صحيفة المثقف

متمردة

الطيب النقرتريد هي أن تحيا حرة، ويأبى دينها وذويها والمجتمع التي تعيش فيه إلا أن يقصوا من جناح هذه الحرية، فهي منذ طفولتها الباكرة أظهرت من ألوان الشدة في مجابهة هذه القيود ما يثير ويغري بالشر، فقد كانت تتصدى لكل من حاول ردعها بالتسفيه والتحقير، وظلّت على ذلك العهد حتى أخذتها خمرة العناق، وأستغرقتها لذة القُبّل، أضحت الان بعد أن فرهدت ثغور رياضها، وعربدت مخايل الحسن فوق حياضها، فاتنة مهووسة بأسباب الدقة والنظام، فهي تفي بوعدها لكل من فارقه لبه، وتخاذلت عُرى قلبه، أمام جمالها الأخاذ.

2-

لقد تقوضت دعائم الصبر عند عائلتها التي لم تزل على أتمّ قلق، وأعظم حسرة، منذ أن تجاسرت فتاتهم على القيم، ومضت خلف نزواتها، آثر والدها الذي وقع اليأس في دواخله، ومرض أمله في تقويم اعوجاجها، أن يضع حداً لتهتكها ومجونها قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه، خاصة أنها بعد أن تورد من غضارة الشباب خدّها، واهتز من نضارة الصبا قدّها، قد شفًها حُب السهر، وأضناها كلفها بمحادثة الفتيان، أتت تمشي بخصر دقيق، وردف ثقيل، كأنها غصن بان، أو قضيب خيزران، وهي تنتفض من الذعر، بعد أن لاح لها أن أباها قد رام جزّ عُنقِها بحسامه الصقيل الذي يزين به جدران غرفته، ولكنها فغرت فاها العْذب من الدهشة حينما رأته وقد أماطت السعادة عبوسه، وأبدت النشوة شموسه، وبمعيته شاب ينحدر من أسرة كظها الغنى، وبشمتها الثروة، كان هذا الشاب يختلق الأسباب ليفصح لها عما يُعنّى نفسه من أغلال الغرام، سئم نقش قوامها السمهري على وجوه ألواحه، ونصب تمثالها الجميل فوق سطوح الحيطان، أمسى أسير عينين يعجز عن وصفهما لسان، وشفتين يذهل عنهما بيان، هو لا يرعوي لمن خاض في ذمها، لا يأبه لمن أقسم بأن صدره قد ضمها ، لم يبقى له عشقها فضل من عقل، أو حظ من فهم، إنّّ أشهى ما يسمو إليه الآن هو تقبيل خدها، ارواء روحه الظمآنة من غدير حبها، لقد سحرته عيونا دُعْجا، وحواجب زُجا، وقضى عليه جسمها الريان.

3-

بعد اقترافه لمخزيات الضعة والهوان، وزواجه ممن أفنت أمواله، وذعذعت آباله، وغيرت أحواله، بات عِظم ميزته، وعلو مرتبته، يكمن في اقترانه بمن ينشد وصالها الليوث الضراغمة، والملوك القماقمة، لقد أستطاع أن يؤدي الأدوار المرجوة منه في تفاني وإخلاص ، فهو لا يمتعض إذا ضم مخدعها أراذل الرجال، لا يتأفف من الأغمار إذا أوغلوا في رشف حميا الوصال، أما هي فقد ظلت في بهجتها ورونقها لم يُشِن حُسنها تهافت أو ذبول، ما زالت تصرع ضحاياها في مجالس السلاف، وملاعب الشُمول، حتى تحدرت من أعينها سوارب الدموع، وأظهرت لبارئها الامتثال والخضوع، عندما ظفرت بداء عُضال من شقي بسطت له هي رقاع الإغراء.

***

الطيب النقر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم