أن يشارك حميمه جميع اهتماماته وأفكاره، كما لو أنه يشاركها مع أفضل أصدقائه، وبهذا المنحى يكون الحبيب عادة " الصديق المفضّل ".

هذا عن صفة الحب عند كبار السن، ولكن هل يحب الأطفال؟

أجابت الدراسة بنعم . فكما أن الطفل يحب والديه، فأنه يحب صديقه أو صديقته ويتعلق بها .

وهذا ما نلحظه في المدارس عندما يرجو طفل من المعلمة أن يجلس قرب فلان من التلاميذ أو فلانة .. يلعبان معا، يتحادثان بعفوية، أو يقدم شيئا من فطوره لها ويستعير كراسته، وقد يعانقها ويقبلها وبالعكس .

حتى اليوم لا نعرف كل قدرات دماغ البشر على التحكّم بمشاعرنا، ولا شك اننا سنكتشف يوما بعد آخر ان الحب هو مُحرّك هذه الحياة وجوهرها، وانه يولد معنا ولا يموت حتى بعد موتنا، وقصة روميو وجولييت أو قيس وليلى وشيرين وفرهاد خير مثال على ذلك فهذه القصص تبقى خالدة وتتوارثها الأجيال .

واذا كان الحب أجمل نعم الله علينا نحن البشر، واذا كانت الدراسات الحديثة تؤكد قدرة الأطفال على الحب، فمن المؤكد ان الكهول أيضا يستطيعون الاستمرار بالحب مهما تقدموا بالعمر .

فالعمر يجري ويلاحقه  الحب والفرح أينما سرى وحيثما أزفَ، نحن نقرر أن نبقى شبابا في الحب أو أن تموت خلايا قلوبنا وتبهت أرواحنا من دون محبة .

تلك هي الحياة أوصتنا بالحب شيبا وشبانا وفتية، لأن الوصول اليه أيضا يكون بالحب وليس بالحقد والكراهية ؛ فالحياة لم تعطنا ولا تعطينا كل ما نحب ولكن من نحبهم يعطوننا كل الحياة .

أؤمن أنه في كل دواخلنا قنديل مليء بزيت المحبة ؛ لا يحتاج منّا إلا الى شعلة صغيرة ليملأ الدنيا ضياء وبهاء ويفوح عطراً وعبيرا .

فلتضيئوا وتتوضئوا به بالحبّ وتتطهروا بمائه الرائق الدافق ولتلعنوا الظلمة ومطفئي شموع المحبة لتسيروا في طرق الحياة بمرأى كاشف، ولا تعبأوا بعثراتها ومطبّاتها وأخاديدها طالما مصباح المحبة يبقى مشتعلاً في دروب الحياة السالكة والوعرة معاً .

 

جواد غلوم

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم